من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•غادر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اليوم (الاثنين) لحضور "قمة الخوف" في البيت الأبيض مع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، من موقع ضعف مزدوج: فقد خسر قدرته على التأثير في واشنطن، وائتلافه الحكومي في القدس يتصدع. و يبدو نتنياهو أكثر من أي مرة في مراحل حكمه معتمداً اعتماداً كلياً على حسن نيّة ضيفه. في إمكان ترامب أن يدعمه وأن يضمن له هدوءاً سياسياً، أو أن يتسبب له بعاصفة تعكر طمأنينته وتقصر أيامه في الحكم.
•وهذا هو السبب الذي جعل نتنياهو يوضح لأعضاء الطاقم الوزاري المصغر أنه يجب عدم التخاصم مع ترامب. من الآن فصاعداً سوف يُختبر نتنياهو بناءً على سلوك جيّد ومتملق تجاه الرئيس، وسيضطر إلى أن يتمرّن على علاقة جديدة، حيث أميركا هي دولة عظمى كلية القدرة وإسرائيل دولة صغيرة وهشة تدور في فلكها. وقد اجتاز بنجاح اختبار المفاجأة عندما التزم الصمت حيال تجاهل البيت الأبيض المعاناة الخاصة لليهود في المحرقة النازية.
•إن الانتصار الساحق الذي حققه الجمهوريون في الانتخابات الرئاسية وفي مجلسي النواب والشيوخ في الولايات المتحدة صادرا من نتنياهو أداة العمل التي استخدمها في السنوات الست الأخيرة: المواجهة بين هضبة الكابيتول والبيت الأبيض، التي أدت إلى إصابة الولايات المتحدة بالشلل السياسي، ومنحت رئيس الحكومة حماية يمينية في مواجهة الرئيس اليساري. لقد شكل فوز الجمهوريين في مجلس النواب سنة 2010 بداية نهاية الضغوطات التي مارستها إدارة أوباما على إسرائيل من أجل تجميد الاستيطان وتقديم تنازلات أخرى للفلسطينيين. وإذا امتنعت إسرائيل عن القيام باستفزازات، مثل خطوات ضم أو بناء في أماكن حساسة في المناطق المحتلة، فإن الأميركيين سيتسامحون مع نتنياهو وسيكتفون بإدانات ضعيفة للمستوطنات وبكلام فارغ عن العملية السياسية. مع الدعم القوي من جانب زعماء الكونغرس، سمح نتنياهو لنفسه بالتشاجر علناً مع الرئيس وإلقاء خطاب ضد الاتفاق مع إيران، من دون أن يدفع ثمناً سياسياً في الداخل أو في الساحة الدولية.
•هذا التساهل انتهى الآن. صحيح أن ترامب دمر مؤسسة الحزب الجمهوري في طريقه إلى الرئاسة، لكن الحزب وقف وراءه. هذا ما يحدث مع المنتصرين. وإذا تشاجر ترامب مع نتنياهو، فإن زعامة الكونغرس ستدعم ترامب وليس رئيس حكومة إسرائيل. ولن يُدعى نتنياهو إلى إلقاء خطاب في هضبة الكابيتول ضد سياسة الرئيس. وحتى لو حدثت ثورة في مجلس الشيوخ وفاز الديمقراطيون بالأغلبية، فمن الصعب تخيل أنهم سيتبنون زعيم اليمين الإسرائيلي كأدة ضد الرئيس مثلما فعل الجمهوريون عندما كانوا في المعارضة ضد أوباما. يفهم نتنياهو ذلك ويتصرف بحذر. ومن أجل ضمان ذلك، قام مؤيده شيلدون أدلسون بزيارة إلى البيت الأبيض تحضيراً لزيارة رئيس حكومة إسرائيل. بالتأكيد يفكر ترامب بحملة الانتخابات الجديدة في العام 2020، وثروة أدلسون يمكن أن تساعده مثلما حدث في الجولة السابقة. لكن من الصعب في هذه الأثناء العثور على تأثير أدلسون في صفحات رسائل البيت الأبيض.
