•قبل أسبوع كان يبدو أنه على الرغم من تفكك وانهيار عدد من الدول في الشرق الأوسط، فإن عدداً من مراسي الاستقرار بقي راسخاً، مثل دولة إسرائيل واتحاد الإمارات في الخليج، وكان هناك من أضاف تركيا إلى هذه اللائحة. وعلى الرغم من التحفظات تجاه القبضة الحديدية لأردوغان، والتغييرات التي قام بها كي يصبح الزعيم الأوحد، لم يكن أحد يتوقع حدوث محاولة انقلاب عسكري في تركيا.
•كان التقدير السائد أن عملية القضاء على الدور السياسي للجيش المولج بالمحافظة على الطابع العلماني والغربي لتركيا نجحت نجاحاً كاملاً، واعتقدنا أن الجيش لم يعد جزءاً من المشهد السياسي في تركيا.
•لكن اتضح أنه بالنسبة لتركيا حدثت أخطاء في التقدير، إذ كانت لا تزال في الجيش التركي قوى لم تيأس، لكنها كانت ضعيفة جداً، ولا تحظى بدعم رئيس الأركان وأغلبية قادة الجيش. ولم تقدّر هذه القوى مكانة الرئيس أردوغان وسط الشعب التركي- ولهذا فشل الانقلاب الذي قامت به فشلاً ذريعاً وبسرعة.
•بعد انتهاء محاولة الانقلاب التي استمرت بضع ساعات سيطر أردوغان على مقاليد الحكم بقوة أشد من الماضي. وهذه حقيقة مهمة جداً فيما يتعلق بالمستقبل. ومن وجهة نظر تاريخية يمكن القول إنه بعد أقل من 100 سنة استطاع الإسلام زعزعة الثورة العلمانية، وربما اقتلاعها من الجذور.
•ويبدو أن جذور العلمانية التركية الحديثة التي أقامها أتاتورك في ما بقي من السلطنة العثمانية، لم تكن عميقة بما فيه الكفاية، على عكس انطباع الكثيرين. والصورة التي يظهر فيها مواطنون في شوارع إسطنبول وهم يضربون جنوداً يغطون رؤوسهم بخوف، ترمز بدقة إلى التغير الذي مرت وتمر به الدولة.
•سوف يستغل أردوغان فشل محاولة الانقلاب وتعزز شرعيته من أجل القضاء على بقايا المعارضة التي نجت من حملات التطهير السابقة. وهو لم ينتظر، وبدأ يفعل ذلك في مختلف وزارات الحكومة وفي جهاز القضاء الذي لم يسمح لأردوغان بأن يفعل دائماً ما كان يريده، وكذلك في الجيش- الجهة الأخيرة التي كانت لديها القدرة على تهديد أردوغان.
•يجب أن نتذكر أن أردوغان لم يحظ في الانتخابات الأخيرة بالأغلبية المطلقة التي كان بحاجة إليها من أجل تغيير الدستور التركي، وأن نصف الشعب لم يوافق على التغييرات التي طرحها الرئيس. ولكن على الرغم من ذلك، يبدو من رد الفعل الشعبي هذا الأسبوع أنه حتى الذين لا يوافقون على أسلوب أردوغان، كانوا ضد محاولة الانقلاب، لأنهم يرون أن الديكتاتورية العسكرية أخطر من أسلوب حكم أردوغان.
•هل سيتجاهل أردوغان نصف الشعب الذي يعارض حكمه؟ أم أن محاولة الانقلاب ستدفعه إلى التخفيف من سرعة خطواته؟ بالاستناد إلى تجربة الماضي يمكن توقع أن يعمل أردوغان، والآن تحديداً، على الدفع بشدة نحو "ديكتاتورية منتخبة" ذات طابع إسلامي أكثر حدة. وستكون تركيا أقل ديمقراطية وأقل تسامحاً تجاه الآراء الأخرى.
•وسيكون لهذه التغييرات انعكاسات إقليمية. فتركيا دولة مهمة في العالم السني، وتحقيق أحلام عثمانية وديكتاتورية دينية سيؤثران على أجواء الشرق الأوسط ويدفعانه نحو المزيد من التطرف.
•لقد أثبتت تركيا أن انتخابات ديمقراطية لا تضمن قيام الديمقراطية ولا قيام مجتمع منفتح وصحف حرة في التعبير عن رأيها.
•ثمة احتمالات كبيرة بأن تعرقل أو تبطىء الخطوات التي اتخذها أردوغان بعد الانقلاب الفاشل - ومن بينها اعتقال آلاف الناس والرغبة في تجديد عقوبة الإعدام- ستعرقل أو تبطئ مساعي انضمام تركيا إلى أوروبا.
•وليس واضحاً ما إذا كان أردوغان سيواصل مساعدة أوروبا في التخفيف من وتيرة وصول اللاجئين إلى أراضيها، أم أنه ستجتاحها موجة جديدة وأكبر من اللاجئين.
•على صعيد آخر، يبدو أن المصالحة بين أردوغان وبوتين حدثت في الوقت الملائم، وسوف يسأل الرئيس التركي نفسه قريباً إلى أي حد هو يرغب في أن يكون تابعاً للولايات المتحدة كمزود أساسي له بالسلاح.
•من زاوية إسرائيل، الوضع الجديد في تركيا يتطلب حذراً. وممنوع أن تبدو دولة إسرائيل كمن يتخذ موقفاً من النزاع الداخلي العميق في تركيا. ويتعين عليها استكمال عملية تحسين العلاقات مع تركيا والدفع بها قدماً إلى الأمام. ويجب القيام بذلك مع الفحص الدائم للخطوات المتخذة، لأنه في الجانب الثاني يوجد زعيم تركي أقل ديموقراطية وأقل قبولاً في العالم.
•ليس من المفترض أن يؤثر الوضع الداخلي في تركيا على معظم الموضوعات المطروحة للحسم بين إسرائيل وتركيا. وعلى الرغم من ذلك، ممنوع أن ينشأ انطباع في العالم بأن إسرائيل مستعدة للتنازل عن كل المبادئ التي لها أهمية في شبكة العلاقات مع العالم الحر الذي تنتمي إليه.