من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•من الغريب أن موشيه أرينز (في مقالة في "هآرتس" 12/12 بعنوان "عار على كل إسرائيلي") كان بحاجة إلى قراءة مقال الكاتبة ريتشيل كوشنير في "نيويورك تايمز" لمعرفة الحقيقة عن الجحيم في مخيم اللاجئين في شعفاط. لقد قرأ أرينز وصفاً للواقع الرهيب والميؤوس منه الذي يعيش في ظله عشرات الآلاف من الفلسطينيين في المخيم، وتوصل إلى خلاصة بأن "هذه الأمور عار على كل إسرائيلي".
•صحيح أن مخيم شعفاط هو جزء من القدس "الموحدة" تحت سيادة إسرائيل بحسب الشعار البالي، لكن أرينز اكتشف فجأة أن المقصود هو أحياء فقيرة تدهورت بسبب الإهمال إلى وضع مزر من دون بنى تحتية ولا حدائق ولا مساحات خضراء. عصابات من المجرمين ومهربي المخدرات تسيطر على أزقة المخيم، وعصابات إجرام ومسلحون يروّعون السكان. يجري هذا كله على بعد كيلومترات معدودة من الكنيست ومن المجمع الحكومي. وأرينز، الذي كما هو معروف، تولى عدداً من الحقائب الحكومية وكان وزيراً للدفاع، لم يعرف ولم ير كل هذه الأمور إلى أن قرأ المقال في "نيويورك تايمز".
•مع الأسف الشديد أرينز ليس الوحيد، فالأغلبية الساحقة من الجمهور الإسرائيلي لا تعرف شيئاً عما يجري في شعفاط. وليس فقط في شعفاط بل في القرى الـ22 التي ضمتها حكومة الوحدة الوطنية إلى القدس بعد حرب الأيام الستة، والتي لم تكن قط جزءاً منها، بل كانت تابعة إلى بيت لحم ورام الله، وتحولت إلى أحياء مهملة ورثّة وفقيرة من دون بنى تحتية أساسية. منذ العام 1967 وحتى اليوم جميع الحكومات مسؤولة عن هذا الواقع البائس الذي ازداد سوءاً مع مرور السنوات.
•حالياً يعيش في الـ22 قرية - بينها شعفاط، وقلندية، والولجه، وصور باهر وجبل المكبر - نحو 220 ألف فلسطيني يحملون هويات إقامة دائمة، ويمنحهم وضعهم حق المشاركة في انتخاب رئيس بلدية المدينة ومجلسها.
•في معظم هذه القرى لا يوجد ممثلون للشرطة الإسرائيلية، ولا يوجد مفتشون من بلدية القدس ولا خدمات طوارئ مثل الإطفاء أو الإسعاف- بخلاف الجزء الغربي من المدينة- ويبدو أن المسؤولين، لا يريدون عن قصد، رؤية ما يجري هناك. رئيس بلدية القدس نير بركات المؤيد المتحمس لضم مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى القدس، لا يحرك إصبعاً من أجل تحسين وضع هؤلاء الفلسطينيين ولا يحلم بالتعامل معهم بصفتهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات. وعلى عكس الكاتبة كوشنير، فهو لم يتجرأ على زيارة أماكن سكنهم. ومن هذه القرى وعبرها خرج معظم المخربين الذي تورطوا في أعمال إرهابية في السنة الماضية، لكن أرينز وبركات يعتبران هذه القرى جزءاً لا يتجزأ من القدس.
•نعم، إن الوضع في شعفاط لا يُحتمل ولا يُمكن تصوّره. لكن هذا هو الواقع السائد أيضاً في القرى الأخرى التي سكانها "مواطنون" في القدس "الكاملة". لقد قال إيهود أولمرت، الذي كان رئيساً للقدس بعد تيدي كولك سنة 2012: "لم تبذل أي حكومة إسرائيلية شيئاً مما هو مطلوب كي توحد المدينة. وعن وعي استثمرنا أموالاً فقط في القدس الغربية وفي السكان اليهود وليس في المناطق العربية". ما قاله هو الحقيقة. حتى أنا الذي كنت وزيراً في حكومات إسرائيل ووزيراً لشؤون القدس، أعترف بذلك.
•من الواضح أن اقتراح أرينز زيادة الاستثمارات من أجل تقليص الفجوات بين الفلسطينيين في القرى ومواطني إسرائيل الذين يسكنون في القدس لن ينفذ، لأن ذلك يتطلب إنفاق مليارات كثيرة سنوياً من ميزانية الدولة التي تمول من الضرائب التي يدفعها مواطنوها. وما لم نفعله خلال 50 عاماً لا أمل لأن نفعله الآن. وحالياً تواجه القدس العاصمة ثلاثة تهديدات من الوزن الثقيل:
أ-تهديد ديمغرافي يزداد خطورة. عملياً القدس هي مدينة ثنائية القومية. قرابة 60% من أبناء الجيل الشاب في القدس "الكاملة" هم فلسطيينون من سن الصفر حتى سن الـ18، مما يشكل أغلبية ساحقة. وإذا قرر هؤلاء ذات يوم استخدام حقهم في الاقتراع، فإن من سيتولى رئاسة عاصمة الدولة اليهودية الصهيونية سيكون مواطناً فلسطينياً.
ب- الجدار الأمني الموجود حالياً في القدس هو جزئي ومخترق ويبقي أغلبية الفلسطينيين داخل القدس، مما يعني خطراً أمنياً دائماً.
ج- على الرغم من التمييز المستمر الذي يتعرض له الفلسطينيون داخل المدينة، تنفق الدولة عليهم خاصة من خلال مخصصات الضمان الوطني والتأمين الصحي المجاني، ما يتراوح بين 2 مليار و3 مليار شيكل سنوياً، وهذا المبلغ يتراكم ليصل إلى عشرات المليارات منذ سنة 1967.
في مثل هذه الحال، فإن القدس اليهودية عرضة لخطر أمني وديمغرافي واقتصادي - اجتماعي دائم. والطريقة الوحيدة لتغيير هذا الواقع الخطر هي الفصل بين 200 ألف فلسطيني من سكان القرى والقدس اليهودية بكل أحيائها. ومن أجل هذا الغرض يجب بناء سياج أمني شامل ومحكم حول القدس. ويجب تعديل "قانون أساس: القدس" بحيث تصبح جميع هذه القرى جزءاً من الضفة وتنضوي تحت السلطة الفلسطينية وتنضم إلى منطقتي "ج" و"ب" حيث يتولى مسؤولية الأمن الجيش والشاباك. أما القدس الأردنية سابقاً- المدينة القديمة والأحياء التي تحيط بها ("الحوض المقدس") وبالطبع الأحياء اليهودية التي أقيمت بعد حرب الأيام الستة - فتبقى على وضعها الحالي حتى التوصل إلى اتفاق سياسي يطبق على القدس الحقيقية.
لا توجد طريقة أخرى. هناك عيوب ونقص في هذه الخطة، لكن لا توجد خطة حقيقية أفضل منها. البديل هو إبقاء الوضع القائم على ما هو عليه، وتأبيد الوضع الحالي وازدياد تدهوره. إن هذا أسوأ جريمة، وهو تعبير عن غباء ومصدر عار كبير، كما اكتشف أرينز.
يجب وضع الخطة المقترحة موضع التنفيذ من أجل إنقاذ القدس اليهودية.