الأخطبوط الروسي يتمدد إلى ما هو خارج سورية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•في يوم الاثنين من هذا الأسبوع التقى ممثلون عن "فتح" و"حماس" والجهاد الإسلامي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. في اليوم التالي أعلن هؤلاء أنهم توصلوا إلى اتفاق على تأليف حكومة وحدة وطنية، وإنشاء تركيب جديد للمجلس الوطني الفلسطيني تشارك فيه "حماس" والجهاد، وإجراء انتخابات في أقرب وقت ممكن.

•مر هذا الخبر في إسرائيل من دون أن يثير ردة فعل رسمية. ومعنى ذلك أنه إذا لم يقتحم الفلسطينيون قاعة الأمم المتحدة فإنهم لا يثيرون اهتمام إسرائيل على الصعيد السياسي. وفي نظر إسرائيل أن ما جرى هو لقاء لا أهمية له للفصائل الفلسطينية، واتفاق عقيم آخر ولد بعد مرور عامين على اتفاق المصالحة الفلسطينية وقيام حكومة الوحدة الوطنية في سنة 2014، ومسعى فلسطيني جديد لن يثمر عن نتائج.

•وحتى ممثل الجهاد الإسلامي في لبنان أبو عماد الرفاعي شكك في هذا الاتفاق حين تطرق إلى الاجتماع بالقول إن "المحادثات في موسكو إيجابية، لكنها تتطلب إرادة من جانب الأطراف كلها كي يكون من الممكن تطبيق الاتفاقات على الأرض". الإرادة موجودة لكن العلاقات بين الفصائل لا يبدو أنها قد نضجت كفاية من أجل رأب الصدوع. لكن الأكثر إثارة للاهتمام هو تدخل روسيا في عملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية بعد أن ابتعدت عنها في السنوات الأخيرة ولم تقم بأي نشاط من أجل الدفع بها قدماً على الرغم من كون روسيا جزءاً من اللجنة الرباعية. هذه المرة روسيا هي التي بادرت إلى عقد اللقاء، وبالاستناد إلى مصدر فلسطيني جاءت الدعوة بعد التنسيق مع مصر وليس مع إسرائيل.

•لا ينبغي أن يفاجئنا النشاط الروسي، ففي السنة الأخيرة بدا أن روسيا تمد أذرعها الطويلة إلى مناطق كثيرة في الشرق الأوسط، ليس من أجل توسيع نفوذها فحسب، بل وأيضاً من أجل تقديم بديل للتدخل الأميركي، خاصة في ضوء التقدير بأن رئيس الولايات المتحدة الجديد دونالد ترامب ينوي انتهاج سياسة انعزالية، وليس فيما يتعلق بهذه المنطقة فقط.

•مثال آخر على تمدد النفوذ الروسي هو ليبيا، حيث التقى الجنرال حفتر هذا الأسبوع مسؤولين روسيين كباراً على حاملة الطائرات الروسية "الأدميرال كوزنتسوف" الراسية على شواطئ ليبيا، وأجرى من على متنها حديثاً  عبر سكايب مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. وبالاستناد إلى تقارير ليبية، طلب حفتر من شويغو تزويده بسلاح حديث وتدريب قواته، ووقع اتفاقاً لبناء قاعدتين عسكريتين من أجل جيشه، واحدة بالقرب من طبرق والثانية في بنغازي شرقي ليبيا.

•تلتزم روسيا الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا، ولا تستطيع بيع السلاح إلى حفتر، لكنها تستطيع المبادرة إلى تحرك في الأمم المتحدة لرفع الحظر، وهذا ما تعهدت به لحفتر على ما يبدو. 

•إن الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في ليبيا بعد أن ساعدت قواتها وقوات حلف شمال الأطلسي المتمردين في طرد القذافي، يمنح روسيا نافذة فرصة واسعة للدخول إلى هناك بواسطة مساعدة حفتر. وهذه النافذة ستتيح لروسيا إقامة مواقع عسكرية واقتصادية في البحر المتوسط كاستمرار للمرافئ التي تحتفظ بها في سورية، ومن أجل توسيع قدرتها على الوصول إلى دول في أفريقيا.

•في الجهة الأخرى من البحر المتوسط تطور روسيا علاقاتها مع العراق، وفي الفترة الأخيرة اقترحت على الحكم العراقي بيعه طائرات حربية وطائرات ركاب، وتوصلت إلى اتفاق عسكري مع العراق تستطيع بموجبه الطائرات الروسية استخدام المجال الجوي للعراق من أجل مهاجمة أهداف تابعة لداعش. 

•يتطور التدخل الروسي في العراق على الرغم من اعتباره من الدول التي تتمتع بحماية إيرانية وتتعاون مع الولايات المتحدة، خاصة في الحرب ضد داعش وفي تحرير مدينة الموصل من سيطرة التنظيم. لكن روسيا التي حشرت إيران في الزاوية في سورية ولا ترغب في رؤية إيران تسيطر على سورية عندما يجري التوصل إلى اتفاق سياسي لا تتردد في تحدي إيران في العراق أيضاً، خاصة بعد فشل محاولة إقامة تعاون بينها وبين إيران في آب/أغسطس يسمح لها بالاحتفاظ بطائرات حربية في مطار همدان.

•إن الاختراقات التي حققتها روسيا في الشرق الأوسط وتوسع مناطق نفوذها بالتزامن مع تبدل الإدارة الأميركية، من الممكن أن يخدما إسرائيل. فبالإضافة إلى التعاون القائم بين الدولتين في موضوع الهجمات في سورية والتجاهل الروسي للهجمات الإسرائيلية، فقد يتضح أن روسيا شريك محتمل أيضاً في مسعى كبح إيران وفروعها، وأنها قد تكون الطرف الرشيد والمسؤول في سورية عندما يقوم حكم جديد. 

•إن التقسيم التقليدي للدول بين دول عربية مؤيدة للولايات المتحدة وأخرى مؤيدة لروسيا قد تزول معالمه مع تنصيب ترامب الذي يبدو أنه من أنصار التعاون السياسي مع بوتين، وهو بذلك سيضع الدول العربية أمام معضلة. ومن الممكن التقدير بكثير من الثقة أن الزعيمين لن يدفعا بإسرائيل نحو عملية سياسية مع الفلسطينيين من أجل حل نزاع لا يشكل تهديداً استراتيجياً إقليمياً.