•من سيبحث عن بصمات سياسية في جولة التعيينات في هيئة الأركان العامة للجيش، لن يجد شيئاً حتى لو استخدم عدسات مكبرة. إن جولة التعيينات الأخيرة التي نشرت اليوم تكشف عن منظومة اعتبارات مهنية - موضوعية، وعن تفاهم جيد بين رئيس الأركان غادي أيزنكوت ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان. كما يجب أن نتنبه في هذا السياق إلى أن ليبرمان أجرى مقابلات مع المرشحين لمنصب نائب رئيس الأركان وللترقية لرتبة لواء، واتخذ قراراته ليس فقط بناء على توصيات رئيس الأركان بل بناء على الرأي الذي كوّنه بنفسه.
•نائب رئيس الأركان والمرشحون للترقية لرتبة لواء لم يعبّروا السنة الماضية عن آرائهم السياسية أو عن وجهات نظرهم في موضوعات أخلاقية، لذا يمكن افتراض أن هذا الأمر لم يؤخذ في الاعتبار ضمن جملة الاعتبارات والتقديرات التي سبقت إعلان التعيينات. وإذا كان تقريباً سيُتخذ قرار سياسي فهو سيأتي بعد عامين عندما يحين الوقت لتقرير من سيكون رئيس الأركان المقبل، حينها سيدرس وزير الدفاع من سيكون رئيس الأركان المقبل. هل يكون يائير غولان الذي تحدث قبل أشهر عن رؤيته لظواهر في إسرائيل "تثير القشعريرة وتذكر بما حدث في ألمانيا قبل 80 عاماً"، أم ربما أفيف كوخافي أو أمير أشل هما أكثر ملاءمة منه.
•ثمة اعتبار برز في تعيينات المرشحين برتبة لواء هو صغر سن القيادة العليا. فقد وضع رئيس الأركان هذا الأمر هدفاً له وهو الذي دفع بهؤلاء الشباب قدماً حتى لو جاء هذا على حساب الخبرة والقدرة المهنية للألوية المخضرمين مثل القائد السابق للمنطقة الجنوبية اللواء سامي ترجمان الذي لم يعيّن في منصب، وعلى ما يبدو فإنه سيستقيل من الجيش.
•لا يمكن إلا التأسف على الخبرة والقدرة اللتين سيخسرهما الجيش الإسرائيلي مع مغادرة ترجمان، فهو من كبار القادة الميدانيين والأفضل مهنياً في الجيش الإسرائيلي، وتبرز هذه الحقيقة في تقرير مراقب الدولة بشأن عملية الجرف الصامد.
•بيد أن الاعتبار الأساسي في تعيينات القادة الجدد هو العدو الذي ستواجهه إسرائيل في السنوات المقبلة. وتدل كل المؤشرات على أن أيزنكوت وليبرمان معنيان بهيئة أركان عليا للجيش يكون هدفها الأساسي مواجهات مع عدو غير متناظر، أي مع تنظيمات أو ميليشيات تملك سلاح الجيوش النظامية التقليدية وقدراتها، لكنها تستخدم أساليب الإرهاب وحرب العصابات. جيوش هجينة، هذا هو الاسم الذي يطلقونه على تنظيمات مثل حزب الله و"حماس" وتنظيم داعش.
•إن الضباط الذين جرى اختيارهم– باستثناء واحد- هم من سلاح المشاة واكتسبوا خبرة في مواجهات من كل الأنواع مع مثل هؤلاء الأعداء. وباستثناء اللواء نوركين قائد سلاح الجو، فإن جميع القادة الجدد لديهم تجربة كبيرة ليس فقط في قيادة القتال البري، بل أيضاً في قيادة وحدات النخبة الخاصة الخبيرة بخوض حرب عصابات ضد حرب عصابات. ومع الأسف ليس هناك أحد من المعينين حديثاً ينتمي إلى سلاح المدرعات، ومن المحتمل أن يتضح في المستقبل أن هذا كان خطأ.
•بصورة عامة، تبدو هيئة الأركان العامة الجديدة مركبة بصورة تجعلها قادرة على القيام بأربع مهمات على أفضل وجه. المهمة الأولى؛ أن تكون دائماً في حالة تأهب واستعداد، وأن تتخذ القرارات بسرعة وتنتصر في معركة أو في حرب محدودة قد تنشب فجأة. ولدى جميع القادة الجدد خبرة في هذا النوع من القتال، بمن فيهم نائب رئيس الأركان المرتقب أفيف كوخافي.
•كوخافي، الذي كان رئيساً للاستخبارات العسكرية في فترة عملية الجرف الصامد، يرد ذكره في تقرير مراقب الدولة عن هذه الحرب بصفته الشخص الذي لم يقدّر بصورة صحيحة نيات "حماس". لكن يجب أن ندرك أن رئيس الاستخبارات العسكرية ليس الوحيد الذي يقوم بالتقدير، وقد استندت قراراته إلى العمل الاستخباراتي الذي جمعته شعبة الاستخبارات حيال "حماس". بالإضافة إلى ذلك، فقد دفع ثمن الدرس ويمكن افتراض أنه سيكون حالياً أكثر حذراً.
•المهمة الثانية؛ منع التسلل إلى أرض إسرائيل للقيام بهجمات إرهابية وعمليات تخريب، ومنع الإرهاب في المناطق. ولدى جميع القادة الذين عيّنوا خبرة غنية وناجحة إجمالاً في هذا المجال.
•المهمة الثالثة؛ هي الحرب بين الحروب، والتي هدفها منع تعاظم تسلح "حماس" وحزب الله بسلاح نوعي وحديث يقلّل من تفوق الجيش الإسرائيلي التكنولوجي- الاستراتيجي. وحتى في هذا المجال، فإن لدى جميع القادة الجدد خبرة.
•المهمة الرابعة؛ هي إبقاء دولة إسرائيل بعيدة قدر المستطاع عن الحروب الأهلية والنزاعات الدينية التي تمزق منطقتنا. وهذه المهمة هي في الأساس تخص المستوى العالي.
•ثمة تعيين مهم يجب أن يلفت الانتباه هو تعيين القائد الحالي للجبهة الداخلية اللواء يوئيل ستريك، قائداً للمنطقة الشمالية. ويمكن التقدير بثقة أن هذا التعيين سببه المنصبان الأخيران اللذان تولاهما ستريك في الجبهة الشمالية: كقائد لفرقة الجليل في المنطقة الأكثر حساسية في الجبهة الطويلة في مواجهة حزب الله، وكقائد للجبهة الداخلية حيث عمل كثيراً في موضوعات تتعلق بكيفية التعامل مع السكان ومستوطنات الحدود الشمالية لو نشبت حرب، وبصورة خاصة لو حاول حزب الله إرسال قواته الخاصة للسيطرة على مستوطنات إسرائيلية متاخمة للحدود.
•يتمتع اللواء ستريك بمعرفة واسعة جداً سواء في المجال الهجومي في الساحة الشمالية أو في المجال الدفاعي، ومن شبه المؤكد أن هذا هو سبب اختياره كي يحل محل قائد المنطقة الشمالية.
•من المتوقّع أن تكون الحدود الشمالية، وخاصة الحدود مع لبنان، ساحة القتال الأساسية في أي حرب مقبلة. وتشير جولة التعيينات الأخيرة إلى نية وزير الدفاع ورئيس الأركان تعزيز قيادة الجيش بقائدين على الأقل من ذوي الخبرة المباشرة والمعرفة الجيدة بالأرض والعدو على الحدود الشمالية.