أمن الجبهة الداخلية في سيناريو "أسبوع طوارىء قومي"
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

•الهدف من "أسبوع الطوارئ الأمني" (29 أيار/مايو - 2 حزيران/يونيو) هو تعميق الاستعداد التنظيمي في إسرائيل لأوقات الطوارئ استناداً إلى الدروس التي تجمعت في العقد الأخير منذ حرب لبنان الثانية (2006)، وكذلك فحص مدى جهوزية الخطط الموضوعة لأوقات الطوارئ على المستوى الوطني. وتركزت الأحداث الكثيرة التي جرت في إطار هذا الأسبوع، على الحوار بين سلطة الطوارئ الوطنية بصفتها القائدة لهذه العملية، والهيئات الأخرى المشاركة في العمل وقت الطوارئ مثل قيادة الجبهة الداخلية، وزارات الحكومة، السلطات المحلية وآخرين عاملين في هذا الإطار.

•إن ما يميز هذا الحدث هو أنه يأتي بعد الانتهاء من النقاشات التي استمرت وقتاً طويلاً قبل بلورة سيناريو يتعلق بالموضوع الأمني، ومن المفترض أن يطرح على الحكومة للموافقة عليه. ويتضمن السيناريو الذي لم ينشر كاملاً عناصر أساسية تكشف نظرة محدّثة بالاستناد إلى جملة التهديدات كما تراها المؤسسة الأمنية. ومن بين هذه التهديدات يبرز: أ- احتمالات مواجهة على جبهتين في وقت واحد، مع حزب الله في الشمال و"حماس" في الجنوب؛ ب- الاستخدام المتزامن لكميات كبيرة من السلاح الصاروخي الثابت في أكثريته والمتعدد المدى، بما في ذلك لضرب تجمعات سكانية؛ ج- استخدام دقيق لصواريخ موجهة دقيقة ضد أهداف نوعية استراتيجية مدنية وعسكرية في شتى أنحاء البلد، مع التركيز على المرحلة الاستهلالية للمواجهة، تزامناً مع شن هجمات سيبرانية؛ د- مهاجمة مستوطنات متاخمة للسياج، براً (بما في ذلك من خلال أنفاق هجومية)، وجواً (من خلال طائرات من دون طيار)، وبحراً، بما في ذلك محاولات للسيطرة عليها. وتتضمن خريطة المخاطر الإسرائيلية أيضاً أموراً لا علاقة لها بالتهديدات الأمنية مثل سيناريو كوارث طبيعية ناتجة عن هزة أرضية قوية أو تسونامي.

•إن الجزء الأكبر من السيناريو المحدّث ليس جديداً، فمعظمه معروف وجرى التوصل إليه في جولات المواجهة المتعاقبة التي حدثت في العقد الأخير، ولو ضمن نطاقات صغيرة أو متوسطة. ومع ذلك، يتميز هذا السيناريو بخطورة ما تتضمنه أجزاء منه، على نحو يفوق ما عهدناه في السابق. وهو يكشف الاعتراف بالحاجة إلى الاستعداد لمواجهة سيناريوات غير معروفة، وضرورة إعداد السلطات المدنية والجمهور الواسع إزاء احتمالات تحقق السيناريو الأخطر، ولا سيما في مجال المواجهة الأمنية. وفي هذا السياق يجري التشديد على افتراض أنه يتعين على الجبهة المدنية في إسرائيل الاستعداد لمواجهة مستوى من المخاطر وكمية أضرار لم تألفها في السابق، أيضاً على صعيد البنى التحتية الوطنية، وذلك على الرغم من التحسن الواضح الذي طرأ في السنوات الأخيرة على مستوى الدفاع في إسرائيل ومع تطوير وبدء المرحلة العملياتية الفعالة لاستخدام منظومات الدفاع الفعال المتعدد المستويات.  لقد كان من المفترض أن تقدم هذه المنظومات رداً شاملاً - وإن كان غير محكم تماماً - للتهديد الخطير المتمثل في الصواريخ ذات المسار المنحني، من مستوى مدافع الهاون، مروراً بالصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، وصولاً إلى صواريخ موجهة بعيدة المدى.