•ووضع نتنياهو الداخلي ليس مشرقاً أيضاً. صحيح أن التحقيقات الجارية ضده ما تزال بعيدة عن توجيه كتاب اتهام، لكنها صدّعت صورته العامة. إن أغلبية وزراء الليكود يراقبون ما يجري عن بعد ويحافظون على مسافة بينهم وبين رئيس حزبهم ولا يقدمون له الدعم، على أمل أن يفتح المجال أمام التنافس من جديد على الزعامة. وينظر إلى نفتالي بينت بصفته الزعيم الأيديولوجي للحكومة، وهو يحاول بشتى الطرق مضايقة نتنياهو وإحراجه، وتارة ومن خلال تقرير مراقب الدولة عن حرب الجرف الصامد، وطوراً من خلال التصريحات المهينة بشأن هدايا السيغار لرئيس الحكومة، وكذلك من خلال تمرير قانون التسوية في الكنسيت بخلاف موقف نتنياهو الأولي. لكن حتى بينت في ورطة: فهو يستطيع أن يهدد في كل يوم بإسقاط الحكومة، لكن من غير المسموح له إسقاط حكم اليمين بسبب التنافس على إظهار القوة والهيبة بينه وبين نتنياهو. ولن يسامحه ناخبو اليمين إذا غادر الائتلاف من دون سبب أيديولوجي مقنع.
•نتنياهو يمقت بينت، لكن من أجل المحافظة على بقائه السياسي فهو يتحرك ضمن حدود المجال الذي يسمح له به شريكه وخصمه: ينشر أخباراً عن بناء آلاف الوحدات في المستوطنات، وثمة شك في أن تنفذ؛ يؤيد حق المصادرة، على أمل أن تبطله محكمة العدل العليا؛ يصرح بصوت خافت عن تمسكه بصيغة حل الدولتين، لكن ضمن قيود صعبة ("أقل من دولة" للفلسطينيين، فكرة قديمة أعادها إلى الحياة قبيل لقائه ترامب). لكن الأهم من كل شيء أنه أوضح بالأمس لوزراء الطاقم المصغر أنه هو المرجع الأخير في قضايا السياسة الخارجية والأمن وفي إدارة العلاقات مع الولايات المتحدة. وفي مواجهة هذا الإصرار تراجع بينت واكتفى بكلام فارغ من أجل محضر الجلسة بشأن "فرصة للتخلص من حل الدولتين".
•في هذه الأثناء يبدو ترامب على وفاق مع نتنياهو. فتصريحاته وأقواله منذ انتخابه، ووضعه على الرف الوعد الذي قطعه أثناء حملته الانتخابية بنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، تخدم الخط المحافظ لرئيس الحكومة الذي يفضل استمرار الوضع القائم في المناطق [المحتلة] وفي المنطقة على القيام بتغييرات جذرية. نتنياهو لا يرغب فعلاً بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، ليس فقط خوفاً من نشوب انتفاضة، فالتعويض الذي قد تمنحه الولايات المتحدة للعرب على هذه الخطوة الدراماتيكية - تجميد المستوطنات، رفع التمثيل الدبلوماسي لفلسطين، مؤتمر سلام على أساس المبادرة العربية - يمكن أن يفكك ائتلاف نتنياهو. وفي الوقت نفسه، ليس هناك أي مصلحة لنتنياهو في البناء في المستوطنات أو في إعلان بدء تطبيق القانون الإسرائيلي على أنحاء من الضفة الغربية، لأن المستفيد من البناء والضم هو بينت وليس نتنياهو.
•لذا يبدو أن رسائل ترامب ونتنياهو قبل الاجتماع جرى التوافق عليها مسبقاً: يؤيد ترامب سلاماً إسرائيلياً - فلسطينياً و"ربما أكثر من ذلك" من دون الدخول في التفاصيل، باستثناء تعيين صهره جيرارد كوشنر مبعوثاً خاصاً؛ أما نتنياهو فيدعم دولة فلسطينية ضمن شروط رفضها الفلسطينيون حتى اليوم؛ ستعارض الإدارة الأميركية توسيع المستوطنات، وستدافع عن نتنياهو في مواجهة ضغوط بينت؛ وسيكون النقاش بشأن نقل السفارة عميقاً وجذرياً ولن ينتهي في وقت قريب؛ لن تقوم إسرائيل باستفزازات، والبيت الأبيض سيمتنع عن الإدانات. وعند الحاجة سيستخدم كل طرف "الشرطي الشرير" الذي لديه من أجل الإشارة إلى خلاف: نتنياهو سيستخدم بينت، وترامب سيستخدم وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس.
•سيسير نتنياهو هذا الأسبوع على رؤوس أصابعه في واشنطن، وإذا لم يدس خطأ على لغم غير متوقع، فإنه سينهي زيارته بنجاح. لكن كما قال وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، فإن هذه محادثة جس نبض. أما المحادثات الحقيقية بين رئيس الحكومة والرئيس فستبدأ عندما تبلور أميركا نظاماً جديداً في الشرق الأوسط، ربما بمشاركة الروس. حينئذ ستخضع القدرة الدبلوماسية لرئيس الحكومة وبهلوانياته السياسية لاختبارهما الحقيقي.