إسرائيل والصين: نحو شراكة ابتكارية شاملة
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

•بعد 25 عاماً على الإعلان عن إقامة علاقات دبلوماسية بين الصين وإسرائيل [في كانون الثاني/يناير 1992]، يصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الصين في زيارة رسمية تستغرق يومين (في 20 و21 آذار/ مارس) هي الثانية له خلال رئاسة "شي جين بينغ" للصين. وتجري هذه الزيارة على خلفية تنامي العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والصين؛ واهتمام الصين المتزايد في منطقة الشرق الأوسط؛ والدينامية المتصاعدة بين القوى العالمية الثلاث [الولايات المتحدة، الصين وروسيا] في مستهل عهد دونالد ترامب. وهذه مناسبة جيدة لدرس نموّ العلاقات الإسرائيلية - الصينية منذ زيارة نتنياهو السابقة في عام 2013، والاتجاه الذي يمكن أن تسلكه هذه العلاقات.

•ومن الأفضل إجراء هذا التحليل ضمن إطار نظرة أشمل على مصالح الصين في منطقة الشرق الأوسط وعلى سياستها الشرق أوسطية. في ضوء سياسة الصين المعلنة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ونفورها الحذر من المخاطر، فإن معظم النشاط الصيني في منطقة الشرق الأوسط هو نشاط ذو طابع اقتصادي. تدخّل الصين السياسي في المنطقة هامشي، ووجودها العسكري الضئيل موقوف على المشاركة في بعثات قوات حفظ السلام. أكثر من نصف واردات الصين من النفط الخام تأتي من منطقة الشرق الأوسط، وفي إطار "مبادرة حزام واحد وطريق واحد" (One Belt One Road-OBOR) تستثمر الصين بكثافة في تطوير البنى التحتية للنقل البري والبحري، مثل: طرق، وسكك حديد، وموانئ بحرية. وتهدف المبادرة إلى ربط الصين بأسواق أوروبية وأفريقية، وتمول جزئيا من قِبل "البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية" (AIIB)، الذي انضمت إليه إسرائيل بمجرد تأسيسه. وفي عام 2015 وحده استثمرت الصين ما يقارب 5,7 مليار دولار في مشاريع بنى تحتية في الشرق الأوسط وأفريقيا. وفي عام 2016 قفز هذا المبلغ إلى 21,5 مليار دولار. وتشارك الصين في مشاريع بنى تحتية في إسرائيل، مثل حفر "أنفاق الكرمل"، وتنفيذ مشروع "القطار الخفيف" في تل أبيب، وتوسيع ميناءي أسدود وحيفا. كما بدأت تنخرط في مجال تشييد المباني السكنية. 

•وبالإضافة إلى هذه الاستثمارات، اهتمام الصين الرئيسي المعلن في إسرائيل هو في مجال الابتكار. ومن وجهة نظر الصين، تتميز إسرائيل على صغر حجمها بإنجازاتها العلمية وعدد الشركات الناشئة وعدد الحائزين على جائزة نوبل. ونظرا لحاجة الصين الماسة لتقنيات متطورة وحلول ابتكارية لتركيبتها السكانية الكبيرة الشائخة، تستثمر الصين في صناعات إسرائيل في مجالات التكنولوجيا العالية والزراعة والغذاء والمياه والتكنولوجيا الطبية والتكنولوجيا الحيوية. ووفقاً لتقديرات وزارة الاقتصاد، بلغ مجموع استثمارات الصين في إسرائيل عام 2015 أكثر من نصف مليار دولار. كما تشجع الصين إقامة منشآت إسرائيلية ابتكارية في الصين، مثل مشروع "مدينة المياه شوغوانغ"، الذي يشمل استخدام تقنيات مياه إسرائيلية. ومشروع إقامة معهد أكاديمي تكنولوجي في "مقاطعة غواندونغ" بمساعدة معهد "التخنيون"، الممول بمبلغ تبرع به الملياردير الصيني "لي كا شينج" يبلغ 130 مليون دولار، هو مثال على الدور الذي يلعبه رجال أعمال صينيون في تشجيع العلاقات الثنائية. وبالفعل، منذ عام 2013، استقبلت إسرائيل عدة وفود من قطاع الأعمال الصيني ضمت مهتمين بالابتكار في مجالات تحظى بأولوية واهتمام الحكومة الصينية، وفي عام 2016 وحده أصدرت السفارة الإسرائيلية في "بكين" أكثر من عشرة آلاف تأشيرة فيزا لرجال أعمال صينيين.  

