•تشكل الهزيمة التي مني بها الحزب الديمقراطي المسيحي برئاسة المستشارة أنغيلا ميركل في الانتخابات المحلية أول من أمس في مقاطعة ماكلنبورغ في ألمانيا، علامة إنذار لحزب السلطة، وتدل على أنه ليست الولايات المتحدة وحدها هي التي يمكن أن تشهد في الأشهر القريبة المقبلة مأساة سياسية. إن احتمالات حدوث تطورات سياسية موجودة بشكل أساسي في ألمانيا وفرنسا، لكن سبقتهما بريطانيا مع "Brexit" أي انفصالها عن أوروبا. وجميع هذه العواصف السياسية القائمة والمنتظرة لها أسبابها الخاصة، لكن يوجد أيضاً وراءها بصورة أو بأخرى التخوف من الأسلمة ومن انعكاساتها- سواء على مستوى الارهاب، أو من ناحية تدمير النسيج الثقافي والميزان الديموغرافي.
•وبينما يلوّح ترامب في الولايات المتحدة بالتهديد الإسلاموي، ففي ألمانيا أنغيلا ميركل أصبح هذا التهديد حقيقة قائمة. ففي دولة استقبلت نحو مليون لاجئ أغلبيتهم الساحقة من المسلمين، ومن المنتظر أن تستقبل هذه السنة نحو 300 ألف لاجئ اضافي، بالاضافة إلى ثلاثة ملايين تركي يعيشون في ربوعها، تحول موضوع الأسلمة إلى قنبلة موقوتة من الزاوية السياسية والانتخابية. وفي وسط النيران تقف المستشارة ميركل نفسها، ومعارضوها وحتى جزء من مؤيديها يتهمونها مثلما صرّح نائبها في الائتلاف زعيم الحزب الاشتراكي - الديمقراطي سيغمر غبريال، بأنها لم تقدّر بصورة صحيحة التحديات التي انطوت عليها سياستها الليبرالية حيال الهجرة. لقد دعا غبريال إلى تقييد الهجرة إلى ألمانيا، وحتى ميركل التي تعارض مثل هذه الخطوة طلبت في الفترة الأخيرة من سكان ألمانيا المسلمين إظهار ولاء أكبر للقيم الاجتماعية والديمقراطية للدولة.
•نتيجة لهذا الوضع، وبالإضافة إلى صعود أطراف يمينية جزء منها يحمل سمات فاشية مثلما حدث في ماكلنبورغ حيث حل هذا الحزب في المرتبة الثانية، تعالت أصوات تطالب بتغيير المرشحة لرئاسة الحكومة في انتخابات السنة المقبلة. على ما يبدو فإن هذا لن يحدث، لكن الاستقرار السياسي في ألمانيا تصدع بشدة.
•وحتى في فرنسا، وربما أكثر من ألمانيا من المنتظر أن يلعب العامل الإسلامي دوراً مهماً في المعركة الرئاسية المقبلة. وبالفعل ففي الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح عن كتلة اليمين- الوسط يدور صراع حاد وعنيف بين الرئيس السابق نيكولا ساركوزي وخصمه رئيس بلدية بوردو ألان جوبيه. في الانتخابات الماضية فاز المرشح الاشتراكي هولاند على ساركوزي بأصوات المواطنين الفرنسيين من المسلمين، وفي المواجهة الحالية قرر جوبيه أن يحذو حذوه وأعلن أنه بخلاف خصمه ساركوزي الذي تتمركز حملته الانتخابية على الحرب على الارهاب، فهو يدعو إلى "احتضان المواطنين المسلمين".
وبالنسبة إلى إسرائيل لا فارق كبير من هو الذي سيكون في قصر الإليزيه، فجميع المرشحين يعرفون أن إسرائيل صديقة مهمة لفرنسا (وحتى الفلسطينيون يعرفون)، لكن الذي يقرر فعلاً هو الخط التقليدي الذي تنتهجه الخارجية الفرنسية منذ "إعلان فيينا" سنة 1980 الذي دعا إلى مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في جميع المفاوضات المتعلقة بالموضوع الفلسطيني، ووقوف فرنسا في سنة 1967 إلى جانب العرب وروسيا في ما يتعلق بالقرار 242 الصادر عن مجلس الأمن في الأمم المتحدة.
•ليست فرنسا اليوم لاعباً أساسياً في الساحة الشرق أوسطية على الرغم من الجهود التي تبذلها، لكن ما يحدث داخلها يمكن أن يحدد أسلوبها وصورتها أكثر من خطوة فاشلة ما على صعيد السياسة الخارجية. في جميع الأحوال، فإن التطورات في فرنسا وفي ألمانيا وفي أماكن أخرى، تدل على أن الخوف من الأسلمة يلعب دوراً متزايداً في سياسة العالم الحر.