ترامب يغازل منكري المحرقة لكن بالنسبة لإسرائيل المهم هو البناء في المستوطنات
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•لو كان باراك أوباما هو الذي يغازل منكري المحرقة النازية كما يفعل دونالد ترامب في الأيام الأخيرة، لكانت ثارت ضجة صاخبة من على جانبي المحيط، ولكان مشرعون جمهوريون طالبوا برأسه، ولكانت أدانته منظمات يهودية من جميع الاتجاهات بكلمات قاسية، ولكان بنيامين نتنياهو أصدر بياناً شديد اللهجة وصفه على الرغم من ذلك معلقون بـ"المعتدل نسبياً"، ولكان وزراء الحكومة وأعضاء الكنيست وصفوه بالمعادي للسامية وبالكاره لإسرائيل، المسلم من كينيا، والمؤيد للنازيين.

•ولكن عندما يتعلق الأمر بترامب حبيب اليمين والمستوطنين، فلا أحد يفتح فمه. لقد أغفل الرئيس الأميركي الجديد ذكر اليهود في البيان الذي أصدره بمناسبة يوم المحرقة العالمي، وبعد ذلك عاد وأوضح أن الأمر كان مقصوداً وأنه لا ينوي التراجع عنه. وقد احتجت بشدة جميع المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة وبينها منظمات أعضاؤها يتماهون مع اليمين ومع شيلدون أدلسون. كما عبر مشرعون أميركيون عن احتجاجهم، لكن هذا اختفى في قلب العاصفة التي نشبت بسبب القيود التي فرضها ترامب - تحديداً في يوم المحرقة- على إيواء لاجئين ومهاجرين مسلمين. لكن في إسرائيل لم تصدر كلمة، صمت مطبق.

•يوجد في إسرائيل سلم أولويات: عندما يكون المطلوب إخلاء عمونه، والخضوع للمستوطنين وإقرار قانون مصادرة الأراضي، فمن غير المفيد إغضاب ترامب. نتنياهو ووزراؤه الذين يتباهون بقيادتهم للشعب اليهودي، بلعوا ألسنتهم عندما واجه اليهود في الولايات المتحدة حملة عداء للسامية في انتخابات الصيف الأخير، وهم يحافظون على حق الصمت هذه المرة أيضاً، عندما يشكك البيت الأبيض بمحرقة اليهود. 

•إن تجاهل المكانة الخاصة لليهود في المحرقة الجماعية التي ارتكبتها ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، يعتبر من قبل أغلبية الخبراء والباحثين نوعاً من إنكار المحرقة. وهذا يلامس إنكار وجود سياسة محددة موجهة نحو تدمير اليهود، يؤمن بها بصورة عامة كبار المعادين للسامية. وحتى الأمم المتحدة الكريهة، عرّفت في القرار الذي اتخذته في تشرين الثاني/نوفمبر 2005 بمناسبة إحياء الذكرى العالمية للمحرقة بمبادرة من الحكومة الإسرائيلية، المحرقة بأنها "أبادت ثلث الشعب اليهودي". لكن هل ترامب، ملك إسرائيل؟ إنه لا يعتقد أنه يجب التركيز على اليهود. ربما هو يعتقد أنهم حصلوا على ما يكفي، وحان الوقت لأن يكفوا عن الإصرار على أنهم كانوا الوحيدين المستهدفين.

•وحتى لو كان في الإمكان إعطاء ترامب حق الشك والتعامل مع بيانه الأصلي بوصفه "خللاً" كما لمح بالأمس وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، فإن التوضيحات التي نشرت في ما بعد لم تترك مجالاً للشك. صحيح أن اليهود قتلوا في المحرقة، قالت الناطقة هوب هيكس، لكن "أخذنا في حسابنا كل الذين عانوا، ونحن إدارة جامعة جداً". وبعد مرور 24 ساعة، لم يتراجع رئيس طاقم البيت الأبيض راينس بريفوس قيد أنملة بل  قال: "لسنا نادمين. الجميع عانى في المحرقة، وهذا أمر محزن ومؤلم".  

•بالأمس بلغ الناطق بلسان البيت الأبيض شون سبايسر ذروة الوقاحة عندما قال: "لقد بذل الرئيس كل ما في وسعه من أجل إحياء يوم المحرقة". وأضاف أن الحجج التافهة بشأن عدم ذكر اليهود مثيرة للشفقة. وتابع: "ماذا تريدون؟ يهودي من نسل الناجين من المحرقة راجع النص".

•في جميع الأحوال يمكن التمسك بالصيغة الأكثر تساهلاً والقول 1-  ترامب ورجاله جهلة، 2- لم يقوموا بفروضهم المنزلية، 3- عندما يخطئون لا يعترفون بذلك بل يلجأون إلى الهجوم، 4- على وجه العموم هم بذلك يضاعفون الضرر الذي تسببوا به في البداية. 

•إن التفسير الأكثر معقولية والأكثر خطراً هو أنه لا يوجد دخان من دون نار. لقد تراكم الكثير من الأدلة التي لا يمكن تفسيرها بأنها صدفة. فقد تراجع ترامب بصعوبة عن تأييده لدافيد ديوك منكر المحرقة وتأييده لعنصريين بيض آخرين، وهو عبّر عن إعجابه بباتريك بيوكنان، المعادي للسامية الذي شكك بوجود غرف الغاز؛ وعيّن مستشاراً له ستيف بونان- القومي الأبيض المؤيد للحركات اليمينية المتطرفة التي بينها منكرو المحرقة، ويصرّ على رفع شعار "أميركا أولاً" على الرغم من معرفته الجيدة بالذكريات التاريخية المريرة التي يثيرها وسط اليهود، وهو يرفص المرة تلو الأخرى الأخذ في الاعتبار احتجاجات اليهود أو مشاعرهم.  

•في عهد ترامب، عندما لا يخدم العداء للسامية أهدافاً دعائية إسرائيلية، ولا يمكن اتهام إيران والعرب بإنكار المحرقة، فإن الموضوع يصبح غير مهم، ويمكن ليهود الشتات معالجته. المهم أن لدى ترامب صهراً يهودياً موهوباً وابنة اعتنقت اليهودية. والأهم أن ترامب لا يدين البناء في المناطق [المحتلة]، وربما سينقل السفارة الأميركية إلى القدس.