•إن تبريرات الأونيسكو للقرار الذي لا يعترف بوجود علاقة بين اليهود وجبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف] منافية للمنطق ومنقطعة عن الحقيقة التاريخية، بحيث من الصعب أن نتخيل أنها تشكل جزءاً من قرارات هذه المنظمة الدولية المحترمة.
.......
•من بين الدول التي صوتت على القرار تبرز دولتان أسلوب تصويتهما مثير للاهتمام ومهم، هما: الصين وروسيا. الأولى قوة اقتصادية صاعدة عالمياً تحاول أن تصبح منافسة للولايات المتحدة. والثانية وريثة الاتحاد السوفياتي وتحاول الخروج من الزاوية التي حُشرت فيها بعد تفكك الامبراطورية الشيوعية.
•تنتهج الدولتان سياسة نشطة تهدف إلى "الضغط" على الولايات المتحدة في نقاط مختلفة. هذا ما تفعله الصين في بحر الصين الجنوبي والشرقي، وهذا ما تفعله روسيا في شرق أوروبا وفي الشرق الأوسط. وجاء تصويت الدولتين في الأونيسكو بخلاف تصويت الولايات المتحدة، لكنه كان نابعاً من ضعف وليس من قوة.
•كثيرون في إسرائيل يفكرون في هذا التصويت من منطلق مفاهيم "العداء للسامية"، لكن يبدو أن هذا لا ينطبق على ما نحن بصدده. صحيح أنه يوجد في روسيا تقليد طويل من العداء للسامية، ويمكن رؤية مؤشرات على استمراره أحياناً في تصريحات مسؤولين رفيعين، لكن الرئيس بوتين تحديداً بعيد عن ذلك. لذا سيكون من الخطأ إلقاء التهمة في هذا الشأن على العداء للسامية التي لم يكن له أبداً أي شأن في الصين.
•في أحد أحاديثي مع خبراء صينيين بالشرق الأوسط سألتهم لماذا توجد هوة كبيرة بين الرغبة في تحسين العلاقات مع إسرائيل والتعلم من "ابتكاراتها" والاستعانة بها في الاختراعات الحديثة وبين السلوك السياسي في الساحة الدولية. ولو عدنا إلى تصويت الصين في المؤسسات الدولية لوجدنا أنه لم يتغير شيء في علاقة الصين بإسرائيل في السنوات الـ40 الأخيرة: فالصين تصوت تلقائياً إلى جانب العرب ولم تصوت قط إلى جانب إسرائيل. وفي هذا السياق فإنها مثل الذي يُطلق النار على قدمه لأن جميع الحجج التي تطرحها بشأن حقوقها في بحر الصين الجنوبي تستند إلى خريطة هناك شكوك في أساسها التاريخي، وكثيرون لا يعتبرونها أصلية وذات قيمة. وها هي الصين تصوت بخصوص موضوع تاريخه واضح وقوي، وبذلك تفتح الباب أمام قرارات مشابهة تتعلق بموضوعات مهمة بالنسبة إليها مثل حقوقها التاريخية في بحر الصين الجنوبي وحتى في التيبت.
•وبعد أن تفاجأ من تحادثت معهم من الصينيين بمقارنة الفلسطينيين مع سكان منطقة التيبت وحاولوا ادعاء أن "هذا أمر مختلف"، سمعت جوابين مختلفين للسؤال الذي طرحته.
•الجواب الأول بدأ بمقدمة مفاجئة: "الصين دولة ضعيفة"، ونحن الصينيين نشق طريقنا إلى القمة ونواجه مقاومة شديدة وبحاجة إلى كل دعم ممكن في المجتمع الدولي. الكتلة الإسلامية كتلة كبيرة ومهمة ولا نستطيع التخلي عن دعمها، على الرغم من وجود أطراف في بيجين تعتقد أن إسرائيل على حق في مسألة معينة أو في أخرى، لكنكم "كتلة مؤلفة من دولة واحدة" وهم أكثر من 50 (يوجد في الأمم المتحدة 75 دولة مسلمة من مجموع 193 عضواً).
•ليس هناك ما يدفع الصين إلى الوقوف ضد إسرائيل، وهي معنية بتحسين علاقاتها معها على جميع الصعد، لكنها لا تستطيع تجاهل قوة كتلة الدول الإسلامية في الأمم المتحدة. لذا لن تغير الصين طريقة تصويتها في الساحة الدولية، وليس لذلك صلة بالعلاقات بين الدولتين.
•الجواب الثاني الذي سمعته هو سياسي أقل وسوسيولوجي أكثر، وصاحبه أستاذ صيني شاب نسبياً، وهو يعتقد أن هناك فجوة كبيرة بين التأييد الواسع الذي تحظى به إسرائيل في أوساط الجيل الشاب في الصين وبين [مواقف] الجيل القديم الذي لم يتحرر من صور قديمة لإسرائيل ومن التزامات تاريخية لم يعد لها أي صلة بالواقع الحالي. وفي رأيه ورأي رفاقه، أنه عندما سيتبدل الجيل الذي يحكم الصين ستتحسن كثيراً مكانة إسرائيل، وستتغير السياسة الصينية إزاءها في المحافل الدولية.
•في رأيي التفسير الأول يتلاءم أكثر مع أسلوب اتخاذ القرارات في موسكو، فالذي يحسم هنا هو الحسابات الباردة: عدد الأصابع المؤيدة لإسرائيل مقابل تلك التي تدعم الجانب المسلم.
•لدى الصين وروسيا مخاوف كثيرة من التطرف الإسلامي ومن المهم بالنسبة إليهما عدم إضافة ثقل سلبي على علاقاتهما مع الدول الإسلامية. وهذه هي العوامل الأساسية التي تؤثر في بيجين وموسكو اللتين لا تستطيعان تغيير تقليد عمره سنوات طويلة.
•وهذا لا يدلّ على قوة بل على ضعف. ليست الصين وحدها بل روسيا أيضاً لديها حجج تاريخية أضعف بكثير من الحجة الإسرائيلية بشأن جبل الهيكل، مثلاً العلاقة بين شبه جزيرة القرم وروسيا. لذا تخاطر روسيا هي أيضاً بدعمها حججاً ليس لها أساس تاريخي يقدمها العرب.
•إن الإسرائيليين الذين يحلمون من دون أساس واقعي باستبدال التحالف مع الولايات المتحدة بتحالف مع الصين وروسيا، يجب أن يتعلموا جيداً الدرس مما حدث. تنتهج الصين وروسيا سياسة مكوناتها الأخلاقية أقل أهمية لديهما مما هي عليه بالنسبة إلى الولايات المتحدة. ومن هنا، فإن فرص تحالفهما مع إسرائيل على أساس قيمي قادر على الصمود لمدة طويلة ضئيلة جداً.
•من الطبيعي جداً بالنسبة إلى إسرائيل قيام علاقة عميقة مع دولة مثل الولايات المتحدة أوثق من العلاقة مع دولتين مثل روسيا والصين، اللتين ما تزالان أسيرتي الماضي، على الأقل في كل ما يتعلق بمواقفهما في المحافل الدولية.