•يصرّ الجيش الإسرائيلي على أن الكمين الذي نصبه تنظيم "داعش" لوحدة مختارة من "لواء غولاني" في نقطة محدّدة على طول المئة كيلومتر من خط الحدود في هضبة الجولان بالأمس، كان حدثاً موضعياً يعبر في الوقت عينه عن الحراسة الدقيقة التي تقوم بها إسرائيل لحماية سيادتها في منطقة الحدود مع سورية. لكن مع ذلك لا يمكن لنا أن نتجاهل حقيقة أنه في الأشهر الأربعة الأخيرة تشهد درجات الحرارة في مثلث الحدود إسرائيل - سورية - الأردن ارتفاعاً مريباً.
•وثمة [في إسرائيل] تخوف متصاعد من نيات تنظيم "شهداء اليرموك" - وهو فرع من "داعش" في هضبة الجولان - لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل، بداية ضد منفذي أشغال روتينية في منطقة الحدود ومن ثمّ ضد أهداف مدنية في الجولان. وتلزم هذه التخوفات وسلوك "داعش" وباقي التنظيمات في الفترة الأخيرة الجيش الإسرائيلي أن يكون على أهبة الاستعداد لمواجهة "هجمة إرهابية فجائية" عبر الحدود بإخطار قصير، في حال توفر إخطار كهذا أصلاً، أو لخوض ما يسمى باللغة العسكرية معركة بين المعارك. ولدى هيئة الأركان العامة شعور عام بأن مستوى المعلومات الاستخباراتية التي تتلقاها إسرائيل في الجبهات المتعدّدة بما في ذلك الجولان جيد جداً، الأمر الذي يتيح إمكان التصدي الناجح لأي تهديدات في منطقة الحدود الشمالية مثلما حصل صباح الأمس.
•إن احتمال أن يحاول "داعش" تحقيق إنجازات في إحدى الجبهات ضد إسرائيل ما يزال قائماً. ومنذ بداية السنة الحالية تم تشخيص جهد بذله هذا التنظيم لنصب صواريخ بغية إطلاقها على مستوطنات في الجولان. في الوقت عينه انضمت إلى "شهداء اليرموك" مجموعة من الأكراد والسنة المتطرفين تسمى "كتائب المثنى"، وجعلت التهديد سواء للأردن أو لإسرائيل ملموساً أكثر بل ومفرطاً.
•وبموجب تقارير في سورية جلبت هذه المجموعة معها صواريخ مضادة للطائرات. وكي نفهم أكثر مدى هذا الشطط الجنوني نشير إلى أنه قبل نحو سنة، ووفقاً لوسائل إعلام أجنبية، سيطر رجال "شهداء اليرموك" على مخزون من قذائف الهاون التي تحمل رؤوسا كيميائية كانت تعود إلى لواء سوري في الجبهة الأمر الذي أوجد تخوفا من أن يحاولوا إطلاقها نحو إسرائيل. وفي تلك الفترة انفجرت سيارات مفخخة في لقاء لقادة "شهداء اليرموك" أدت إلى مقتل مؤسس وقائد التنظيم الشيخ الخال ومجموعة أخرى من قادته وأعلن تنظيم إسلامي معارض في الجولان مسؤوليته عن ذلك.
•إن الانطباع العام السائد عن هذه الجبهة من مثلث الحدود هو وجود مظاهر تعيد إلى الأذهان عناصر الحرب الباردة، فالأردنيون أنهوا أخيراً إقامة جدار في مواجهة "داعش" في الجولان يشبه الجدار الإسرائيلي. وفي تموز/ يوليو الفائت هاجمت مروحيات أردنية أهدافاً لـ"داعش" في وادي اليرموك في جنوب الجولان. ولدى الولايات المتحدة والأردن قيادة مشتركة تدرب المتمردين في جنوب سورية للقتال ضد "داعش". ويهاجم الروس بين الحين والآخر مدينة درعا بهدف مساعدة اللواء السوري في المنطقة لإعادة السيطرة على مناطق في جنوب الجولان وقطع محاور التوريد لـ"داعش" من دمشق. ويمكن أن نفترض بأن إسرائيل أيضا ليست غير مبالية إزاء ما يجري هناك.
•ولا بُد من القول إن معظم نشطاء "داعش" في الهضبة سكان محليون، وجلّ طاقتهم كان حتى الآن موجهاً للقتال ضد منظمات معارضة أخرى، بما في ذلك منظمات إسلامية سلفية كجبهة النصرة التي ترى فيهم عدوا خطرا يهدّد سيطرتها في الجولان. أما الصراع ضد إسرائيل فقد اعتبر حتى وقت قريب هدفاً ثانوياً فقط.
•هناك علاقة جليّة بين استيقاظ "داعش" في جبهة الجولان ضد إسرائيل وازدياد نشاطه في شبه جزيرة سيناء ضد مصر وضد إسرائيل، وبين ما يجري في جبهات قتاله الشرقية ولا سيما في الرقة والموصل. فكلما تم حشر "داعش" أكثر فأكثر في الزاوية سواء في العراق أو في سورية كلما كانت التعليمات لفروعه في العالم وتلك التي على طول مناطق الحدود الإسرائيلية تقضي بزيادة الجهود لتحقيق نجاحات توازن الضربات القاسية التي يتلقاها التنظيم.
•وهذا هو ما حدث فعلاً في الفترة الأخيرة، فـ"داعش" سيناء الذي كان في حالة دفاع في مواجهة هجوم الجيش المصري ضده استيقظ في الأسابيع الأخيرة وكشف عن قدرات خُيّـل للبعض أنها نزعت منه، وقام بتنفيذ سلسلة من الهجمات الفتاكة في سيناء. وفي مواقع الإنترنت التابعة لـ"داعش" في سيناء يتهم التنظيم إسرائيل بتقديم مساعدة جوية للجيش المصري الذي يهاجم نشطاءه في شبه الجزيرة ويهدّد بمهاجمتها. وعلى ما يبدو فإن صورة استيقاظ "داعش" في سيناء تُكرّر نفسها في هضبة الجولان أيضاً.