•إذا صحّ أن إسرائيل هي التي نفذت الهجوم في سورية فجر أمس، فهذا يعني أن لوزير الدفاع الإسرائيلي أعصاباً من حديد، لأن ليبرمان كان يحضر مؤتمراً دولياً لشؤون الأمن في موسكو - حضر المؤتمر 20 وفداً أمنياً رفيع المستوى بينهم وزير الدفاع الإيراني - وعقد اجتماعاً ثنائياً مع وزير الدفاع الروسي محوره المصالح المشتركة بين إسرائيل وروسيا في سورية. وبعد ساعات على الاجتماع، وصلت أخبار عن مهاجمة إسرائيل مطار دمشق من دون أن يرفّ لوزير الدفاع الإسرائيلي جفن. إن الهجوم الإسرائيلي على سورية يتطلب موافقة هذا الأخير، وإذا كان صحيحاً أن إسرائيل تقف وراء الهجوم فهذا يعني أن ليبرمان، قبل الهجوم أو بعده أو خلاله، أعطى الجيش ضوءاً أخضر لتدمير عتاد عسكري في العاصمة السورية في ذروة عقد مؤتمر ينتقد السياسة الأميركية في العالم، وخصوصاً في سورية. وإذا لم يكن ذلك صفاقة إسرائيلية، فماذا يكون؟
•من المعقول الافتراض أن وزير الدفاع الروسي الجنرال سيرغي شويغو اندهش من أن صديقه الإسرائيلي لم يطلعه على خططه. وفي مؤتمر صحافي عُقد أمس سُئل الناطق بلسان بوتين عمّا إذا كانت إسرائيل أخبرت موسكو مسبقاً عن هجومها، وجاء الجواب غامضاً: "يوجد بين موسكو وإسرائيل تبادل معلومات عبر قنوات متعددة، وهناك حوار دائم بين رئاستي الأركان العامة لدينا ولديهم."
•يوحي الروس أنهم غير قلقين من هذا الهجوم المنسوب إلى إسرائيل، وهذا أمر لم يمنعهم في الماضي من إرسال طائرات من دون طيار في اتجاه الأراضي الإسرائيلية لأسباب عسكرية تخصهم. وعلى ما يبدو، لا علاقة للطائرة من دون طيار التي أسقطها صاروخ باتريوت أمس في الجولان بالهجوم على المطار في دمشق. ويمكن الافتراض أن الروس يراقبون، من داخل سورية، نشاط سلاح الجو الإسرائيلي بصورة خاصة والجيش الإسرائيلي بصورة عامة، من خلال استخدام منظومة تنصت متطورةمن عدة أنواع. صحيح أن الروس يتعاونون مع إسرائيل، لكنهم لا يتوقفون عن جمع المعلومات عن الأنشطة العسكرية الإسرائيلية.
•في أعقاب الهجوم الذي نفذه سلاح الجو قبل نحو شهر على مطار تي-4 في قلب سورية، تم استدعاء السفير الإسرائيلي والملحق العسكري في روسيا وتوبيخهما، كما تلقى نتنياهو مكالمة هاتفية قاسية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. والفارق بين الهجوم على تي-4 وهجوم الأمس هو في أن إسرائيل هاجمت قبل شهر موقعاً قريباً جداً من المنشآت الروسية في سورية، الأمر الذي لا يمكن أن يتساهل الروس بشأنه. لكن ما دامت المصالح الروسية لم تتضرر، يمكن أن يفعل الإسرائيليون ما يشاؤون.
•قبل نحو شهر، عندما كان الإسرائيليون قلقين من إحتمال أن تضغط موسكو وتقيد العمليات الإسرائيلية ضد استمرار تهريب سلاح إيراني-سوري إلى حزب الله، ادّعى ليبرمان أن الروس لن يحترموا إسرائيل إذا تراجعت جرّاء التوبيخ. وهو على حق، وما جاء في البيان الذي أصدره الكرملين أمس بعد الهجوم لم يتعد القول: "على جميع الدول الامتناع من القيام بعمليات يمكن أن تؤدي إلى تصعيد في منطقة غير مستقرة." أمّا الناطقة بلسان وزارة الخارجية الروسية فكانت أكثر حدة، وقد دانت الهجوم لكن من دون أن تذكر إمكان أن تكون إسرائيل وراءه. لقد كان الروس أكثر تحفظاً من وزير شؤون الاستخبارات والمواصلات يسرائيل كاتس الذي قال صباح أمس إن الهجوم في دمشق يتلاءم مع السياسة الإسرائيلية.
•إذن الأميركيون يؤيدون الهجوم، ولا يهم الروس فعلاً أن تشتعل النيران بعتاد عسكري إيراني، ولا تقلقهم حقيقة أن يكون السلاح الذي تبيعه روسيا إلى سورية ويُنقل إلى حزب الله قد احترق، لأن الإيرانيين سبق أن دفعوا ثمنه. ومعلوم أن إيران تدعم دمشق سنوياً بنحو مليار دولار، يذهب جزء صغير من هذا المبلغ الضخم إلى حزب الله.
•إن أي رد سوري على إسرائيل- من دون غطاء روسي- يُعدُّ إشكالياً، ذلك أنه لا مصلحة للروس في دخول إسرائيل بكامل قوتها ضد نظام الأسد، والإدارة الأميركية ستصفق لإسرائيل في هذه الحالة، وهذا أمر لا يريح الروس. وليس صدفة أن الروس جمعوا الطائرات الحربية السورية ووضعوها في عهدتهم كي يضمنوا عدم ارتكاب الأسد أي أخطاء.
•مع هذا كله يتعين على إسرائيل أن تكون حذرة، وأن تهاجم فقط الهدف الحيوي الذي يمس أمنها مباشرة. من السهل أن تستهوينا تصفية الحساب مع حزب الله وخفض مستوى الأهداف، إلاّ إن مثل هذا التصعيد يمكن أن ينفجر في وجهنا. وعلينا ألاّ ننسى أن النظام السوري ضعيف لكنه يائس، ولدينا معه حسابات أكثر أهمية تتعلق بالانزلاق الإيراني نحو هضبة الجولان.