سنة على موجة الإرهاب، لا يمكن الانتصار بضربة واحدة
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

المؤلف

•يدل تجدد الهجمات في الأسبوعين الأخيرين على أن إعلان القضاء على موجة الإرهاب كان متفائلاً جداً، فالجذور العميقة التي تسببت بنشوب هذه الموجة ما تزال موجودة. ومن دون تغيير جوهري في الوضع، وهو أمر لا يلوح في الأفق حالياً، فإن الهجمات المتفاوتة القوة سترافقنا في المستقبل المنظور. 

•لكن من جهة أخرى إعلان انتفاضة ثالثة أمر مبالغ فيه أيضاً. فبعد مرور سنة يمكن القول إن ما يجري مختلف عما عرفناه في الماضي، ففي غياب مشاركة الجماهير ودعمهم، وبصورة خاصة من دون وجود تنظيم وتوجيه، لا وجود لمثل هذه الانتفاضة. والعكس هو الصحيح، فإن جميع الأطراف الرسمية في السلطة الفلسطينية فعلت كل ما في وسعها العام الماضي لكبح الهجمات، ليس حرصاً على حياة الإسرائيليين، ولكن خوفاً على مستقبل السلطة.

•إن العبرة الأساسية من سنة الهجمات الماضية هي عدم وجود "ضربة قاضية" تحل المشكلة بصورة جذرية. وفي غياب طرف منظم يمكن محاربته، وحقيقة أن جميع الهجمات قام بها أفراد أغلبهم لم يشاركوا أحداً بما ينوون أن يفعلوه، فإن السبيل إلى الانتصار - أو لمزيد من الدقة من أجل تقليص التهديد - ممكن بعد سلسلة طويلة من العمليات والخطوات العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية والنفسية والإعلامية وغيرها. 

•لقد احتاجت إسرائيل إلى أسابيع طويلة كي تفهم ما يجري. في هذه الأثناء ومنذ بدء موجة الإرهاب في الهجوم الذي قُتل فيه الزوجان هانكين في 1 تشرين الأول/أكتوبر 2015 بالقرب من نابلس، تخُيل لوهلة أن ما يجري هنا شيء مختلف، وكبير ويمكن ان يخرج عن السيطرة، كما بدت هذه الأحداث قادرة على أن تحمل معها جميع شرور الصراع الدينية والقومية والاقتصادية والشخصية.

•لم تكن صدفة أن يتمركز العنف في مكانين أساسيين: القدس والخليل، اللذين يتمتعان برمزية دينية بارزة بالإضافة إلى احتكاك خارج عن المألوف بين الإسرائيليين والفلسطينيين. في هذا الوقت تصرفت سائر أنحاء الضفة بصورة معتدلة نسبياً، ساهم في ذلك القرار الإسرائيلي بالمحافظة على نمط الحياة العادية على الرغم من الإرهاب، والسماح للفلسطينيين بالذهاب إلى عملهم والعمل في الأرض وفي التجارة ومتابعة الدراسة، كي يكون لهم عندما يستيقظون في الصباح ما يخسرونه.

•لقد جرى بلورة فكرة "الربح والخسارة" في مرحلة سابقة نسبياً. وأساسها أن من لا يشارك في الإرهاب يواصل حياته الطبيعية؛ ومن يشارك تؤخذ منه تصاريح العمل ويحرم من المال، ويهدم منزله. وعلى نطاق القرية أو العشيرة فإن هذا ليس بالثمن البسيط. والنموذج على ذلك قرية سعير في منطقة الخليل، التي خرج منها 12 مهاجماً خلال زمن قصير، وكان واضحاً أنه بالإضافة إلى الضغط العسكري - الحصار وعمليات التفتيش الدقيقة وفرض قيود على العمل- هناك حاجة إلى القيام بشيء إضافي. فاجتمع مسؤولو الإدارة المدنية مع كبار شخصيات القرية وأوضحوا لهم أن هذا لا يمكن أن يستمر. وكانت النتيجة أحاديث مع الشبان في جميع المدارس وعمليات تفتيش يومية لحقائب التلامذة للتأكد من أنها لا تحتوي على سكاكين.

•وهذا النموذج هو واحد من بين عشرات الخطوات المشابهة التي جرى القيام بها في السنة الماضية بهدف القضاء على موجة الإرهاب. ففي غياب يد موجهة اتضح بسرعة أن العامل الأكثر تأثيراً على المخربين هو التقليد، أي العمل بوحي من هجوم أو مهاجم  والرغبة في تقليده أو في الانتقام لموته.  فعلى سبيل المثال، جاء من قباطيا أكثر من عشرة شبان قاموا بطعن إسرائيليين، جميعهم تقريباً كانوا أقرباء العائلة أو من الجيران أو من أصدقاء المدرسة. وكان واضحاً أن لجم هذه الموجه يتطلب أمرين أساسيين: مدة زمنية من الهدوء المتواصل بعد الهجوم الأخير من أجل تبديد صداه؛ والحؤول قدر المستطاع دون وقوع مصابين في الجانب الإسرائيلي كي تبدو الهجمات غير مفيدة.

