معركة الأسد المقبلة
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

– الموقع الإلكتروني
المؤلف

•بالاستناد إلى تقارير الأمس، سقطت مدينة حلب التي كانت واقعة تحت سيطرة المتمردين بيد نظام الأسد، وسيتم إجلاء مقاتلي المعارضة بباصات مع السكان الذين ظلوا يعيشون في خرائب كانت ذات يوم ثاني أكبر مدينة في سورية. إن اتفاق وقف النار الذي جرى التوصل إليه بوساطة روسية وتركية سيؤدي إلى إخلاء حلب من معارضي الرئيس بشار الأسد الذي بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من القتال يستطيع أن يعلن أن العاصمة الاقتصادية لسورية أصبحت في قبضته.

•لقد حقق الأسد وشركاؤه في الحرب الأهلية في سورية إنجازاً عسكرياً ضخماً بعد أن حسموا المعركة في حلب. لكن نهاية الحرب في سورية ما تزال بعيدة والقتال قد يستمر وقتاً طويلاً. والسبب هو رفض المتمردين الاستسلام وعدم قدرة الجيش السوري على الصمود طويلاً في المناطق التي احتُلت. لقد أدّت ظاهرة الفرار والتهرب من الخدمة العسكرية والخسائر الكبيرة في الأرواح، إلى انخفاض عدد الجيش إلى نصف حجمه عشية الحرب الأهلية، وتقلص عدد الوحدات المدربة والقوات المدرعة وسلاحي المشاة والهندسة.

•هذا هو السبب في أنه في أحيان كثيرة بلدات وقرى احتلتها قوات النظام تعود مجدداً إلى سيطرة المتمردين، ثم يسترجعها جيش الأسد. ويمكن أن يحدث هذا في حلب أيضاً وفي منطقة إدلب شمال سورية، التي فـرّ إليها المتمردون حيث على ما يبدو ستدور المعركة الأساسية الجديدة.

•لقد ساهمت القوات الإيرانية والروسية في المجهود الحربي مع الأسد بالإضافة إلى آلاف مقاتلي الميليشيات الشيعية بقيادة حزب الله، وكميات ضخمة من السلاح والعتاد الحديث. هذا بالإضافة إلى القصف الكثيف والعشوائي للتجمعات السكانية التي يختبئ بينها المتمردون. لكن حتى هذه المساعدة الكثيفة ليس في إمكانها حسم الحرب، كما جرى في المدينة القديمة والاستراتيجية تدمر، حيث قلل الأسد من انتشار قواته بسبب القتال في حلب وعاد وخسرها هذا الأسبوع لداعش.

من الرابح من الانتصار في حلب؟

•إن الرابح الأساسي من انتصار الأسد في حلب هم أبناء الأقلية العلوية والأقليات الأخرى وبينهم السنة من أبناء الطبقة الوسطى الذين يعتاشون من النظام. إن السيطرة على حلب تمنح النظام فوائد استراتيجية كثيرة: فالمدينة كانت تستخدم كجبهة خلفية لوجستية وعملياتية للجيش السوري، وسقوطها في يد النظام يقطع الطريق على المتمردين مع قواعدهم في تركيا. لكن قبل هذا كله يبرز الإنجاز المعنوي الذي يعزز ثقة الأسد بنفسه ويقضي على روح القتال لدى المتمردين، الذين يجري ذبحهم في هذه الأيام في شرقي المدينة مع السكان.

•الروس هم رابحون من حسم القتال في المدينة. ووفقاً لأسلوب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن القوة العسكرية التي أرسلها الى سورية هدفت إلى تعزيز صمود الأسد في منصبه وفي المقابل المحافظة على تبعية سورية إلى "روسيا الأم". والقصف العشوائي الشرس للمدنيين من جانب الروس سيؤدي إلى استمرار السيطرة على قاعدتين عسكريتين وعلى مرفأ طرطوس.

•لقد تعرضت روسيا إلى انتقادات قاسية على الساحة الدولية بسبب التعاون المشكوك فيه، وفي الكرملين يقلقون من الثمن الاقتصادي للحرب. لكن على ما يبدو، فالمقصود هو شيء آخر يسعى بوتين إلى تحقيقه هو تعزيز نظام الأسد كي يستطيع التفاوض من موقع قوة والمشاركة في محادثات وقف القتال التي تجري بين روسيا والولايات المتحدة. وعلى الرغم من ذلك، لا يبدي الأسد مظاهر مرونة وتسوية إزاء الموضوع وهو يتحصن بمواقفه ويظهر ثقة زائدة بالنفس مع وقوف الروس والإيرانيين إلى جانبه. كذلك لا يقبل المتمردون شروط الدول العظمى لوقف النار. لذا، فإن احتمالات التوصل إلى تسوية سياسية تنهي الحرب الطويلة ما تزال بعيدة.

•هناك طرف آخر يربح من الحسم في حلب هو إيران. صحيح أن الروس ساهموا في الانتصار من خلال القصف الجوي والعتاد العسكري، لكن الإيرانيين قدموا القوات المقاتلة على الأرض. ولولا مشاركة مقاتلي حزب الله والميليشيات الشيعية لم يكن هناك من يرفع العلم السوري فوق الأحياء المدمرة في شرق المدينة. إن تعزيز قوة الأسد سيسمح للإيرانيين بتشديد قبضتهم على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط وتسليح حزب الله من دون عوائق. وبذلك يستكمل المد الشيعي المتشدد أكثر فأكثر بدءاً من طهران مروراً ببغداد ودمشق وصولاً إلى بيروت. ويعلن الشيعة المتشددون والإيرانيون علناً أن هدفهم هو القضاء على إسرائيل.

الخاسرون: المواطنون السوريون وإسرائيل ودول النفط

•ليست إسرائيل وحدها في الجانب الخاسر. فالمذبحة التي تعرض لها سكان حلب في الأسبوع الأخير هي وصمة عار مثل الغاز السام الأصفر الذي قصفت به المدينة. إن ما يجري هو نتيجة مباشرة وبشعة للسياسة المتذبذبة والمضطربة لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في سوريا خلال السنوات الأربع الأخيرة. لقد حاول أوباما إرضاء جميع الأطراف المتورطة في القتال لكنه فشل وحوّل بلاده إلى دولة تابعة لروسيا في كل ما يتعلق بهذه الدولة المنقسمة.

•إن الخاسر الأكبر بعد سقوط حلب هو تنظيمات المتمردين السنة ودول النفط العربية التي دعمتها مع تركيا. لقد غادر آخر المتمردين حلب إلى إدلب حيث ستدور المعركة المقبلة، لكن يجب الانتظار كي نرى ما إذا كانوا سيستعيدون قواتهم بعد الضربة التي أنزلها الأسد بهم.

•إن الذي يمثل أكثر من غيره الضربة المعنوية التي حدثت، هو إحساس المتمردين بالعزلة. لم يتحرك أحد في العالم من أجل مساعدتهم والتصدي لجرائم الحرب التي ارتكبها الروس وجيش الأسد والقوات الأجنبية الشيعية في حلب. والمتمردون الإسلاميون ليسوا أبرياء، فقد استخدموا السكان المدنيين كدورع بشرية، لكن جرائمهم تتضاءل بالمقارنة مع المذابح الوحشية التي ارتكبها التحالف الروسي - الشيعي الذي حوّل شرق المدينة إلى خرائب. والعالم كالعادة يقف متفرجاً ولا يفعل شيئاً.