180 طفلاً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•مائة وثمانون طفلاً ورضيعاً لم يبلغوا الخمس سنوات من العمر. 180 طفلاً بريئاً قتلهم الجيش الإسرائيلي في غزة في عملية "الجرف الصامد". قتلهم خلال نومهم أو أثناء لعبهم وفرارهم؛ في أسرّتهم أو بين أذرع أهلهم. حاولوا أن تتخيلوا. 

•546 ولداً قتل الجيش الإسرائيلي خلال 50 يوماً. أكثر من عشرة أولاد في اليوم. حاولوا أن تتخيلوا.

•من الصعب تخيل الأرقام المحدّثة والموثوقة  لمنظمة "بتسِليم" التي نُشرت هذا الأسبوع بمناسبة مرور عامين على القتل، من الصعب تخيل ذلك. لكن من الأسهل التهرب منها بهزة كتف، أو بغض النظر، أو بتثاؤب يشي بالملل، أو بالذرائع البائسة للدعاية الإسرائيلية. إن الأرقام التي كان يجب أن تطارد المجتمع الإسرائيلي وتعكر صفو نومه، وأن تثير نقاشاً عاماً عاصفاً وتزعزعه، لم تثر فيه أي اهتمام. وأي كارثة طبيعية في أقصى أنحاء الكرة الأرضية تثير في إسرائيل مشاعر إنسانية أكثر من هذه المجزرة، التي ارتكبتها اسرائيل على بعد ساعة بالسيارة من تل أبيب.

•ومن أجل المقارنة: 84 ولداً إسرائيلياً، وهو عدد مخيف، قُتلوا خلال السنوات الثماني الصعبة منذ نشوب الانتفاضة الثانية حتى "الجرف الصامد"، في حين قُتل 546 ولداً فلسطينياً خلال 50 يوماً في صيف 2014.

•هؤلاء لم يقتلهم قضاء الله تعالى، بل الذي قتلهم طيارون أخلاقيون، ورجال مدفعية من أصحاب الضمائر، ورجال مدرعات إنسانيون، وجنود سلاح البر الأخلاقيون، وبأوامر من قياداتهم التي لا تقل أخلاقية عنهم.

•هؤلاء لم يقتلوا الأولاد في حرب حقيقية، وفي مواجهة  قوة عسكرية مهمة، ولا في حرب لا مفر منها. إنما قتل أغلبيتهم في قصف من الجو، أو في قصف من بعيد من دون حتى أن يراهم من قتلهم. في معظم الحالات رأى القتلة فقط أشكالهم الصغيرة تلعب على الشاطئ أو تتكدس في منازلهم البائسة، أو نائمة، أو تلوذ بالفرار طلباً للنجاة، وشاهدوهم على شاشات الكومبيوتر المتطورة للجنود وشاشات كمبيوتر الطيارين التي لا تقل تطوراً. هم لم يقصدوا قتلهم، بل ضغطوا على الأزرار وقتلوهم. مئات من الجنود قتلوا مئات من الأولاد.

•بعد مرور عامين، العنوان الكبير "صرخة الأهل" (في صحيفة "يديعوت أحرونوت" أمس) [مطالبة أهالي القتلى الإسرائيليين في الحرب الأخيرة في غزة بلجنة تحقيق] لا يتطرق أبداً إلى صرخة الأهل الثكالى هناك. وإسرائيل لم تتطرق قط بالطبع إلى ما فعلته هناك. لجنة تحقيق؟ عن الأنفاق. إسرائيل حتى لم تلق نظرة ولم تعترف. كل شيء حدث باسم الأمن وكان لا مفر منه. هي الضحية، وهم الشيطان. كما في هذه الحرب وهكذا على الدوام: قتلى فلسطينوين أكثر بمئة ضعف من القتلى الإسرائيليين في عملية "الرصاص المسبوك"، وأكثر بثلاثين ضعفاً في عملية "الجرف الصامد" ("هل تريد أن يُقتل عدد أكبر من الإسرائيليين؟").

•هذه النسبة المخيفة لا تثير أي تساؤل، أي شك، وليس هناك من ينتقد، ولا أحد يتحدث عمن تبقى: 90 ألف شخص من دون مأوى حتى الآن، يعيشون منذ سنتين بين الأنقاض أو في أكواخ رثة. 

 

•لا فائدة من الاستمرار في ذكر تفاصيل أرقام الكارثة في غزة، فهي لن تصل إلى أي شخص في إسرائيل. غزة وتعاطف إنساني؟ أنت تمزح. وحتى حقيقة أنه بسبب القصف والحصار تلقي غزة يومياً 90 مليون ليتر من مياه المجارير في البحر المتوسط الذي يسبح فيه أولادنا، لا تزعج أحداً هنا. لكن ما لا يمكن تصوره كيف يمكن للإسرائيليين أن يظلوا راضين عن أنفسهم وعن جيشهم إلى هذا الحد إزاء وقائع "الجرف الصامد"؟ كيف يمكن أنهم مع مرور الزمن لم يشعروا بالقلق ولو للحظة؟ أشخاص يقولون بجدية عن جيشهم الذي قتل مئات الأولاد فقط قبل عامين، إنه الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، ماذا نظن بهم؟ وماذا يمكن أن نظن بمجتمع ودولة هذا هو حديثها؟