•إن تركيز الصين على الجانب الاقتصادي مناسب لإسرائيل التي تربطها بالولايات المتحدة علاقة استراتيجية تشكل حجر الزاوية لسياسة الأمن القومي الإسرائيلي. فعلاقات إسرائيل السابقة مع الصين في مجال الأمن [تصدير أنظمة أسلحة تتضمن مكونات أميركية حساسة ] سببت توتراً بلغ حد الأزمة أحياناً مع الولايات المتحدة، ومن هنا حرصت إسرائيل منذ العقد الماضي على التركيز في علاقاتها مع الصين على الصعد الاقتصادية. وبناء على ذلك، واستكمالا لزيارة نتياهو السابقة للصين، تقرر أن تبذل الحكومة جهداً جامعاً لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والصين للتوصل إلى تحقيق الطاقة الاقتصادية الكامنة في العلاقات الثنائية، وفعلا، ارتفع حجم التبادل التجاري من 8 مليار دولار عام 2013 إلى 11 مليار دولار عام 2016. وكما هو الحال مع العديد من الشركاء التجاريين للصين في كافة أنحاء العالم، تتاجر إسرائيل مع الصين بعجز: فقد بلغ العجز التجاري الإسرائيلي مع الصين نحو 3,386 مليار دولار في عام 2015، أي بزيادة نسبتها 12%  قياسا لعام 2010.    

•ونظراً للنمو الملفت في العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، يمثل ضعف إسرائيل النسبي على صعيد البحث الأكاديمي والتطبيقي حول الصين الحديثة وعدم توفر قاعدة معلومات ضرورية لاتخاذ قرارات سليمة، إخفاقاً مدوّياً. ومن أجل نمو مستمر مسؤول وفعلي قائم على صياغة سياسة عامة وتطوير علاقات تجارية منتجة واسعة النطاق ولديها إمكانات طويلة الأمد، تحتاج الحكومة الإسرائيلية والسوق الإسرائيلي إلى مزيد من الخبراء في شؤون الصين الحديثة في جملة موضوعات مثل الاقتصاد وإدارة الأعمال والقانون والعلاقات الخارجية وغيرها. وندرة الخبراء بهذه الموضوعات في الوزارات الحكومية والأوساط الأكاديمية تعرقل التطور المتصاعد للعلاقات الاقتصادية.

•تجسد علاقات إسرائيل والصين طاقة نمو ملفتة بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي ينبغي زيادتها إلى الحد الأعلى الممكن مع الحرص الشديد على صون علاقة إسرائيل الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية. والهدف من زيارة نتنياهو القادمة هو تحديد العلاقات بين إسرائيل والصين بوصفها "شراكة ابتكارية شاملة"، وهو تعريف يعبر عن فهم الجانبين لمركز الثقل في علاقاتهما. ومن الواضح أن الطرفين اتفقا على هذا التعريف، تجنباً لإطلاق صفة "استراتيجية" على شراكتهما على خلفية علاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة من جهة، وعلاقة الصين مع دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط من جهة أخرى.  

•وفي هذا السياق، ما يلي توصيات مقترحة بالنسبة لأهداف زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي المقبلة للصين: 

على الصعيد الثنائي:

1.مواصلة تعزيز الظروف المثلى لتوسيع نطاق التعاون في المجالات الهامة للصين التي تتمتع فيها بأفضلية نسبية، مثل التكنولوجيا العالية والابتكار، الزراعة والغذاء، تكنولوجيا المياه، التكنولوجيا الطبية وتكنولوجيا علم الأحياء (biology).

2.أن تُشمل إسرائيل بمبادرة حزام وواحد وطريق واحد (OBOR): تشجيع مزيد من الاستثمارات الصينية في مشاريع بنية تحتية في إسرائيل، واقتراح حلول إسرائيلية ومشاركة في مجالات ريادية على صلة بتعزيز المبادرة، مثل الأمن ومكافحة الإرهاب والاتصالات.

3.التشديد على أهمية زيارة زعيم صيني كبير لإسرائيل (مثل الرئيس نفسه أو رئيس الوزراء)، وذلك في ضوء الفجوة الصارخة على مستوى التمثيل في زيارات الصين الرسمية لإسرائيل مقارنة مع زيارات صينية رسمية لدول إقليمية أخرى.

