عشر سنوات على حرب لبنان الثانية: آراء مسؤولين أمنيين سابقين وخبراء في مجريات الحرب ونتائجها (1)]
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

المؤلف

 

•[بمناسبة مرور عشر سنوات على حرب لبنان، أجرت صحيفة "يسرائيل هَيوم" حواراً مع عدد من المسؤولين الأمنيين السابقين والخبراء تناول أخطاء هذه الحرب ودروسها، نترجم أدناه الجزء الأول منه]

•في اعتقاد اللواء (في الاحتياط) غيورا أيلاند الذي كان رئيساً لمجلس الأمن القومي في السنوات التي سبقت الحرب واستقال من منصبه بعد نصف سنة من نشوبها، أن النقاش بشأن قوائم الربح والخسارة في حرب لبنان قد استُنفد. ويقول إن "المسألة الأساسية هي: هل تعلمنا ما يجب علينا تعلمه كي ندير حرب لبنان الثالثة بصورة أفضل من الحرب الثانية؟". ويعتقد أيلاند "أن الخطأ الأكبر في حرب لبنان الثانية لم يرد ذكره أبداً في تقرير لجنة فينوغراد".

•في رأيه يكمن الخطأ الأكبر في النظرة الاستراتيجية لدولة إسرائيل التي مفادها أن حزب الله هو العدو الأساسي. ويضيف: "على مدى أسابيع طويلة جداً كانت حكومة لبنان والجيش اللبناني والبنى التحتية اللبنانية "خارج اللعبة". وكانت النتيجة لا مبالاة العالم بالقتال. لقد استمر القتال 34 يوماً، وفي نظره كان يمكن أن يستمر 34 يوماً أخرى. وحقيقة أن إسرائيل وحزب الله كان يقتل أحدهما الآخر لم تهز مشاعر العالم. لو كانت دولة لبنان تضررت بصورة سريعة وواسعة، لكانت مدة الحرب قصيرة". 

•ويحلل أيلاند: "الجميع متفقون اليوم على أن مصلحة إسرائيل هي حرب قصيرة، لكن ماذا سيجري لو نشبت حرب لبنان الثالثة غداً؟ هل ستكون حرباً قصيرة؟ ظاهرياً نحن تحسنّا، واستخلصنا العبر، وطورنا قدراتنا الهجومية والدفاعية. لكن هناك مصطلحاً يسمى "علاقات القوة"، وعندما أضع الجيش الإسرائيلي مقابل حزب الله، صحيح أننا تحسّنا، لكن انطلاقاً من مفهوم القدرات العسكرية العامة، فإن حزب الله تحسّن أكثر منا. لديه عدد أكبر من الصواريخ مما كان لديه حينذاك، ومداها أبعد بكثير، وهي تغطي كل الدولة بسهولة. وتحمل أيضاً هذه الصواريخ رؤوساً متفجرة أكبر بكثير. وعملية اخفاء [الصواريخ] بين الأبنية أفضل بكثير، وأيضاً فإن دقة الصورايخ تحسنت". ويذكّر أيلاند بأن "صاروخاً دقيقاً قادراً على ضرب نقاط حساسة جداً – مطار أو مستشفى أو مرفأ أو محطات للطاقة مثلاً. دولة إسرائيل صغيرة ولديها عدد قليل من البنى التحتية الوطنية وأماكنها معروفة، ونتيجة مثل هذا القصف قد تكون سيئة جداً".

•يقول أيلاند: "إذا استمرت حرب لبنان الثالثة 34 يوماً مثل حرب لبنان الثانية، فإن النتيجة ستكون أسوأ بأضعاف، ولأنه بغض النظر عن عدد عناصر حزب الله الذين سيقتلون بالمقارنة مع حرب لبنان الثانية، فإن الضرر الذي سيلحق بنا سيكون أكبر بكثير، ولن نستطيع القول إننا نجحنا".

•يقول أيلاند إن الحل موجود لدى الحكومة اللبنانية: "يتمتع حزب الله بحماية كاملة من هذه الدولة، وإذا مرة أخرى أبقت إسرائيل هذه الدولة التي تقدم الحماية له من دون رد مؤلم بما فيه الكفاية- فإن الفشل سيتكرر. والخلاصة بالنسبة لي صارخة: لو نشبت حرب لبنان الثالثة غداً، فإنها يجب أن تؤدي إلى حرب بين دولة إسرائيل ودولة لبنان، ليس خفيةً ولكن بالمعنى الرسمي والمعلن".