•ثمة أهمية خاصة معطاة في هذا الإطار إلى الافتراض المحدّث القائل إنه بالإضافة إلى الأضرار المتوقعة والمعروفة في المستوطنات القريبة من خط الحدود، وبعد "تساقط" الصواريخ ذات المسار المنحني في عمق البلد ربما بأعداد أكبر من السابق، يجب الاستعداد أيضاً لمواجهة هجوم واسع النطاق على منطقة مدينية واسعة ومكتظة بالسكان في وسط البلد. ومن المتوقع حدوث هجوم كهذا في مرحلة البدء بالمعركة عبر هجوم مكثف بالقذائف والصواريخ قد يستمر أياماً طويلة وبصورة مركزة على المناطق المدينية. وبالإضافة إلى الضرر الذي سيلحق بالأبنية المدنية والذي سيكون أوسع من السابق، فمن المحتمل أن تتضرر منشآت حيوية في البنية التحتية الوطنية مثل شبكة الكهرباء والاتصالات والمواصلات. ومثل هذا الضرر لن يلحق فقط ضرراً كبيراً بأداء هيئات الطوارئ خلال أوقات المواجهة، بل سيلحق الضرر أيضاً بجهود هذه الهيئات للإنقاذ وإسعاف المصابين.

•ويطرح مثل هذا السيناريو، بين أمور أخرى، الحاجة لاستعداد جديد وشامل لاحتمال إخلاء مخطط له ومنظم لعدد كبير من المواطنين من منازلهم لفترة طويلة. وهذا يختلف عن المغادرة الفردية بمبادرة من المواطنين كما حدث في السابق، مثلاً خلال حرب الخليج الأولى. 

•بعد عملية "الجرف الصامد" (صيف 2014) صرّح مسؤولون كبار في المؤسسة الأمنية بأن إخلاء سكان تحت النار ليس خطأ من زاوية الروح الوطنية، وثمة حاجة إلى الاستعداد لذلك بصورة مسبقة. وقد أعدت سلطة الطوارئ خططاً لإخلاء عشرات الآلاف من المدنيين، خاصة من المناطق المتاخمة للحدود. لكن هذا التخطيط المحدود نسبياً وبرغم أهميته، لا يشكل رداً على الحاجات الناتجة عن سيناريو أوسع. ويُطرح في هذا السياق السؤال التالي: من سيكون المسؤول عن هذه الخطوة المعقدة سواء من ناحية السلطات المحلية التي ترسل المواطنين أو تلك التي تستوعبهم؟ ومن سيكون المسؤول عن تقديم الخدمات الحيوية إلى العدد الكبير من الذين سيجري إخلاؤهم؟ 

•من الواضح أن أي خطة أساسية لتقديم رد على إخلاء جماعي تتطلب تنسيقاً على الأرض وتدريبات متكررة وإعداداً مادياً ولوجستياً، وتخصيص قوات وميزانيات كبيرة، بما في ذلك تجنيد جهات متطوعة من المجتمع المدني، والجهاز الحالي ليس مستعداً لمواجهة تحدّ من هذا النوع.

 

•إن الفوارق القائمة بين السيناريو المحدّث وما هو موجود حالياً، خصوصاً في ما يتعلق بإخلاء جماعي عقب توجيه ضربة إلى منطقة مدينية، هي التي تقف وراء تحديد مستوى الاستعداد في الجبهة الخلفية في إسرائيل بـ"متوسط +". ويدل هذا التحديد الذي عُرض في مؤتمر صحافي عقدته سلطة الطوارئ الوطنية قبل "أسبوع الطوارئ "على اعتراف المستوى المهني الرفيع بأن مستوى الاستعدادات الحالية بحاجة إلى تحسن ملموس. ومعنى ذلك أن هناك حاجة إلى القفز درجة في مستوى إعداد الجبهة المدنية لمواجهة التهديدات التي يجب أخذها في الحسبان. والمقصود هنا بالدرجة الأولى الحاجة إلى بلورة عقيدة أمنية متفق عليها حيال الجبهة المدنية، وإعداد خطة أساسية منسّقة تضم جميع الأطراف التي لها علاقة بالموضوع، وتعزيز التعاون بين مختلف الأطراف العاملة في هذا المجال، وخاصة الحاجة إلى اتخاذ قرار متفق عليه يستند إلى قانون ينظم مسألة الصلاحيات والمسؤوليات في إدارة الجبهة الداخلية في أوقات الطوارئ.