الأتراك يتحدثون كثيراً لكنهم يدركون حدود القوة
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

المؤلف

•في الأسبوع الفائت تفرّغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الزوبعة التي تحدث في بلده ومن حملة التطهير والتصفيات السياسية في أوساط معارضيه ومنتقديه منذ محاولة الانقلاب الفاشلة قبل شهر، وأرسل جيشه إلى الجارة سورية. وعلى ما يبدو، فإن أردوغان قرّر أن يفتح جبهة قديمة - جديدة ضد عدوه في سورية بالتزامن أيضاً مع حل الأزمة في علاقات تركيا الدبلوماسية مع كل من روسيا وإسرائيل.

•أطلقت أنقرة على هذه العملية العسكرية اسم "درع الفرات"، وهي بحسب أردوغان وحكومته تهدف إلى ضرب تنظيم "داعش" الذي نفذ أخيراً عمليات إرهابية موجعة في تركيا كان آخرها قبل أسبوع في مدينة غازي عنتاب في جنوب الدولة، وقام خلالها أحد عناصر هذا التنظيم بتفجير نفسه أثناء حفل زفاف مما أدى إلى قتل العشرات.

•من المُريح بالنسبة إلى أردوغان أن "داعش" موجود من أجل أخذه كمبرّر ظاهر للتدخل العسكري في سورية. ولا بُد من الإشارة في الوقت عينه إلى أن الروس والإيرانيين أعلنوا هم أيضاً أنهم قاموا بإرسال قواتهم إلى سورية لمحاربة "داعش"، لكن من ناحية فعلية فإن هذه القوات تحارب أساساً مجموعات متمردين معتدلة تهدّد نظام بشار الأسد ولا تقترب من هذا التنظيم بتاتاً.

•صحيح أن "داعش" يشكل هدفاً يزداد إزعاجاً بالنسبة إلى تركيا، لكن التهديد الاستراتيجي الحقيقي لها في سورية يكمن في الأكراد الذين ازدادت قوتهم بمساعدة واشنطن وتجاهل موسكو، وبدأوا في الآونة الأخيرة بترسيخ حكم ذاتي كامل في شمال سورية وشرقها. ويخشى الأتراك أن يؤدي حكم ذاتي كهذا ترافقه صحوة المشاعر الكردية القومية إلى انضمام الأقلية الكردية في تركيا نفسها إليه. وفي نهاية المطاف فإن الجيش التركي موجود في خضم مواجهة متصاعدة مع الخلايا السرية الكردية في تركيا (التابعة لحزب العمال الكردستاني PKK الذي تنتمي إليه أغلبية الأكراد المقاتلين في سورية).

•يبدو أن أردوغان يدرك أن الطريقة لمنع إقامة دولة كردية في سورية هي من خلال التدخل المباشر وربما أيضاً من خلال الوجود العسكري المتواصل في الأراضي السورية، فهكذا فقط يمكنه إجبار القوى العظمى على أن تأخذه في الحسبان عندما يتم التوجه للتوصل إلى اتفاق بعيد المدى للأزمة السورية. وهكذا فقط سيسعى الأميركيون إلى تقييد نشاط الأكراد في سورية الذين يؤيدونهم ويدربونهم ويسلحونهم لمحاربة "داعش" (الأمر الذي امتنع الأتراك عن فعله حتى الآن). وبالتالي فإن الأكراد سيضطرون إلى ابتلاع حبة الدواء المُرّة، نظراً إلى ارتباطهم برغبة واشنطن التي ما تزال بحاجة إلى الأتراك.

•حتى الآن ما تزال العملية العسكرية التركية متركزة في بلدة جرابلس التي أرسل منها "داعش" إرهابيين انتحاريين إلى جميع أرجاء تركيا. لكن أهمية هذه البلدة تكمن أساساً في كونها نقطة وصل بين مناطق الأكراد في شرق سورية وشمالها. وبمساعدة الدبابات التي تم إرسالها إلى هذه البلدة، يهدف أردوغان إلى منع الأكراد من الوصل بين المنطقتين في سورية بهدف إقامة منطقة حكم ذاتي وإعلان دولة [كرديـة] مستقلة في المستقبل. ومن هذه المنطقة يستطيع أردوغان أيضاً أن يمدّ يده إلى مدينة حلب التي تدور فيها رحى حرب عالمية بين روسيا وإيران وحزب الله، والمتمردين السوريين الذين نجحوا حتى الآن في الصمود.

•وبالرغم من كل ذلك، يدور الحديث حول خطوة محدودة يشارك فيها مئات الجنود وعدة عشرات من الدبابات، حيث إن الأتراك وخصوصاً أردوغان يتحدثون كثيراً - هذا ما حدث أيضاً أمام إسرائيل - لكنهم في الوقت عينه يدركون حدود القوة ويظهرون حذراً كبيراً لدى التنفيذ، كما أنهم لا يريدون الغرق في المستنقع السوري.

 

•لقد انضمت تركيا إلى اللعبة السورية منذ زمن طويل، وهي تقدم مساعدات إلى المتمردين السوريين. لكن في إثر تدخل تركيا العسكري المباشر في سورية، يمكن القول إن هناك رابحاً واحداً وخاسرين كثيرين. هذا الرابح هو الرئيس السوري بشار الأسد الذي ما يزال جالساً بأمان على كرسيه يشاهد خصومه وهم يتصارعون في ما بينهم. أما الخاسرون فهم المدنيون السوريون الذين يدفعون ثمن بقاء الأسد في الحكم وثمن الحفاظ على السمعة الرفيعة لروسيا ومن يقف على رأسها، وثمن قلة الحيلة وعدم القدرة على العمل لإدارة باراك أوباما في الولايات المتحدة..