لماذا؟

•"لأنه من الصعب على دولة إسرائيل تدمير أكثر من 100 ألف صاروخ، لكنها قادرة خلال أيام على التسبب بدمار غير محتمل لدولة لبنان، وهنا يكمن تفوقنا الكبير. لا أحد في العالم يرغب بدمار لبنان، لا اللبنانيون يحبون ذلك فهم أشخاص يحبون الحياة؛ بخلاف سكان غزة، وكذلك حزب الله؛ وسورية؛ وبالتأكيد إيران. حتى السعوديون سيستنفرون نظراً لأنهم استثمروا مالاً كبيراً في البنى التحتية اللبنانية، والأميركيون أيضاً والفرنسيون الذين بنوا الجيش اللبناني. لو شعر هؤلاء جميعاً بأن لبنان يواجه خطر دمار مخيف إذا بدأت الحرب بضربة هائلة للبنى التحتية الوطنية في لبنان وللجيش اللبناني، فستعلو صرخة العالم مطالبة بوقف إطلاق النار، ليس بعد 34 يوماً بل بعد ثلاثة أيام. وبذلك نوفر تعرض جبهتنا الداخلية إلى ضربة قاسية، وهي اليوم - مع كل منظومات الدفاع المتطورة- عرضة لضربات أقسى بكثير من جانب حزب الله".

لكن في نهاية الأمر البنى التحتية اللبنانية تضررت بشدة في حرب لبنان الثانية؟

•"جاء هذا في وقت متأخر للغاية. كان يجب أن تأتي الضربة في البداية، وكان يجب أن تكون أكثر إيلاماً بكثير". 

•ويكشف أيلاند أنه تحدث بهذه الروحية مع رئيس الحكومة السابق أولمرت عندما كان رئيساً لمجلس الأمن القومي، وعندما كان أولمرت في زيارة للولايات المتحدة "طلبت من أولمرت طرح موضوع لبنان وحزب الله أمام الرئيس الأميركي، لكن كانت هناك موضوعات اعتبرها أولمرت أكثر إلحاحاً".

"لا شرعية لضربة استباقية"

•اللواء (في الاحتياط) عاموس يادلين رئيس معهد دراسات الأمن القومي، كان رئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية خلال فترة حرب لبنان، وهو يوافق على التوجه الذي عرضه أيلاند بشأن لبنان. ويعتقد أيضاً أن لبنان لم يدفع الثمن الذي كان ينبغي أن يدفعه. ويقول: "دولة إسرائيل استجابت للضغط الدولي بعدم إلحاق ضربة قاسية بلبنان. أنا ورئيس الأركان اقترحنا ذلك، لكن المستوى السياسي برئاسة أولمرت رفض".

•ويشدد يادلين على أن أحد السبل من أجل تقصير أمد حرب أخرى هو "توجيه ضربة قاسية إلى البنى التحتية اللبنانية الوطنية المؤيدة للقتال، مثل الكهرباء والمواصلات. من يصغي إلى اللواء هرتسي هليفي الذي حلّ مكاني في الاستخبارات العسكرية وهو يتحدث عن الثمن الباهظ الذي سيدفعه لبنان إذا هاجمنا حزب الله، فسيدرك أن هذه الرؤية أصبحت راسخة لدينا".

•يحدد يادلين نتائج الحرب كتضييع للفرصة وذلك "سواء لأن هذه النتائج كان يمكن تحقيقها في حرب أقصر وبأثمان أقل بكثير، أو لأن حزب الله سمح لنفسه من بعد المعركة بالاستمرار في بناء قوته ولم نستطع أن نحصل لأنفسنا على شرعية من أجل وقف ذلك".

•وعلى الرغم من ذلك، يعتقد يادلين أنه ما دام حزب الله يحافظ على الهدوء وسكان إسرائيل لا يتعرضون للأذى، فالأصح هو مواجهة مفروضة لا مواجهة نبادر نحن إليها". ويقول: "لا شرعية اليوم لحرب استباقية. يمكن درس ضربة استباقية مثل تلك التي حدثت في الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967] فقط عندما يتضح أننا نسير نحو مواجهة. ضربة استباقية مثل عملية قادش- ليس لدينا شرعية لها في العالم."

•ويوضح يادلين أن "إنجازنا كان في تكريس ردع قوي وإبعاد حزب الله عن الخط [الحدودي]، والهدوء في الشمال، وانتشار اليونيفيل والجيش اللبناني في الجنوب [اللبناني]. الردع اليوم قوي جداً إلى حد أن حزب الله الذي كان قبل الحرب يستغل أي فرصة كي يضرب ويخطف جنوداً أو يطلق كاتيوشا، لا يرد اليوم على ضربات قاسية جداً تلحق به وتُنسب الى إسرائيل مثل الهجمات التي لا يتحمل أحد مسؤوليتها أو اغتيال عماد مغنية". 

•يعتقد يادلين أن استعداد إسرائيل اليوم لحرب "لبنان الثالثة" في أي وقت تقع، أفضل بكثير من ناحية التدريبات والخطط والعقيدة. 

