•وصلت الحرارة في العلاقات بين تركيا وروسيا في الشهر الأخير إلى ذروتها مع اللقاء الذي جرى الأسبوع الماضي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي يمكن أن يغير مرة أخرى خريطة المصالح والتحالفات في الشرق الأوسط.
•تجدد استئناف العلاقات بين أنقرة وموسكو عبّر عنه كون الزيارة الأولى التي قام بها أردوغان بعد محاولة الانقلاب التركي جاءت تحديداً إلى روسيا - العدوة الكبرى لحلف شمال الأطلسي - على الرغم من أن تركيا عضو في الحلف. وقبل هذه الزيارة، أجرى أردوغان مقابلات مع صحف روسية قال فيها إن روسيا هي العنصر "الأكثر أهمية" من أجل حل المشكلة في سورية، متجاهلاً بوضوح موقف الولايات المتحدة التي كانت حتى وقت قريب أهم حليف استراتيجي لأنقرة.
•يأتي هذا التقارب بعد توتر بدأ مع نشوب الحرب الأهلية في سورية. ففي وقت دعمت تركيا المتمردين الذين حاربوا نظام الأسد الذي ذبح السنة، حاولت روسيا مساعدة نظام الأسد للتغلب على المتمردين لأن سورية رصيد استراتيجي مهم بالنسبة إليها، إذ إنها توفّر لها ممراً عسكرياً ومدنياً إلى مياه البحر المتوسط. وتعمق التوتر بينهما وتحول إلى نزاع حقيقي مع التدخل العسكري الروسي على الأراضي السورية، ووصل إلى ذروته عندما أسقطت تركيا طائرة حربية روسية.
•على الرغم من ذلك، شهد الشهر الأخير تقارباً مهماً بين الدولتين. هذا التقارب ناجم عن عدة عوامل، جزء منها يتعلق بسياسة تركيا الخارجية، وجزء آخر يتعلق بعوامل خارجية. أولاً؛ وجدت تركيا نفسها في عزلة مطلقة فقررت تغيير سياستها الخارجية، وهي مهتمة حالياً بالاستقرار وبالمصالحة مع دول استراتيجية مثل إسرائيل وروسيا اللتين تستطيع الاستعانة بهما في الموضوعات المتعلقة بالحرب الأهلية في سورية، وبالحرب ضد الإرهاب، وكذلك في موضوع التزود بالطاقة.
•ثانياً؛ التقارب التركي من روسيا معناه ابتعاد تركي عن الغرب. إن الاتحاد الأوروبي يعرقل منذ سنوات انضمام تركيا إليه، وأوروبا وتركيا لا تزالان تتشاجران بسبب مشكلة اللاجئين من الشرق الأوسط، ومنذ محاولة الانقلاب في تركيا تبدي أطراف في الغرب تخوفها على الديمقراطية في تركيا في ضوء عملية التطهير الأيديولوجي التي يقوم بها أردوغان. وهذه السياسة يعتبرها أردوغان تدخلاً واضحاً في المسائل الداخلية.
•أطراف رسمية في تركيا اتهمت الولايات المتحدة بتقديم المساعدة للمتورطين بمحاولة الانقلاب في تركيا وبإقامة علاقات معهم. وحتى لو لم يكن هذا الموقف صادراً عن أردوغان نفسه، فإنه يدل على الأجواء السائدة في أوساط السلطة في تركيا. بالإضافة إلى ذلك، رفضت الإدارة الأميركية حتى الآن الاستجابة لطلب أردوغان تسليم من يعتبره المخطط للانقلاب، فتح الله غولن، المقيم في الولايات المتحدة.
•إن مجموعة هذه الخطوات دفعت تركيا إلى أحضان روسيا. بالنسبة إلى أردوغان، هو معني بعلاقة مع شريك قوي أقل اهتماماً بمستوى الديموقراطية التركية ونوعيتها وأكثر اهتماماً بالمصالح الواقعية الباردة، من أجل تحقيق الاستقرار الإقليمي.
•ما هي الانعكاسات الاستراتيجية على إسرائيل؟ من جهة، أخذت السياسة الخارجية الجديدة لتركيا في حسابها إسرائيل كلاعب مهم في المنطقة، ولهذا جرى توقيع اتفاق المصالحة في الفترة الأخيرة. ومن جهة أخرى، فإن الذي ساهم في المصالحة الإسرائيلية – التركية هو توتر العلاقات بين تركيا وروسيا، والمخاوف التركية فيما يتعلق بالتزود بالغاز من روسيا. وهذه المخاوف بالإضافة إلى إقرار خطة الغاز في إسرائيل ونية تصديره إلى دول المنطقة، سيشجعان أردوغان على إنجاز اتفاق المصالحة.
•في نهاية الأمر، يبدو أن المصالحة بين تركيا وروسيا لن تأتي على حساب إسرائيل، بل ستكون إلى جانبها بصفتها جزءاً من محور اللاعبين المركزيين المهتمين بالاستقرار الإقليمي وبتوفير طاقة متنوعة وآمنة، مما يتلاءم مع السياسة الخارجية الجديدة لأردوغان.