الجيش الإسرائيلي يتكبد خسائر قاسية على جبهة النوعية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•قبل نحو عام جرى تقديم معطيات مثيرة للقلق إلى قيادة الأركان العامة، ولكن حتى اليوم لم يكشف عنها للجمهور. فالجيش الإسرائيلي يواجه أزمة نوعية في وحداته البرية، والمقلق أكثر يتجلّى في مستوى "رتب صغار الضباط"، كما تتقلص قدرة الجيش على تجنيد مقاتلين من جميع طبقات السكان ومن شأن ذلك أن يضر تدريجياً بنوعية القادة الذين وفق النهج الإسرائيلي يبرزون في أغلبيتهم من بين صفوف المقاتلين.

•لقد لاحظت دائرة العلوم السلوكية في الجيش الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة تآكلاً متواصلاّ في استعداد مجندين من مجموعات النخبة التي يعتبرها الجيش ذات مؤهلات عالية في الانضمام إلى الوحدات البرية. فالعديد من المجندين من الذين يتمتعون بكفاءات عالية، خاصة من سكان أحياء ومستوطنات راقية، يفضلون الخدمة في وحدات تكنولوجية تتمتع باعتبار (prestige) أرفع، على الخدمة في الوحدات المقاتلة. إن نموذج المقاتل الذي قدسه الجيش الإسرائيلي منذ تأسيسه ويواصل تمجيده  أصبح معرضاً للخطر. 

•تبرز المشكلة الأخطر في أسلحة البر "الرمادية" مثل سلاح المدرعات والهندسة والمدفعية. وهي أقل ظهوراً في ألوية سلاح المشاة، وغير موجودة بتاتاً في وحدات النخبة. لكن الأرقام تحمل دلالة قاطعة: فالشباب من مجموعات ذات نوعية عالية، حتى لو كانوا يتمتعون بمؤهلات طبية تسمح لهم بالقتال، يفضلون في معظم الحالات وحدات السايبر والطائرات من دون طيار، ومنظومة الدفاع الجوية وسائر الاختصاصات المرتبطة بالتكنولوجيا المتطورة على الخدمة الشاقة في وحدات البر. وفي السنوات الأخيرة لوحظ هبوط حقيقي يقدر بنحو 20% في استعداد هذه المجموعات من السكان للخدمة في مهمات قتالية أساسية.

•يمتاز الجيش الإسرائيلي بالمقارنة مع جيوش غربية أخرى تعتمد على تجنيد متطوعين تأتي غالبيتهم من طبقات اجتماعية فقيرة، بميزة بالغة الأهمية تكمن في قدرته على تجنيد جنوده من أغلبية الشرائح السكانية لليهود في الدولة. صحيح أن نسبة المجندين من مجموع الجمهور في انخفاض - بسبب ارتفاع عدد تلامذة اليشيفوت [المدارس الدينية] الذين يحصلون على إعفاء، وبسبب إعفاء آلاف النساء سنوياً بحجج دينية، وبسبب السهولة الكبيرة التي يمكن بواسطتها الحصول على إعفاء أو تخفيف الخدمة لأسباب نفسية. لكن على الرغم من ذلك ففي سنة 2017 تصل الأغلبية الساحقة من الشباب والشابات اللواتي في سن الـ18 ومن أصحاب المؤهلات العالية إلى جهاز الفرز العسكري، وفي إمكان الجيش توزيعهم كما يشاء. وهنا تحديداً تكمن المشكلة التي تعكس أحد التحديات الأساسية التي يواجهها رئيس شعبة القوة البشرية الجديد اللواء موتي ألموز. فتركيز الجيش في السنوات الأخيرة على المهمات التكنولوجية، بالإضافة إلى الفائدة الشخصية التي يرى المجندون من ذوي المؤهلات العالية في هذه المناصب، صارت تجذب إليها في السنوات الأخيرة المزيد من الشباب الممتازين. وليس صدفة أن أغلبية الجنود الذين يأتون من طبقات اجتماعية معينة - بصورة خاصة من أبناء الطبقة الوسطى وما فوق الوسطى من وسط البلد، وليس من الأطراف - بدأوا يختفون من الوحدات القتالية. ومن النتائج التي بدأت مؤشراتها الأولى في الظهور هي انخفاض نوعية القادة في جزء من المنظومات القتالية. 

•لدى الجيش اليوم نخبة أقل لينتقي من بينها الضباط النوعيين المستقبليين للخدمة في الوحدات القتالية. وأصبح يستند أكثر إلى قادة يأتون من الأطراف، سواء لأن هؤلاء ما يزالون يرون في الانضمام إلى الوحدت القتالية إمكانية للارتقاء الاجتماعي، أو لأنهم مقتنعون أكثر بأهمية المهمة. وتأتي مجموعة أخرى من نوعية عالية من تيار الصهيونية الدينية حيث سمعة الخدمة في الوحدات القتالية ما تزال كبيرة. لكن الاختيار والتنوع في مصادر القوة البشرية في الوحدات القتالية تضررا وهذا يؤثر على مستوى القيادة. 

