•إن كل محاولة لتقدير كيف ستتطور علاقات إسرائيل مع الإدارة الأميركية الجديدة يجب أن تبنى على معرفة شخصية الرئيس الجديد في البيت الأبيض، وعلى دراسة تصريحاته السابقة بشأن مختلف الموضوعات المعقدة، وعلى معرفة الأشخاص الذين سيشكلون الطاقم الرفيع المستوى من حوله، وفهم حسابات الولايات المتحدة في الساحة الداخلية والعالمية، وتحديد القوى التي تؤثر على الرئيس الجديد في المجال الإسرائيلي - الأميركي. في الماضي كان هذا بسيطاً نسبياً، لكن مقدار عدم اليقين الذي ستحمله معها إدارة ترامب في ما يتعلق بهذا كله غير معهود.
•بعد هذا التوضيح والتحذير نخاطر بالقول إنه من المعقول افتراض أن الرئيس ترامب سيساعد في المحافظة على قوة إسرائيل العسكرية وسيؤيد المعونة التي تقدمها بلاده للبرامج الأمنية التي تتكوّن منها علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يتجدد اليقين حيال فرض الولايات المتحدة الفيتو في مجلس الأمن في الأمم المتحدة ضد القرارات المعادية لإسرائيل. وهذه مكونات حيوية في المغلّف الأمني الشامل لإسرائيل، لكنها ليست الوحيدة. ففي موضوعات حيوية أخرى من الممكن أن تشكل رئاسة ترامب تحدياً لإسرائيل ولقدرة زعامتها على المناورة.
•في المثلث الإسرائيلي- الفلسطيني- الأميركي على سبيل المثال، يجب ألاّ نتذكر فقط تعيين ترامب شخصيات مؤيدة للاستيطان في مناصب أساسية في إدارته، وإنما يجب أن نتذكر أيضاً كلامه عن رغبته في التوسط بين إسرائيل والفلسطينيين. وهو سيكون أول من يقوم بذلك، إذا سمح له الطرفان، مستنداً إلى خبرة عالم رجال الأعمال والصفقات المعقدة الخالية من المشاعر.
•من الذي سيتغلب على من؟ ترامب المؤيد لإسرائيل والمحاط بمستشارين يهود صرحوا بدعمهم للمستوطنات؟ أو ترامب صانع الصفقات الذي المستوطنات بالنسبة إليه هي فقط عناصر في صفقة ليس فيها حقوق تاريخية ولا مشاعر قومية، ولا تشكل التوراة والقرآن لديه مستندين مهمين من أجل تحقيق تلك الصفقة.
•في المثلت الإسرائيلي- الروسي- الأميركي لن تكون الأمور سهلة أيضاً، على الرغم من أن الأجواء الجيدة التي تسود بين ترامب وبوتين تبعث على الأمل بأن يساعد الرئيس الأميركي في التأثير على روسيا من أجل أخذ مصالح إسرائيل الأمنية في الاعتبار. لكن من جهة أخرى من المحتمل أن يتجاهل صانع الصفقات من واشنطن وجهة النظر الإسرائيلية ويتوصل مثلاً إلى تفاهمات مع بوتين بشأن مستقبل سورية لا تتلاءم مع مصالح إسرئيل السياسية والأمنية.
•يحافظ رئيس الحكومة الإسرائيلية على حوار دائم مع بوتين وسيفتح صفحة جديدة من العلاقات مع رئيس الولايات المتحدة الجديد، لكن هذا لا يضمن أن الطرفين الآخرين في المثلث، ترامب وبوتين، سيعتبرانه شريكاً مساوياً في القوة يمكن أن يعطيا مواقفه أهمية بشأن موضوعات مثل إيران أو سورية.
•لكن الأكثر إشكالية سيكون المثلث الإسرائيلي- الصيني - الأميركي. لم يترك ترامب مجالاً للشك في أنه يعتبر الصين خصماً اقتصادياً وسياسياً. ويشير تبادل التلميحات بينه وبين نظام بيجينغ والذي بدأ قبل دخوله إلى البيت الأبيض، إلى علاقات متوترة وعلى درجة عالية من العداء المتبادل. يجري هذا كله بينما رئيس الحكومة نتنياهو يعتبر الصين رصيداً استراتيجياً واقتصادياً، وبينما يعاقب أوكرانيا والسنغال أو بريطانيا على دعمهم قرار مجلس الأمن الذي يدين المستوطنات، فإنه يغض النظر عن تصويت الصين مع القرار.
•إن التعاون بين شركات صينية وإسرائيلية حتى لو لم يتناول موضوع الأمن، يمكن أن تنظر إليه واشنطن نظرة انتقادية، خاصة إذا شمل هذا التعاون مجال السايبر. كما يمكن إضافة موضوع السايبر إلى مشكلات المثلت الروسي- الإسرائيلي- الأميركي.
•ومن المتوقع أن تظهر في مثلث ترامب- نتنياهو- يهود الولايات المتحدة، المعقد والمهم، مشكلات تحتاج إلى معالجة دقيقة. ثلاثة أرباع اليهود في الولايات المتحدة صوتوا في الانتخابات الأخيرة إلى جانب المرشحة المنافسة لترامب. وبالنسبة إلى الكثير منهم، فإن قيم الديمقراطية والليبرالية تتقدم على تأييدهم لإسرائيل. ونقل السفارة الأميركية إلى القدس مثلاً، لا يكفّر في نظرهم عن خطوات يمكن أن يتخذها الرئيس وتكون لها انعكاسات على مكانة الأقليات الدينية والإثنية في الولايات المتحدة.
•يتعين على حكومة إسرائيل أولاً وقبل أي شيء آخر، انتهاج سياسة تحول دون الدخول في مواجهة مع الرئيس الجديد كما جرى في معظم سنوات ولاية الرئيس الذي سبقه. إن الرؤية المتعددة الأبعاد لمشكلات إسرائيل ومصالحها هي شرط ضروري وستساعد في التغلب على الصعوبات المتوقعة في مثلث العلاقات التي ستجد كل من إسرائيل والولايات المتحدة نفسيهما فيه.