•يقول قائد فرقة يهودا والسامرة العميد ليؤر كرملي: "في البداية  لم تكن لدينا الوسائل الكافية كي نواجه بفاعلية الإرهاب القائم على التقليد. لكننا تحسنا منذ ذلك الوقت، وطورنا طرائق عمل وتفكير تتيح لنا تحقيق نتائج أفضل".

•العامل الأساسي الذي يتحدث عنه كرملي هو العامل العسكري أي محاولة إنهاء كل احتكاك بين مخرب ورجل أمن (جندياً كان أم شرطياً) من دون وقوع إصابات في جهتنا ومن دون تحقيق إنجاز من جهتهم. ومن أجل ذلك كانت هناك حاجة إلى تقليص الأهداف المدنية قدر المستطاع كي يكون من يتعرض للهجمات هم رجال الأمن المسلحون والمدربون على مواجهة مثل هذا الوضع.  

•بيد أن التحسينات العسكرية هي جزء فقط من الصورة الشاملة، فقد أضيف إليها عناصر رادعة (الخوف من هدم المنازل، ومن الموت والاعتقال)، وتحسن ملموس في فاعلية الاستخبارات. فإذا لم تعرف المؤسسة الأمنية في البداية كيف تحبط هجوم الأفراد، فإن الصورة تغيرت بصورة دراماتيكية. ومن خلال الرصد والمراقبة المركزة بصورة خاصة لوسائل التواصل الاجتماعي، ينجح الشاباك والجيش في الوصول إلى العديد من الشبان قبل أن ينطلقوا لتنفيذ هجومهم. قد لا يشكل التعبير عن آراء متطرفة سبباً للاعتقال، لكن عندما يترافق مع الرغبة المعلنة بالموت وظروف شخصية أخرى، فإن ذلك سبب كاف "لزيارة المنزل"، وتحذير الأهل، وعندما تستدعي الحاجة القيام باعتقال وقائي.

•بالإضافة إلى ذلك، سُجل في السنة الأخيرة تغير واضح في الجانب الفلسطيني. في البداية وقفت زعامة السلطة موقف المتفرج وتابعت الهجمات (وبخلاف ادعاءات إسرائيل لم تشارك السلطة فيها، لكنها لم تقف ضدها). لكن عندما بدأ العنف يهدد بالخروج عن السيطرة، وبصورة خاصة عندما برز التخوف من احتمال انضمام مسلحي التنظيم [فتح] إلى أعمال العنف وإشعال الوضع، أمر أبو مازن بكبح العمليات، وهذا ما جرى منذ ذلك الحين وحتى اليوم. وحالياً تنشط القوات الأمنية في السلطة ضد معامل تصنيع السلاح وضد تجار السلاح والصيارفة، ويجري هذا أحياناً بتنسيق كبير مع إسرائيل، لكنه يخدم أيضاً هدفاً فلسطينياً واضحاً هو منع الفوضى التي ستؤدي إلى تعزيز قوة "حماس" أو إلى عملية إسرائيلية واسعة.

•وقد أضيف إلى هذا كله عنصر آخر يشغل جداً الجانب الفلسطيني ولا تعرفه إسرائيل كثيراً. فقد تبين أن عدداً كبيراً من الذين قاموا أو حاولوا القيام بهجمات في السنة الأخيرة هم من الصغار في السن، وجميعهم كانت لديهم خلفية شخصية إشكالية، مثل فتى ترك المدرسة أو طُرد من المنزل، أو امرأة خانت زوجها، أو عريس ألغى حفل زواجه. وعندما تجمعت الأرقام اتضح أن هؤلاء لا علاقة لهم بالشهيد التقليدي الذي يضحي من أجل وطنه، بل هم أشخاص أرادوا استغلال محنتهم من أجل أن يحققوا الشهرة. وفي مجتمع يقدس البطولة والتضحية فإن لذلك أهمية كبيرة، مما  أدى إلى انخفاض بارز في تقدير هؤلاء الشهداء وإلى تراجع عددهم.

•وقد برز ذلك في دعم الشارع الفلسطيني كما أظهرته استطلاعات الرأي التي قام بها معهد خليل الشقاقي في نابلس: ففي كانون الأول/ديسمبر 2015 أيَّد 57% من الجمهور الفلسطيني الهجمات بالسكاكين، وتراجع العدد إلى 44 % في آذار/مارس هذه السنة وإلى 36% في حزيران/يونيو منها.

 

•وفي الإجمال وقع السنة الماضية 334 هجوماً ومحاولة هجوم: 192 هجوم طعن، و100 إطلاق نار، و33 هجوم دهس، و9 هجمات بالعبوات الناسفة. وقتل 39 مدنياً وعنصراً من قوات الأمن في الجانب الإسرائيلي، وفي المقابل قُتل 199 فلسطينياً (بينهم 159 مخرباً). كما اعتقل في تلك الفترة نحو 3570 فلسطينياً بينهم 1200 من المتورطين مباشرة في الهجمات.