معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•تبذل روسيا، منذ نهاية أيلول 2015، جهوداً عسكرية جوية من أجل تقديم العون لقوات نظام الأسد في مواجهة تنظيمات المتمردين وتهديد تنظيم "الدولة الإسلامية". ويشمل التدخل الروسي نشر قوات جوية (نحو 40 طائرة حربية وهيلوكوبترات مقاتلة)، ومنظومات دفاع جوّي ومنظومات تحكّم ومراقبة جوبة. وقد أوضح الرئيس بوتين أن الهدف من وراء التدخل الروسي هو محاربة "الدولة الإسلامية"، مع أن الأهداف التي استُهدفت في الغارات والقصف حتى نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2015، اقتصرت أساساً على مواقع وقوات لمتمردين ضد الأسد ليسوا محسوبين على قوات "الدولة الإسلامية" (وُصِفت بأنها عناصر إرهابية). وتعمل القوات الروسية في إطار تحالف يشمل الجيش السوري الموالي للرئيس الأسد، وإيران (التي أرسلت نحو 2,000 مقاتل من قوات "القدس") وحزب الله. وتوفّر أسراب الطائرات الروسية التي تم نشرها في سورية إسناداً جوياً لقوات هذا التحالف، التي تحارب على الأرض. وتستخدم روسيا، في الوقت ذاته، قاذفات ثقيلة وصواريخ موجَّهة يتم إطلاقها من الأراضي الروسية، وحتى من غواصات في البحر المتوسط.
•اتخذت روسيا قرارها بالتدخل العسكري في روسيا لعدة أسباب: الأول، في أعقاب الهجوم المنسق الذي شنه المتمردون على مراكز قوة لا تزال تحت سيطرة الرئيس الأسد، حليف روسيا، تبينت روسيا خطر حصول نقطة تحول في الصراع إذا لم تسارع إلى الوقوف الفوري إلى جانب الأسد; الثاني، تسعى روسيا إلى الاحتفاظ بموقع تواجدها البحري في قطاع الساحل السوري، بوصفه قاعدة للتحرك في البحر المتوسط; الثالث، يسعى الرئيس بوتين إلى إعادة روسيا إلى مكانتها السابقة كقوة عظمى مؤثرة في النظام العالمي، ولهذا الغرض يشكل التدخل النشط في الشرق الأوسط منصة لتحقيق مثل هذا التأثير الإقليمي والدولي; الرابع، تبينت روسيا فرصة مواتية لتحدي الولايات المتحدة، وخاصة في مرحلة يبدي فيها الرئيس أوباما تردداً وإحجاماً عن توسيع النشاط العسكري الأميركي المرتبط بالأزمة السورية; الخامس، ثمة اهتمام روسي بنقل مركز الانتباه العالمي وبؤرة المواجهة مع الولايات المتحدة والغرب عموماً من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، وضمن ذلك تخفيف العقوبات الاقتصادية التي فرضت على روسيا جراء سياستها في أوكرانيا; السادس، الحجة المركزية للتدخل، كما عرضتها روسيا، هي الخشية من امتداد تأثيرات الإسلام السلفي - الجهادي، بقيادة "الدولة الإسلامية"، نحوها هي، إلى الدول المحاذية لروسيا، بل وإلى الجمهور المسلم في داخل أراضيها أيضاً.
•تم التخطيط، كما يبدو، لتنفيذ التدخل الروسي في سورية على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى، الهجومية، التي جرت خلال تشرين الأول/ أكتوبر، ونفذتها قوات جوية روسية. وقد كان أحد أهداف هذه المرحلة مساعدة قوات الأسد في استعادة السيطرة على المناطق الحيوية، مع ضرب وإحباط الجهد الهجومي الذي بذله المتمردون في القطاع الساحلي وفي محور حلب ـ دمشق. ويبدو، أيضا، أن ضرب مواقع المتمردين كان يرمي إلى إرغامهم على إبداء الاستعداد للتعاون مع المبادرة السياسية التي تقودها روسيا بشأن تسوية مستقبلية في سورية. وقد ترافقت هذه المرحلة بتغطية إعلامية واسعة جداً وبجهود إعلامية نشطة، في الأساس من أجل أن تدعم تثبيت صورة روسيا كقوة دولية عظمى مؤثرة. وهو هدف تم تحقيقه، ولو جزئياً على الأقل. وبعد "هجمات التليين" الجوية، بدأت حملة برية شاركت فيها قوات التحالف (الأسد، إيران وحزب الله) استهدفت احتلال مناطق وتوسيع سيطرة قوات الأسد في منطقتي حلب ودمشق. غير أن إنجازات هذه الحملة لا تزال حتى الآن محدودة. ومردّ ذلك هو: المقاومة العنيدة التي أبدتها قوات المتمردين التي تحظى بدعم متمثل في إمدادها بوسائل قتالية متطورة، من جانب السعودية ودول خليجية أخرى، بل ومن تركيا أيضاً; ضعف جيش الأسد، الذي يخوض معظم المعارك على الأرض طوال خمس سنوات; ضآلة نجاح قوات الدعم الإيرانية ـ قوة "القدس" - التي تكبدت خسائر بشرية فادحة، وخاصة في الصف القيادي; ضعف القيادة المركزية وإشكاليات التعاون بين القوات المشاركة.
