هل المساعي الدولية والإقليمية فرصة لاستئناف العملية السياسية أم مجرد وهم؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

•يبدو أن ثمة تعارضاً بين النشاط الدبلوماسي المحموم الذي يجري على الساحتين الإقليمية والدولية بشأن استئناف العملية السياسية، وبين التطورات السياسية الداخلية في إسرائيل. فقد زار وزير الخارجية الفرنسي [الأسبق]، لوران فابيوس، الشرق الأوسط من أجل الدفع قدماً بالمبادرة الفرنسية التي تسعى لعقد مؤتمر دولي يحرك من جديد العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. وقدّم الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مبادرة خاصة به لاستئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وقال إنه ينوي عقد لقاء ثلاثي في القاهرة بينه وبين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وصرّح نتنياهو، من جهته، رداً على ذلك أنه مستعد لاستئناف المحادثات المباشرة مع الفلسطينيين، في حين أعلن عباس تأييده المبادرة الفرنسية ومبادرة السيسي.  وفي هذه الأثناء يحاول رئيس الحكومة البريطانية السابق ومندوب اللجنة الرباعية في الشرق الأوسط طوني بلير سابقاً، الدفع قدماً بمبادرة سياسية إقليمية، تنسجم مع مبادرة الرئيس المصري. وفي 24 أيار/مايو قال بلير إنه إذا وافقت حكومة نتنياهو على الدخول في مفاوضات مع الفلسطنيين على أساس مبادرة السلام العربية، فإن دولاً عربية ستكون مستعدة للقيام بخطوات من أجل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. في المقابل فشلت في إسرائيل محاولة ضم كتلة المعسكر الصهيوني إلى الحكومة، ودخل بدلاً منها إلى الائتلاف الحكومي حزب "إسرائيل بيتنا"، الذي يتنافس منذ الانتخابات مع رئيس الحكومة في عرض مواقف يمينية متطرفة. والسؤال الأساسي المطروح هو: هل الطرفان، إسرائيل والفلسطينيون، مستعدان للدخول في عملية سياسية ضمن الإطار الذي يحاول اللاعبون الإقليميون والدوليون بلورته؟ وهل حكومة إسرائيل ذات الطابع الأكثر يمينية في تركيبتها الجديدة ستكون مؤهلة للقيام بذلك؟

•إن التجديد الأساسي في هذه التطورات هو التدخل الدولي، ولا سيما الإقليمي، من جانب دول عربية سنية براغماتية، في محاولة إحياء العملية السياسية.

•بالنسبة إلى إسرائيل والفلسطينيين يوجد في دينامية هذه التطورات إيجابيات وسلبيات.

•بالنسبة إلى إسرائيل، فإن دخولها في العملية سيتيح لها استغلال إمكان تحسين علاقات وإقامة تعاون مع دول سنية براغماتية على أساس مصالح مشتركة أوجدتها الاضطرابات الإقليمية. طبعاً، اليمين الإسرائيلي لا يؤمن بأن هناك احتمالاً لإنهاء النزاع، وبالنسبة إليه فإن الأكثر أهمية هو الحاجة الملموسة إلى قيادة السفينة الإسرائيلية في بحر الاضطرابات الإقليمية الهائج. لكن يجب ألاّ ننسى أن تطبيع العلاقات مع العالم العربي هو هدف تقليدي لإسرائيل وتحقيقه مهم من أجل  رؤية اعتراف عربي بإسرائيل وإنهاء الصراع [.......]

•إن المشاركة الإقليمية والدولية في العملية السياسية يمكن أن توفر أيضاً فرصاً لمشاركة لاعبين إقليميين ودوليين في تطبيق الاتفاق الذي سيتبلور بين إسرائيل والفلسطينيين في مجالات أساسية، بينها حل مشكلة اللاجئين، وإدارة الأماكن المقدسة، وترتيبات أمنية، وتغطية مالية مناسبة من جهتهم لهذه الغاية. وفي إمكان إسرائيل المناورة إلى حد معين بين المبادرة الفرنسية والمبادرة المشتركة للسيسي وبلير: فالموافقة على مبادرة بلير - السيسي ستتيح رفض المبادرة الفرنسية من دون تكلفة سياسية - دبلوماسية كبيرة، أو يمكن أن تؤدي إلى تغيير طابعها وتحويل المؤتمر الدولي المقترح إلى هيئة دعم لمبادرة السيسي. لكن ليس هناك ورود من دون أشواك. بالنسبة إلى حكومة إسرائيل فإن الخلل الأساسي كامن في التأثير الذي قد يمارسه اللاعبون الإقليميون فيما يتعلق بمرجعيات الاتفاق مع الفلسطينيين، والتي على أساسها ستجري المفاوضات. إن المطلب الأساسي لهؤلاء هو أن تجري المفاوضات استناداً إلى المبادرة العربية للسلام التي تتحدث عن حدود على أساس خطوط 1967 (مع تفسيرات تتيح تبادل مناطق متفق عليه)، وحل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين ينسجم مع القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة. وثمة عقبة جوهرية أُخرى تتعلق بالمحاولة المبذولة في إطار المبادرة الفرنسية من أجل تحديد مرجعيات وجدول زمني لإجراء المفاوضات، ومن المعقول الافتراض أنه سيطلب من الجانب الفلسطيني أيضاً القبول بأمور لا يزال يعارضها، مثل الموافقة على الاعتراف بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي.

