•منطقة الشرق الأوسط [غارقة] في الفوضى، أوروبا آخذة بالتفكك، والسياسة في الولايات المتحدة "متأرجحة". المكان الوحيد المستقر هو دولة إسرائيل"، هذا ما كتبه لي في الأسبوع الماضي شخص محوري في مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن وخبير مشهور فيما يتعلق بشؤون منطقة الشرق الأوسط. ومع أن واقعنا يشي بأن هذه المقولة بشأن إسرائيل قد تكون مبالغاً فيها بعض الشيء، إلا إنها ليست بلا أساس. الاستقرار، بطبيعة الحال، أمر نسبي، لكن ما استوقف هذا المراقب الأميركي هو حقيقة أنه على الرغم من الرياح الهوجاء التي تعصف صباح ومساء بالائتلاف الحاكم عندنا، وعلى الرغم من صيحات اليأس في صفوف المعارضة، فإن إسرائيل تتعامل بنجاح مع كثير من المشكلات التي تعترض طريقها، وعلامة فارقة بارزة في هذا الشأن هي ازدهار العلاقات الخارجية.
•وأحدث تأكيد لذلك يتمثل في استئناف العلاقات الدبلوماسية مع غينيا، وهي دولة مسلمة في أفريقيا، وذلك بحسب ما بُشّرنا به يوم الخميس الماضي. والحبل عالجرار. يقول لنا "أصدقاؤنا" في أوروبا إن "إسرائيل معزولة"، لكن الواقع يفيد بخلاف ذلك: اتفاق تطبيع العلاقات مع تركيا، الجولة المهمة من الناحيتين السياسية والاقتصادية التي قام بها رئيس الحكومة في أفريقيا، التقارب المتجدد مع مصر، وتقدم العلاقات البراغماتية مع روسيا. إسرائيل ليست طرفاً في الحرب الدائرة في سورية، لكنها تعي الدور الذي تلعبه روسيا هناك وتعمل على تقليص التهديدات الكامنة على حدودنا الشمالية، والعلاقات الجيدة مع موسكو تسهم في ذلك.
•كما أن توثيق العلاقات مع كل من الهند، والصين، واليابان، ودول أخرى في وسط آسيا ليس شيئاً قليل الأهمية. وعلاوة على ذلك، هناك جملة من التطورات الإيجابية أيضاً مع دول لا تربطها بإسرائيل علاقات، ولا سيما في مواضيع مثل محاربة الإرهاب، والتطوير العلمي والتكنولوجي، والعلاقات الاقتصادية وغير ذلك. وما يميز جزءاً كبيراً من التطورات المهمة في علاقات إسرائيل الخارجية هو الترابط بين دفع المصالح الإسرائيلية قدماً وما يحدث في العالم المحيط بنا، بما في ذلك القواسم المشتركة بيننا وبين جزء من الدول العربية في مواجهة تهديدات كل من إيران وتنظيم "داعش" ومواقف الولايات المتحدة حيالهما. وعلى عكس ما كان يحدث في الماضي حين كانت الخطوات تحدث في أعقاب تدخل الولايات المتحدة، فإن العامل الرئيسي هذه المرة هو رؤية اللاعبين المحليين أنفسهم يقومون بتعزيز مصالحهم الذاتية.
•ولم يعد النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني المسألة الرئيسية التي تشغل أصحاب القرار السياسي في العالم العربي السني، ومع ذلك لا يسع هؤلاء تجاهله، وتبعاً لذلك فإنه لا ينبغي أن نتوقع في المستقبل المنظور إقامة علاقات دبلوماسية رسمية كاملة مع الرياض على سبيل المثال. ومع ذلك، تستطيع إسرائيل استغلال الوضع الجديد القائم مع جزء من العالم العربي من أجل محاولة دفع حلول مرحلية للمسألة الفلسطينية قدماً.
•أما بالنسبة إلى أوروبا، يمكن للمرء أن يأمل في أن تخفف مشاكلها الداخلية المتفاقمة بعض الشيء من إصرارها على الدفع قدماً بمسارات عقيمة مثل "المبادرة الفرنسية [للسلام في الشرق الأوسط]"، التي تتجاهل كلياً مشكلات حقيقية في منطقة الشرق الأوسط تهدد أيضاً استقرار ومستقبل أوروبا نفسها. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فمن المهم التشديد على أنه إلى جانب التطورات الإيجابية في علاقاتنا مع دول أخرى ومن بينها دول الجوار القريب، فإنه لا يوجد على المدى البعيد بديل عن علاقاتنا مع أميركا، وإلى هناك ينبغي أن تكون جهودنا الدبلوماسية والسياسية موجهة أيضاً في المستقبل - أياً تكن الإدارة الأميركية الجديدة [التي ستتمخض عنها الانتخابات الرئاسية المقبلة]- ومن المحبذ أن يتم ذلك في مستهل عهد الإدارة الجديدة.