إذا كنا نهدم منازل مخربين فلسطينيين فيجب علينا أيضاً أن نهدم منازل مخربين يهود
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•في الأسبوع الماضي جرى هدم منازل عائلات المخربين اللذين نفذا الهجوم على مجمع ساورنا، بعدما رفضت محكمة العدل العليا طلب الالتماس [الذي تقدمت به العائلتان] وأقرت عملية الهدم. وكتب القاضي أودي شاهم: "لا شك في أنه ضمن إطار الحرب على الإرهاب هناك حاجة لاتخاذ خطوات استثنائية من أجل خلق الردع المطلوب، ومن أجل أن نقلص قدر الإمكان العمليات الإجرامية التي لا تستنكف عن القتل العشوائي لليهود، لمجرد أنهم يهود".

•المرة السابقة التي خضعت فيها قضية هدم منازل مخربين للنقاش العام كانت قبل نحو شهر، ولم يكن ذلك يتعلق بالمخربين الفلسطينيين: فقد توجهت عائلة أبو خضير التي أحرق ابنها حتى الموت على يد يهود في صيف 2014 إلى المحكمة العليا مطالبة بهدم منازل عائلات قتلة ابنها. وتجدر الإشارة إلى انه قبل نحو سنة، ولدى سؤاله عن قضية التمييز بين اليهود والعرب في كل ما يتعلق بسياسة هدم منازل عائلات المخربين، أوضح قاضي المحكمة العليا نوعام سولبرغ الأمر كالتالي: "الجمهور اليهودي بصورة عامة مرتدع وليس محرّضاً".

•بداية يجب أن نقول بوضوح: إن هدم منازل عائلات ليست متورطة بحد ذاتها في عمليات إرهابية كعقاب جماعي هو قطعاً عمل غير أخلاقي. إنها معاقبة إنسان على خطأ ارتكبه إنسان آخر. ويظل غير أخلاقي عندما يجري رداً على عمليات إرهابية فلسطينية أو على عمليات إرهابية يهودية. في سنة 2005، وبعد طرح القضية على النقاش في منتدى جيش- مجتمع بمشاركة قادة من الجيش الإسرائيلي في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أوصت لجنة برئاسة مدير عام وزارة الدفاع بوقف هدم المنازل وشككت بالفائدة من ذلك. جرى هذا كله في ذروة الانتفاضة الثانية.

•يشدد بحث قانوني نشره في الفترة الأخيرة البروفسور عميحاي كاهن والمحامي طال ميرمان، هو أيضاً، على إشكالية استخدام هذه الوسيلة من دون أدلة ملموسة تؤكد نجاعتها، كما يشير إلى إجحاف ممكن من قبل الجهة المكلفة باتخاذ القرارات. 

•خبراء كثيرون عبّروا عن رأيهم أنه في واقع الإرهاب الحالي وعندما يقوم أفراد بالهجمات في أحيان كثيرة بدافع من أزمة شخصية، فإن معقولية أن تكون سياسة هدم منازل عائلاتهم رادعة ضئيلة للغاية. وحتى لو افترضنا أنه على المدى القصير يمكن أن تكون هذه السياسة ناجعة في حالات معدودة، فعلى الأرجح، على المدى الطويل الذي يقاس بعدة أشهر، أن يؤدي حتماً شعور الغضب والكراهية والإحساس بالذل الذي تؤججه الأيديولوجيات الأكثر راديكالية من "حماس" إلى زيادة الإرهاب.

•من المهم الإشارة إلى أن الردع قابل للقياس ضمن سياق هامش الاحتمالات التي لدى الإنسان، وفي معظم الأحيان فإن الذل المقرون بالرغبة في الانتقام يكون أقوى من الردع. على سبيل المثال نُشر أن المخرب الذي قاد الهجوم على المجمع التجاري سارونا خضع لتأثير داعشي خلال دراسته في الزرقا في الأردن، وأنه هو الذي جر الآخرين. بالإضافة إلى ذلك، اعترف أحد أعضاء الخلية بأنه عندما كان طفلاً شاهد هدم منزل عائلته، وعلى الرغم من ذلك فإن هذا لم يردعه.

•إذا كان هذا هو واقع الحال، فإن هدم منازل عائلات مخربين هو أقرب بكثير إلى أن يكون عملاً انتقامياً مما هو عملية استباقية. وعندما يكون موجهاً ضد أشخاص ليسوا هم المهاجمين شخصياً، فإنه عمل غير شرعي من دون أي شك. علاوة على ذلك، فإن سياسة هدم المنازل التي تعتبر خطوة رادعة يمكنها أن تمنع الهجوم المقبل تُطبق فقط على السكان الفلسطينيين، وهذا أمر يثير الغضب لعنصريته. وحتى لو أن عدد عمليات الإرهاب اليهودي أقل بكثير من عدد العمليات الإرهابية الفلسطينية، فإن الإرهاب اليهودي يبقى ظاهرة موجودة لا مجال لإنكار وجودها. وما يجري ليس فقط تمييزاً بين القطاعات، بل هو نظرة تعتبر من غير المهم ردع العمليات الإرهابية الموجهة ضد العرب.

•مَن يعتقد أن هدم منازل عائلات القتلة أمر رادع ومبرر، يجب عليه أن يفكر بهذه الطريقة بالنسبة لعمليات هدم تطال الطرفين. وبناء على ذلك تكفي عملية إرهاب يهودي واحدة كي تبرر هدم منازل مهاجمين يهود.

•مرة أخرى نشدد على أننا لا نقصد أن على القضاة أن يأمروا بهدم منازل عائلات قتلة أبو خضير. إننا نعتقد أن التجربة تطرح شكوكاً كبيرة بشأن نجاعتها وبشأن المبرر القانوني المتعلق بهدم منازل عائلات مهاجمين أفراد في موجة الإرهاب الحالية. 

•لكن كون دولة إسرائيل تأمر بهدم منازل مخربين فلسطينيين وترفض بصورة قاطعة مطالبة أبناء عائلة فلسطيني أحرق حتى الموت على يد يهود بأن تفعل الأمر عينه ضد أقرباء القتلة، فهذا أمر لا يقبله العقل، وكان ينبغي أن يكون ماثلاً أمام أنظار القضاة لدى مناقشتهم طلب الالتماس [الذي قدمته عائلة أبو خضير].

 

•علاوة على هذا كله يجب القول أيضاً إن سياسة هدم منازل عائلات المخربين تلحق ضرراً كبيراً بالدولة في الساحة الدولية. ولكن ليس هذا هو السبب الأساسي للامتناع عن القيام بهذه الخطوات غير الأخلاقية، ومن يخاف تشويه منظمات حقوق الإنسان لصورة إسرائيل، يتعين عليه أن يكون واعياً من تشويه سمعتها بسبب هذه السياسة أيضاً.

 

 

المزيد ضمن العدد 2430