•بالنسبة إلى الجانب الفلسطيني، فإن الحماسة الدولية والإقليمية من أجل استئناف العملية السياسية لها إيجابيات كثيرة. أولاً، التدخل الدولي والإقليمي يوازن إلى حد ما عدم التكافؤ في القوة بين إسرائيل والفلسطينيين. وهذا التوازن هو مطلب فلسطيني تقليدي؛ ثانياً، تحديد مرجعيات لإجراء المفاوضات في مسائل أساسية، مثل ترسيم الحدود على أساس خطوط 1967، وحل مشكلة اللاجئين هو أيضاً مفيد لهذا الجانب؛ ثالثاً، الدعم الإقليمي سيساعد عباس في التغلب على ضعفه السياسي، وحاجته إلى مواجهة حركة "حماس" التي تسيطر على غزة، لأنه سيشكل رداً على الانتقادات الموجهة إليه بسبب موافقته على أمور تصور أنها تنازلات لإسرائيل. في المقابل، تنطوي المبادرات الدولية والإقليمية على سلبيات بالنسبة إلى الجانب الفلسطيني. أولاً، موافقة دول عربية على خطوات تطبيع مع إسرائيل قبل حصول الفلسطينيين على إنجازات من خلال المفاوضات. هذا في ظل وضع لا يثق فيه عباس بصدق نوايا نتنياهو بشأن تمسكه بحل الدولتين، وتقديره بأن هدف رئيس حكومة إسرائيل هو إجراء مفاوضات عقيمة، من أجل تبديد الضغوط السياسية والدولية التي تُمارس على حكومته.

•ثانياً، سيضطر عباس أيضاً إلى الموافقة على أسس للتفاوض إشكالية بالنسبة إليه، منها الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وخوض جولة إضافية من المفاوضات مع إسرائيل نهايتها ونتائجها يلفها الغموض. ويجري هذا كله في ظل حالة من الضعف السياسي في الساحة الداخلية - الفلسطينية، وعلى خلفية الشك الكبير في قدرة الدول العربية على تقديم الدعم المطلوب والحاسم. 

•على الرغم من هذه المخاوف، فإن هذه الاعتبارات نتيجة الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات تنعكس في تعامل الناطقين الفلسطينيين مع المبادرات المتعددة، والتي يظهر من خلالها أن عباس يتعامل بإيجابية مع العملية السياسية المقترحة ويوافق على المشاركة فيها. في مقابل ذلك، يبدو الوضع في الجانب الإسرائيلي أكثر تعقيداً بكثير، إذ تعارض إسرائيل بشدة التدخل الدولي بحسب المبادرة الفرنسية. وحتى الآن لم توافق حكومة إسرائيل على إجراء مفاوضات وفقاً للمبادرة العربية للسلام، وامتنعت حتى عن الإدلاء بتصريحات إيجابية حيالها. على هذه الخلفية، من الصعب الافتراض أن حكومة إسرائيل بتركيبتها الجديدة ستكون أكثر مرونة من الحكومات السابقة حيال المشكلات الأساسية المتعلقة باستئناف العملية السياسية. لكن في ضوء التعاون المتزايد لإسرائيل مع مصر بزعامة السيسي، لن تستطيع إسرائيل رفض الدعوة المصرية للمشاركة في لقاء ثلاثي في القاهرة. إنما السؤال المطروح هو ما إذا كان مثل هذا الاجتماع سيؤدي إلى انضمام إسرائيل إلى العملية السياسية المقترحة. من المحتمل أن يشترط السيسي لعقد الاجتماع، موافقة الأطراف الثلاثة مسبقاً مرجعيات المفاوضات، وفي مثل هذه الحالة فإن الاجتماع قد لا يُعقد - وخصوصاً إذا لم توافق إسرائيل مسبقاً على إجراء مفاوضات على أساس المبادرة العربية للسلام.

 

•في الخلاصة، في السنوات الأخيرة، وعلى خلفية الاضطرابات في العالم العربي، جرى الحديث كثيراً في إسرائيل عن الحاجة إلى العثور على فرص في خضم التطورات في المنطقة، يمكن استغلالها من أجل تحسين وضع إسرائيل الاستراتيجي. ويبدو أن الحماسة الدولية، ولا سيما الإقليمية، حيال استئناف العملية السياسية هي فعلاً فرصة يمكن لو استُغلت أن تستخدمها إسرائيل وسيلة للدفع قدماً بعلاقاتها مع دول عربية براغماتية، وأن تستخدمها قناة يمكن بواسطتها المضي قدماً نحو حل النزاع مع الفلسطينيين. لكن من المنطقي الافتراض أن هذه الفرصة ستضيع بسبب الوضع السياسي في إسرائيل وضعف عباس. ومن المتوقع أن تجعل هذه الظروف عليها من الصعب على إسرائيل القبول بالخطوات التي سيتعين عليها اتخاذها في مقابل تحقيق الاحتمال الذي تنطوي عليه هذه الفرصة، وأن يُقضى كذلك على الاستعداد لإخراج هذا الإمكان إلى حيز الفعل. 

 

 

المزيد ضمن العدد 2380