ترامب يوضح لنتنياهو أن نقل السفارة إلى القدس رهن باتفاق سلام مع الفلسطينيين
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•من الصعب القول إن أحداً في مكتب رئيس الحكومة في القدس أو في الحكومة الإسرائيلية فوجئ يوم الخميس بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب التوقيع على أمر رئاسي يقضي بتعليق نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. فمنذ 20 كانون الثاني/يناير الماضي، عندما لم يذكر ترامب الموضوع في خطاب تنصيبه، بدأ نتنياهو ومستشاروه في فهم ما يحدث.

•لكن من المدهش أكثر أن ترامب منذ دخوله إلى المكتب البيضاوي ثابت في أفعاله وتصريحاته بشأن كل ما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. فقد أعلن الرئيس الأميركي أنه معني بتحقيق "الصفقة النهائية" التي ستنهي "الحرب التي لم تنته" بين الطرفين، وعّين موفداً خاصاً لعملية السلام، وطلب وحصل من نتنياهو على كبح البناء في المستوطنات، وطلب وحصل من نتنياهو على خطوات اقتصادية موجهة إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية، وأعلن أن اتفاق سلام إسرائيلي- فلسطيني سيساهم في تحقيق السلام في الشرق الأوسط وفي العالم كله.

•لقد ترك ترامب وعود حملته الانتخابية المتعلقة بموضوع القدس خارج المكتب البيضاوي. وفهم، مثل كل الرؤساء الذين سبقوه، أنه إذا أراد الدفع قدماً "بالصفقة النهائية" بين الإسرائيليين والفلسطينيين فيتعيّن عليه على الأقل إبقاء السفارة في تل أبيب.

•برز سلوك ترامب الحذر حيال مسألة القدس خلال زيارته للمدينة قبل أسبوع ونصف الأسبوع. لقد قال في خطابه في متحف إسرائيل كلاماً هاماً ومحقاً بشأن العلاقة التارخية العميقة التي تعود إلى آلاف السنوات بين الشعب اليهودي والقدس، لكنه أظهر عبر أفعاله براغماتية وفهماً بأن واقع المدينة في سنة 2017 لا يشبه الواقع الذي كان سائداً أيام الملك داوود.

•وبخلاف آمال العديد من الأشخاص في اليمين الإسرائيلي، لم يعلن ترامب خلال زيارته أن القدس هي عاصمة إسرائيل الموحدة، وامتنع عن اتخاذ أي موقف من السيادة الإسرائيلية على المدينة. وهذا ما فعله أيضاً فيما يتعلق بحائط المبكى [حائط البراق] الذي زاره من دون وجود ممثل رسمي رفيع عن الحكومة الإسرائيلية. لقد تعامل ترامب مع القدس بصفتها منطقة خارج الحدود، نوع من فاتيكان للأديان السماوية الثلاثة. وكان ينقص أن يقول إن السيادة على الأماكن المقدسة هي بيد الله.

•إن إعلان البيت الأبيض قرار ترامب التوقيع على أمر رئاسي بشأن القدس اشتمل على ربط مباشر بين نقل السفارة الأميركية إليها في المستقبل والتوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ووصف البيان تحقيق هذا الاتفاق بأنه في مصلحة الأمن القومي الأميركي. وجرت صياغة البيان بلغة يفهمها رئيس الحكومة جيداً وتتمثل في المثل المعروف - إذا أعطيت تأخذ، وإذا لم تعط لا تأخذ.

•لقد ذكّر ترامب نتنياهو بأنه ليس هناك هدايا مجانية - على الأقل ليس عنده. والرسالة التي اشتمل عليها بيان البيت الأبيض هي أنه إذا كان رئيس الحكومة يريد السفارة الأميركية في القدس، فإن الطريق إلى ذلك يمر عبر اتفاق سلام مع الفلسطينيين. ويعلم نتنياهو ذلك جيداً منذ بضعة أشهر. وليس مصادفة توضيحه لترامب أنه برغم رغبته في أن تُنقل السفارة الأميركية إلى القدس، فإنه ليس مستعداً أن يقدم لقاء ذلك تنازلات سياسية للفلسطينيين. 

•مما يوجع القلب قراءة الردود التي صدرت عن السياسيين من اليمين على بيان البيت الأبيض بشأن السفارة. كم كان سهلاً على ترامب الاستيلاء على قلوبهم من خلال كلام جميل وملاطفات وردت في خطابه في الأسبوع الماضي، من دون أن يكون هناك أي تغير في الجوهر. في كل أسبوع منذ 20 كانون الثاني/ يناير، يصفع الواقع وزراء الليكود و"البيت اليهودي" ويخيّب أملهم. لكن على الرغم من ذلك حرصوا حرصاً شديداً على عدم مهاجمة الرئيس الأميركي. وجميع الوزراء الذين اعتادوا شتم أوباما كل اثنين وخميس، ردوا وكأنهم دبلوماسيون بولنديون واكتفوا بالتعبير عن "خيبة أملهم" من قرار ترامب.

 

•كما أن الرد الذي نشره نتنياهو اليوم على القرار كان مدهشاً من حيث اللغة المهذبة التي صيغ بها. فرئيس الحكومة الذي عودنا على التهجم على الرؤساء الأجانب الذين لا يفعلون ما يرغب فيه، ردّ على الرئيس الأميركي بخشوع غير مألوف منه. لقد شدد نتنياهو في بيانه على أن عدم نقل السفارة يؤدي "إلى إحياء الوهم الفلسطيني بعدم وجود علاقة للشعب اليهودي ودولته بالقدس"، وهذا قطعاً غير صحيح. إن موقف نتنياهو هو الذي يساعد حكومة اليمين على التوهم بأنه من الممكن الحصول على شرعية دولية لعاصمة إسرائيل من دون اتفاق سلام مع الفلسطينيين.