4.توسيع تبادل وفود كبار رجال الأعمال وتشجيع زيارات كبار أعضاء مجتمع الأعمال الصيني لإسرائيل.

5.تعزيز المعرفة والتعلم المتبادل الرامي إلى تسريع نموّ العلاقات (أن تدرس الصين إسرائيل، وأن تدرس إسرائيل الصين وتوسيع الحوار بين مراكز الأبحاث ومجموعات التفكير) بتشجيع من الحكومة (عن طريق صندوق مشترك، وحوافز، وتخصيص ميزانية، واستثمارات).

وعلى الصعيد الإقليمي:

•بينما تمتلك الصين القدرة المثبتة وفائض العرض على تشييد بنى تحتية اقتصادية وللنقل، وعلى التنمية والتطوير، ويوجد طلب كبير على هذه القدرات تحديدا في منطقة الشرق الأوسط، يشكل عدم الاستقرار الأساسي وانعدام الأمن في المنطقة عقبتين أمام انخراط الصين في مثل هذه النشاطات في المنطقة. إسرائيل جزيرة من الاستقرار والأمن في المنطقة، وانطلاقاً من ذلك، التوصيات هي ما يلي:

1.تشجيع الصين على المساعدة في تعزيز العلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية من خلال استثمار ودعم مشاريع بنى تحتية في مناطق السلطة الفلسطينية وقطاع غزة بمباركة إسرائيل وضمانها للأمن وإرساء "سلام اقتصادي" مع الفلسطينيين. ومن بين عدة أمور أخرى، يمكن تشييد بنى تحتية من شأنها أن تقدم خدمات لقطاع غزة (أيضاً على أراضي إسرائيلية، يمكن إدراجها ضمن تبادل أراض في المستقبل)، مثل الطاقة المتجددة والبنى التحتية للنقل البحري ومحطات تحلية مياه البحر. وفي الضفة الغربية: بنى تحتية للنقل البري ومناطق صناعية وتجارية (تشمل التكنولوجيا العالية) وهلم جرا. 

2.سياسة الصين في منطقة الشرق الأوسط لديها قدرة مثبتة على إقامة علاقات مثمرة مع مجموعة من اللاعبين في المنطقة، بل وحتى على الحفاظ على علاقات طيبة في آن معا مع أعداء مريرين (إيران والعربية السعودية؛ إسرائيل). وعلى أساس من ذلك، من المناسب دعم مبادرات مشتركة للصين وإسرائيل ودول براغماتية، من أجل تعظيم إمكانات راهنة أو كامنة، من شأنها إظهار الصين بوصفها لاعباً هاماً في تعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال استراتيجيا اقتصادية تنطوي على مخاطر محدودة. 

3.الإعراب عن القلق إزاء علاقات الصين مع إيران في المجال العسكري (زيارات كبار المسؤولين [لإيران]، التعاون العسكري، وعلى وجه التحديد المساعدة الصينية للصناعات العسكرية في إيران)، ما دامت إيران تواظب على التزامها تدمير إسرائيل، وتدعم الإرهاب، وتسعى لامتلاك أسلحة نووية. ويتعين التشديد على أن نماذج صواريخ إيرانية معدلة عن أنظمة صواريخ صينية، مثل الصاروخ المضاد للسفن من طراز C802، تصل إلى منظمات إرهابية مثل حزب الله والمتمردين الحوثيين في اليمن، وتؤدي في نهاية المطاف إلى إصابة سفن بحرية تابعة لشركاء الصين الآخرين في المنطقة، بمن فيهم إسرائيل، والعربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة. 

•وفي الختام، لا ريب أن الصين لاحظت مدى قرب رئيس الوزراء نتنياهو من الرئيس [دونالد] ترامب وإمكانية وصوله إلى الرئيس بوتين. وبينما تسعى الصين لتلمس المسارب المؤدية إلى البيت الأبيض وثلاثي القوى العالمية منخرط في عمليات إعادة هندسة مليئة بالتوتر، من المناسب لإسرائيل أن تختبر بدقة إمكانية تقديم مساهمة متواضعة في نقل الرسائل وفي الوساطة السرية بين هذه القوى. 

 

 

المزيد ضمن العدد 2579