•تحمل السنة العبرية الجديدة عدداً من التواريخ المرتبطة بأحداث مهمة في تاريخ الحركة الصهيونية مثل مرور 120 عاماً على المؤتمر الصهيوني الأول، و100 عام على وعد بلفور، و70 عاماً على قرار الأمم المتحدة تقسيم البلد إلى دولتين، و50 عاماً على حرب الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967] التي وحدت القدس وجميع أراضي إسرائيل الغربية تحت سلطة إسرائيل.
•إن تجمع هذه التواريخ على المستوى الرمزي على الأقل، يشكل عاملاً يجب أن يدفع المجتمع الإسرائيلي إلى بذل كل ما يمكنه من أجل تشجيع عملية الفصل بينه وبين المجتمع الفلسطيني، بما في ذلك اتخاذ قرارات سياسية إقليمية صعبة في هذا الصدد. ويتعين علينا أن نفعل ذلك ليس حباً بالقرارات الدراماتيكية المصيرية، بل لأن عدم اتخاذ هذه القرارات يعرّض للخطر جميع الانجازات التي حققناها في التواريخ المذكورة أعلاه.
•ظاهرياً، لا يوجد سبب في الوقت الحالي يدفع نحو اتخاذ قرارات حاسمة وصعبة من هذا النوع، فالتغيرات الدراماتيكية التي شهدها الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، وأزمة اللاجئين التي نشأت في أوروبا من جراء الاضطرابات في منطقتنا، خففت بصورة كبيرة من الضغط على إسرائيل، وأصبح لدى الدول العربية ودول أوروبا أمور أكثر إلحاحاً للاهتمام بها. كما أثبتت أحداث السنوات الأخيرة عدم صحة الادعاء بأن مشكلات العالم الأمنية والاستقرار في الشرق الأوسط مرتبطان بحل المشكلة الفلسطينية.
•لقد فقدت القضية الفلسطينية الكثير من أهميتها في الساحتين الدولية والإقليمية، لكنها ما تزال نقطة حاسمة بالنسبة لمستقبل دولة إسرائيل. وهي نقطة مصيرية من الناحية الأخلاقية لأن العديد من الناس في العالم وفي إسرائيل يحتاجون إلى حسمها كي يتماهوا بصورة كاملة وواضحة مع صدقية المشروع الصهيوني. وهي حاسمة من الناحية الديمغرافية، فكلما مر الوقت أصبح الانفصال عن الفلسطينيين أكثر صعوبة، وتزداد بذلك حظوظ تبني حل الدولة الواحدة بين البحر ونهر الأردن حيث ستقوم أغلبية عربية. وهي نقطة حاسمة من الناحية السياسية لأن المجتمع الدولي لن يقبل على الاطلاق باستمرار الوضع كما هو عليه الآن خمسين سنة أخرى.
•كل هذا يشكل أسباباً تدعونا إلى عدم قول "لا يوجد شريك"، وإلى بذل الجهد من أجل العثور عليه. إن اليمين الإسرائيلي محق عندما يقول إن الفلسطينيين على الأقل في المستقبل المنظور ليسوا شركاء في السلام، فهم غير معنيين أو غير قادرين على تقديم تسويات الحد الأدنى المطلوبة منهم من أجل التوصل إلى اتفاق تاريخي - التنازل عن المطالبة بحق العودة والاعتراف "بدولتين لشعبين"، أي بأن تكون دولة إسرائيل دولة للشعب اليهودي وليس لـ"الشعب الإسرائيلي".
•لكن الوقائع الجديدة في الشرق الأوسط تشير إلى شريك آخر بديل عن الفلسطينيين هو الدول العربية وخاصة المعتدلة التي تتخوف من موجة التطرف الإسلامي ولديها مصلحة بارزة مشتركة مع إسرائيل.
•يجب أن يكون دور هذه الدول في الصفقة استرجاع القضية الفلسطينية من يد الفلسطينيين واتخاذ قرار بشأنها في منتدى عربي واسع يفرض على الفلسطينيين التسويات المطلوبة من أجل اتفاق تاريخي. ويجب أن يكون الدور الإسرائيلي الاستعداد لتسويات قد تكون أقل إيلاماً من تسوية مباشرة مع الفلسطينيين- فمن المحتمل أن تكون هناك فرص أكبر في مثل هذه الحالة لاستمرار الاستيطان اليهودي في مناطق لن تبقى تحت السيطرة الإسرائيلية.
•قد يؤدي ذلك إلى العودة إلى اتفاق بيرس - الحسين في سنة 1987 الذي سيمر عليه السنة المقبلة 30 عاماً، حينها توصل الاثنان إلى تفاهم يقضي بتنازل إسرائيل عن أغلبية مناطق يهودا والسامرة للمملكة الأردنية. وكان ذلك بمثابة إنجاز سياسي حقيقي لشمعون بيرس - أهم من اتفاق أوسلو الإشكالي.
•لقد شكل هذا الاتفاق الفرصة الأخيرة خلال العقود الثلاثة التي مرت، كان يمكن من خلاله إعادة الوضع الذي كان قائماً في المنطقة قبل نشوب حرب الأيام الستة الى ما كان عليه: أي سيطرة دولتين عربيتين معتدلتين، الأردن ومصر، على مناطق ذات إشكالية في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] وغزة، وإزاحة المشكلة الفلسطينية عن جدول أعمال إسرائيل. هذا إلى جانب اضافة مهمة لإسرائيل تتمثل في عقد اتفاقات سلام مع أغلبية جيرانها.
•إن واجبنا الأخلاقي حيال الفلسطينيين يتلخص بالمطالبة بعدم السيطرة عليهم. وهو لا يشمل ولن يشمل المطالبة بأن يكون زوال هذه السيطرة من خلال قيام دولة فلسطينية مستقلة.
•لقد ضيعنا الفرصة بسبب العمى التاريخي الصارخ لرئيس الحكومة آنذاك يتسحاق شامير ومعسكر اليمين كله، لكن ربما توفر الوقائع الجديدة في المنطقة شروطاً - تشمل أيضاً اعترافاً دولياً - للتخلي عن حل مستقل للمشكلة الفلسطينية والعودة إلى حل عربي واسع. ويجب ألا نضيع الفرصة هذه المرة أيضاً.