•قليلاً ما ينشر الجيش الإسرائيلي معطيات عن حوافز المجندين. وسنوياً ينشر معطى عام يتعلق بدوافع الأشخاص المؤهلين جيداً طبياً للخدمة القتالية. وعلى هذا الصعيد كان هناك استقرار نسبي في العقد الأخير. وتتراوح الأرقام حول 70% ، مع أن نتيجة دورة التجنيد في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 هي الأكثر انخفاضاَ منذ 3 سنوات 69.8% (على سبيل المقارنة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 كان معدل الحافز للانضمام إلى الوحدات القتالية 71.9%). لكن الأهم من هذا أن تشريح الأرقام، غير المنشورة، يشير إلى تآكل مستمر في صورة المقاتل وسط شرائح السكان التي تعتبر ميسورة...

•يشير استطلاع أجرته دائرة العلوم السلوكية في الجيش السنة الماضية بين الجنود في الخدمة الإلزامية وبين الشباب الذين هم على وشك التجنيد إلى أن الشباب أنفسهم يلاحظون هذه التوجهات. كما ان رأي هؤلاء الجنود في صورة المقاتل والقتال والخدمة في وحداتهم نفسها ليس مشجعاً. وعندما سئل مقاتلون شاركوا في الاستطلاع إلى أي حد هم يوافقون على أن الذي يخدم في وحدة قتالية يخدم الدولة أكثر من الذي يخدم في منصب آخر في الجيش، 40% فقط وافقوا على ذلك. ويشكل هذا انخفاضاً كبيراً: قبل عامين 54% من المقاتلين أجابوا نعم. وحتى بين صفوف الخدمة الإلزامية سجل تراجع في هذا البند، فقد قال 41% نعم، مقابل 50% قبل عامين. ويبرز هنا أمر له علاقة في رأي الذين أجروا البحث بقضية أزرايا، ومحاكمة الجندي الذي أطلق النار في الخليل [على جريح فلسطيني ملقى على الأرض]، إذ يعتقد فقط 41% من المقاتلين أن قادتهم سيغطونهم إذا ارتكبوا خطأ أثناء قيامهم بمهماتهم...

•إن استمرار انزلاق المجندين من الوحدات القتالية إلى الوحدات التكنولوجيه يساهم فيه الجيش نفسه. فالثورة التي أحدثها اللواء كوخافي خلال فترة توليه رئاسة الاستخبارات العسكرية، والتي شددت على قدرة الاستخبارات على تقديم معلومات قتالية مهمة في زمن حقيقي إلى الوحدات القتالية، عززتا من شرعية اختيار مهمات استخباراتية حتى من جانب الذين يتمتعون بمؤهلات قتالية. كما اعطى النجاح الاستخباراتي العملاني في الحرب الأخيرة في غزة 2014  مصداقية لزيادة كبيرة إضافية في ملاك هذه الوحدات.

•ترافق هذا التوجه مع ميل الجيش في العقود الأخيرة ( والذي يحاول أيزنكوت لجمه) تفضيل حروباً "نظيفة" تدار عن بعد وتقلص احتمالات التورط  وتكبد خسائر، لكنها عملياً يصعب عليها التوصل إلى حسم أو إلى نتيجة قريبة منها. على هذه الخلفية يسهل الجيش إلى حد بعيد وصول الشباب الملائم إلى مناصب في الجبهة الدخلية تتمتع بأهمية على حساب القتال.

•من المعقول أيضاً أن الغرق المتواصل لوحدات سلاح المشاة والمدرعات في أعمال شرطة مملة ورتيبة في الأراضي المحتلة، التي برز ثمنها الأخلاقي في محاكمة أزرايا، يبعد عنها جزءاً من المجندين تماماً مثلما يجذب إليها مجندين آخرين. 

•ثمة  ظاهرة إضافية هي الارتفاع الكبير في عدد المقاتلين الذين يحتاجون إلى مساعدة اقتصادية من الجيش بسبب مشكلات عائلية. لقد لاحظ الجيش الصعوبة الكامنة في ذلك قبل بضعة سنوات ويحاول أن يوجه مسبقاً جزءاً من هؤلاء الجنود إلى الخدمة في قواعد مفتوحة تسمح لهم أيضاً بالمساهمة في إعالة عائلاتهم. بالاضافة إلى ذلك فإن زيادة عمق الفجوات الطبقية في إسرائيل يؤثر على ما يجري في الوحدات القتالية. والمسافة التي تفصل بين وحدة 8200 [الوحدة المسؤولة عن التجسس الإلكتروني] وبين لواء كفير [لواء مشاة في الجيش الإسرائيلي مركزه الضفة الغربية] لم تكن يوماً بهذا الحجم. يعرف الجيش ذلك لكنه يحتاج إلى جهد متواصل ومكثف للبدء في تغيير هذا التوجه.   

 

 

 

المزيد ضمن العدد 2536