•مع لقاء الرئيس ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالأمس في واشنطن، بدأ موسم حج الزعماء العرب إلى البيت الأبيض. فبعد السيسي يصل غداً ملك الأردن الملك عبد الله، وخلال هذا الشهر من المتوقع أن يزور واشنطن زعيم السلطة الفلسطينية أبو مازن.
•من الصعب التقليل من أهمية هذه الزيارات. قبل كل شيء، لقد امتنع السيسي عن زيارة البيت الأبيض في أيام الرئيس أوباما، وللمزيد من الدقة كان أوباما هو الذي امتنع عن دعوته إلى لقائه. فلا غرابة والحال كذلك، أن تحتفل مصر وتفرح بالأمس بالزيارة التي وصفت في القاهرة بالقول: "أشرقت شمس ترامب من جديد على علاقات مصر بالولايات المتحدة بعد سنوات طويلة من الظلام". لقد عادت واشنطن لتلعب دوراً مركزياً وقيادياً في الشرق الأوسط، كما يليق بدولة عظمى لديها وجود عسكري مهم في المنطقة وتقدم مساعدات بمليارات الدولارات إلى عدد كبير من الدول العربية. وهي بذلك تدخل نظاماً وانسجاماً إلى خريطة الشرق الأوسط التي تسعى روسيا إلى بلورتها من جديد من خلال الاعتماد على إيران. وفي الواقع، لا تستطيع روسيا أن تنافس الولايات المتحدة على كسب ود الدول العربية، فهي لا تملك الموارد الاقتصادية الموجودة لدى واشنطن، وليست لديها قوة ولا حضوراً عسكرياً قريباً مما لدى الولايات المتحدة، وإضافة إلى ذلك تحمل موسكو على ظهرها العبء الإيراني.
•يلتقي الزعماء العرب بترامب بعد مرور أسبوع على انتهاء قمة الرؤساء العرب، وكان أكبر إنجاز لهذه القمة هو مجرد انعقادها، ومشاركة زعماء كبار من العالم العربي فيها بعد سنوات طويلة من الشلل والغياب من جراء نشوب "الربيع العربي" وانهيار عدد من الدول العربية.
•لكن انعقاد القمة لا يدل بالضرورة على وحدة الصف، ولا على توافق حقيقي على معظم المشكلات المطروحة على النقاش. فالدول العربية مختلفة في ما بينها بشأن المسائل السورية والعراقية واليمنية، وهي تجد أيضاً صعوبة في بلورة جبهة موحدة ضد إيران. ولهذا السبب فضل المشاركون في القمة دفع ضريبة كلامية للموضوع الوحيد الذي يستطيعون الاتفاق بشأنه، وهو المشكلة الفلسطينية. لكن فيما تحدث ملك الأردن بصوت عال جداً عن أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الوحيدة بالنسبة للعرب، اختار هذا الملك نفسه استضافة نقاشات القمة في موقع سياحي معزول على شاطئ البحر الميت وليس في العاصمة الأردنية عمان بسبب التهديد الإرهابي الإسلامي الداعشي. وكما هو معروف، فإن هذا التهديد هو التهديد المركزي الذي تواجهه حالياً المملكة في الأردن، ولا علاقة له بمسألة النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني.
•عشية لقاء السيسي مع ترامب تحدثت تقارير صحافية بإسهاب عن قرار زعماء العرب العمل معاً للضغط على الرئيس الأميركي من أجل استئناف محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين على أساس مبادرة السلام العربية. لكن ثمة شك في صحة هذه التقارير، والدليل على ذلك أن الناطقين الرسميين بلسان الحكومة في القاهرة عادوا وأكدوا أن السيسي ذهب ليناقش مع ترامب مشكلات مصر، التي تتمحور كلها حول محاربة الإرهاب ومشكلات الاقتصاد المصري. وفي المقابل، على الصعيد الإقليمي تشعر مصر بالقلق من محاولات إيران التسلل إلى العالم العربي وإقامة مواقع لها هناك.
•في مواجهة هذه التحديات تبرز أهمية إسرائيل كشريك استراتيجي موثوق به وذي وزن، وتتعاون معها مصر حالياً تعاوناً وثيقاً. إن مصر والأردن على حد سواء مهتمتان بأن تضمنا وتدفعا قدماً وتعمقا تعاونهما الاستراتيجي مع إسرائيل. وللولايات المتحدة دور مهم في ترسيخ التعاون الإقليمي كي يستطيع التحالف الاستراتيجي الذي يجري حبكه في المنطقة مواجهة التهديدات المشتركة التي تواجهها الدول العربية وإسرائيل. ويمكن لهذا التحالف المساعدة في الدفع قدماً بمحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين شرط ألا يتحول إلى رهينة النزق الفلسطيني، وبالتالي إلى صعود الحوار وهبوطه بين القدس ورام الله.
•إن التضافر بين وجود رئيس جديد في البيت الأبيض والوعي العربي للتحديات التي تواجهها دول عربية مثل مصر والأردن، هو ما يضمن بداية جديدة في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين على قاعدة تعاون معمق بين إسرائيل والعرب.