القرار 1701 خطأ صبياني

•في رأي البروفسور يحزقئيل درور (88 عاماً) الذي كان أحد أعضاء لجنة فينوغراد "أن أحد القرارات الجيدة القليلة التي اتخذها رئيس الحكومة السابق أولمرت خلال الحرب كان تحديداً عدم المس الواسع بالبنية التحتية المدنية في لبنان كما اقترح رئيس الأركان وآخرون". ويتابع: "هناك فائدة في ضرب البنى المدنية لو أن صاحب هذه البنى- الدولة اللبنانية- قادر على القيام بشيء ما حيال حزب الله أو لو أن الحزب يستمع إليه. ولم يكن هذا هو الوضع آنذاك. لقد أمر أولمرت الجميع بالتوقف عن التحدث عن ذلك وكان محقاً. وبسبب ذلك حافظ على الدعم الدولي لنا".

•في المقابل يصف درور الاعتماد الإسرائيلي على قرار مجلس الأمن 1701 "بالخطأ الصبياني". ويقول بعد مرور عشر سنوات "إن الاعتقاد بأن قراراً لا تقف وراءه قوة عسكرية سيدفع بسورية وإيران وأطراف أخرى إلى وقف تزويد حزب الله بالسلاح، فكرة مضحكة، بل هي مبكية ومضللة. التمسك بالكلام وبصيغ كلامية أمر ساذج. ومن التعامي أن نؤمن فجأة بقرار مجلس الأمن. والدليل على ذلك أن هذا القرار تحول على يد حزب الله إلى أضحوكة. لدى الحزب صواريخ وسلاح بعدد حبات الرمال على شاطئ البحر. والمسؤولية المشتركة عن هذه السذاجة يتحملها رئيس الحكومة آنذاك أولمرت ووزيرة الخارجية ليفني".

•في رأي درور أن "المكسب الوحيد من حرب لبنان الثانية هو تحقيق ردع تكتيكي كان يمكن التوصل إليه خلال أيام القتال الخمسة الأولى من دون ضحايا ومن دون مس بالجبهة الخلفية، وكان يمكن حينها وقف الحرب. الخسارة الكبرى كانت أننا علّمنا الطرف المقابل، ومن بعده "حماس"، أنه يمكن المس بالجبهة الخلفية الإسرائيلية من دون عقاب حقيقي. الكادر القيادي في حزب الله من دون التحدث عن الزعامة- لم يلحق بهما أذى. لا تستطيع القضاء على حركة مثل حزب الله، لكنك تستطيع أن تكبدها عدداً كبيراً جداً من الضحايا. لذلك كان يجب: إما وقف القتال بعد خمسة أيام وكان هذا بمثابة إنجاز جيد من دون تعريض الجبهة الداخلية للضعف، أو إدخال عدة فرق وإحداث دمار هائل. لم يحدث هذا ولا ذاك. وقعنا في الوسط. ولذلك أرى أن حرب لبنان الثانية هي بمثابة فشل مباشر وتضييع خطير للفرصة".

يشير قادة الحرب إلى الهدوء السائد منذ عشر سنوات باعتباره إنجازاً غير مسبوق؟

•"الهدوء تكتيكي. ليس هناك هدوء في التصريحات ضد إسرائيل وخاصة في التسلح. هناك هدوء لأن حزب الله مشغول بسورية، وهناك هدوء لأن الإيرانيين الذين يسيطرون على حزب الله ليسوا معنيين باندلاع حرب. هناك هدوء لأنهم يعلمون بأن إسرائيل في المرة المقبلة سترد بعنف أكبر. الهدوء محلي وتكتيكي وليس استراتيجياً". 

هل تصرفت إسرائيل بصورة صحيحة عندما لم تقم بضربة استباقية لمخازن السلاح الضخمة التي تنكشف الجبهة الداخلية لها اليوم؟

•"أنا من دعاة الرأي بأنه يجب عدم شن حرب بسبب التسلح".

إلى أي حد نحن قريبون من "حرب لبنان الثالثة"، وهل في رأيك جرى استخلاص الدروس بعد تقريركم؟

•"من الصعب تقويم الصورة الاستراتيجية قبل أن يتضح الوضع في سورية ومدى التدخل الروسي هناك. لذلك يجب الاستعداد لمواجهة احتمالات مختلفة. لو وقعت حرب إضافية يجب استخدام قوة كبيرة بما يكفي لتلقينهم درساً، أو أو  قوة ضخمة لتدمير الكثير. وفي الحرب المقبلة يجب الاستعداد لهجمات سيبرانية. ويتعين على الجبهة الداخلية الاستعداد كما يجب لمواجهة ترسانة السلاح التي يحتفظ بها حزب الله".

 

 

المزيد ضمن العدد 2422