•المبادرة إلى المرحلة الثانية، السياسية، حدثت في أعقاب التدخل العسكري الروسي وتحقيق انعطاف في مجريات القتال الميداني بين قوات الأسد وداعميه - إيران وحزب الله - وبين قوات المعارضة. وقد دُشّن التحرك السياسي في العاصمة النمساوية فيينا في 23 تشرين الأول/ أكتوبر، واستؤنف في 30 من الشهر ذاته ولاحقاً في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر ـ على نطاق محدود في البداية، وجرى توسيعه لاحقاً على خلفية الجهود الروسية لدمج وإشراك أغلبية الدول العظمى ودول المنطقة. وقد كانت نقطة الخلاف المركزية خلال المفاوضات التي جرت خلف الكواليس مسألة مستقبل الأسد، التي لم يتم التطرق إليها في البيان الختامي. ويبدو أن روسيا نفسها، أيضاً، ترى إن الأسد شخصيا يتحول إلى عبء وأنها ستكون مستعدة لاستبداله مع الحفاظ على طابع النظام وهيكليته، مقابل دفع المصالح الروسية الكبرى والواسعة قدماً (تسوية في أوكرانيا، مثلاً). ويشكل إشراك إيران في المفاوضات السياسية وجعلها شريكة هامة في التحالف الروسي دفعة قوية وجدية لمكانة روسيا الدولية. ومع ذلك، ثمة فجوات في المصالح بين روسيا وإيران ويخبئ المستقبل خلافاً بينهما، سواء بشأن سورية أو بشأن مستقبل التسوية الإقليمية.
•تشكل المرحلة الثالثة من التدخل الروسي في سورية، كما يبدو، تغييراً في الخطة الأصلية، وهو يشمل شن هجمات مركزة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية". في أعقاب تحطم طائرة الركاب الروسية في سيناء في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2015، جراء مواد متفجرة وضعتها فيها خلية تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" في سيناء، حصل تصعيد في شدة الهجمات الروسية، مع تركيز على أهداف تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية". ثم جاءت العمليات الإرهابية في باريس في تشرين الثاني/ نوفمبر لتعطي روسيا فرصة أخرى لمحاولة تشكيل تحالف دولي واسع لمحاربة "الدولة الإسلامية" وتحقيق تسوية سياسية بين القوى المتصارعة في سورية.
•إذا ما تواصل العمل على المنوال الحالي، وإذا ما تم بالفعل تشكيل تحالف دولي واسع مصمم على العمل الجاد بقيادة روسيا والولايات المتحدة ومن خلال التنسيق بينهما، فسيزداد احتمال أن يحقق التدخل الروسي تحولاً في الأزمة السورية، وأن يتعرض تنظيم "الدولة الإسلامية" لضربة قاصمة تلحق به ضرراً جسيماً وتؤدي إلى دحره من المناطق التي يسيطر عليها في سورية والعراق. لكن أحد الإسقاطات المتوقعة لمثل هذا التطور هو تعزيز الاستعداد لدى أفراد ومجموعات في المعسكر السنّي للتجند في صفوف "الدولة الإسلامية"، ونشاط متزايد لامتداداتها في المنطقة وفي أرجاء مختلفة من العالم على حد سواء.
•ينطوي التدخل الروسي في سورية على دلالات متعددة الأوجه في ما يخص إسرائيل. فمن جهة، ثمة منظومة للتنسيق العسكري بين إسرائيل وروسيا تعمل منذ بدء هذا التدخل، هدفها منع أي احتكاك أو صدامات جوية. وهو تنسيق يتوقع له أن يستمر. ومن جهة أخرى، ثمة للتدخل الروسي في سورية عدة انعكاسات سلبية. فعلى المستوى العسكري، من شأن نصب منظومات صواريخ أرض - جو الروسية من طراز S-400 في شمال سورية تقييد حرية وسرّيّة حركة سلاح الجو الإسرائيلي، نظرا لأن هذه الصواريخ تغطي مساحات واسعة من المناطق في سورية ولبنان وشمال إسرائيل. أما التطور الأشد خطورة فسيكون في نقل هذه المنظومة إلى الجيش السوري ووضعها تحت تصرفه. وفوق هذا، يبدي المسؤولون الإسرائيليون قلقاً شديداً جداً من الدعم الذي تقدمه روسيا للمحور الشيعي بقيادة إيران ومن التعاون والتنسيق بينهما. فعلاوة على تعزيز قوة المحور الإيراني، قد يساعد هذا التعاون في تمركز قوات تابعة لإيران ولحزب الله في هضبة الجولان، مما يصعّد التهديد على إسرائيل.
•وبناء على ذلك، ينبغي على إسرائيل تطوير وتعميق الحوار الاستراتيجي القائم بينها وبين روسيا ومطالبتها، في إطاره، بعدم السماح بتشكل جبهة إضافية أخرى تقودها إيران ضد إسرائيل، في هضبة الجولان بوجه خاص وفي جنوب سورية بوجه عام. وإلى جانب ذلك، يمكن لإسرائيل محاولة تطوير واستغلال الفرصة الكامنة في التدخل الروسي وفي التحالف بين روسيا وإيران وحزب الله، لجهة لجم إيران وحزب الله وردعهما عن المبادرة إلى أي عمل ضد إسرائيل. كما يتعين، أيضاً، وضع قواعد للعبة تكون مقبولة من إسرائيل وروسيا بغية منع أي احتكاك، أو تقديرات خاطئة أو تصعيد، بل وبلورة قواعد اللعبة هذه لتشكل جسراً يتيح بلورة تفاهمات بشأن أية تسوية مستقبلية في سورية ودفعها قدماً.
___________
المصدر: "تقديرات استراتيجية لإسرائيل، 2015 – 2016"، المحرران: شلومو بروم وعينت كورتس، ص 57 - 59.
- ترجمه عن العبرية: سليم سلامة.
- راجع الترجمة: أحمد خليفة.