التصعيد في الجنوب: محاولة من "حماس" لرسم خطوط حمراء
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•تدل حادثة إطـلاق النار على حـدود القطـاع - وهي الخامسة فـي الأيــام الأخيرة - على تصعيد هو الأخطر منذ انتهاء الحرب الأخيرة بين إسرائيل و"حماس" في نهاية آب/أغسطس 2014. لكن للتطورات في غزة أهمية أخرى، فللمرة الأولى منذ الحرب يبدو أن الذراع العسكرية لـ"حماس" هي وراء إطلاق القذائف والنار من سلاح خفيف على قوات الجيش الإسرائيلي. إن الحوادث في المنطقة لم تنته بعد، ويبدو أنها محاولة من "حماس" لرسم خطوط حمراء أمام إسرائيل في ضوء سعي الجيش الإسرائيلي  إلى الكشف عن أنفاق هجومية حفرتها الحركة تحت الحدود نحو أراضي إسرائيل.

•خلال أكثر من سنة ونصف السنة بعد عملية "الجرف الصامد" كرر الناطقون الإسرائيليون في تقاريرهم وتصريحاتهم العلنية الموقف عينه، وهو أن "حماس" تلقت ضربة من الجيش الإسرائيلي لم تتلق مثلها من قبل، ولذلك فهي مرتدعة منذ ذلك الحين. ولا يقتصر الأمر على امتناع  الحركة عن إطلاق النار على أراضي إسرائيل منذ انتهاء الحرب فحسب، بل إن العدد الإجمالي للحوداث على حدود القطاع هو الأكثر انخفاضاً منذ أكثر من عشر سنوات. وعندما يقوم فصيل فلسطيني صغير، وفي الأغلب تنظيمات تتماهى مع التيار السلفي، بإطلاق النار، فإن أجهزة "حماس" تسارع إلى كبحه.

•هذا التفسير، الذي جرى التعبير عنه في التصريحات الأخيرة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بعد الزيارة التي قام بها إلى النفق الذي جرى الكشف عنه في نهاية نيسان/أبريل، كان صحيحاً، لكنه لم يعد كذلك. فقد ألمحت "حماس" عن مسؤليتها عن حوادث إطلاق النار الأخيرة. قوة هذه الحوادث نسبياً، وحقيقة أن إطلاق النار كان موجهاً نحو قوات الجيش التي كانت تعمل في البحث عن أنفاق بالقرب من السياج - مقابل حي الشجاعية شرقي غزة وفي منطقة كيبوتس حوليت حيث جرى اكتشاف النفق الأخير - يدلان على مسؤولية "حماس" عن إطلاق النار. فمن الصعب أن نصدق أن خمسة حوادث إطلاق نار يمكن أن تقع خلال يومين من دون أن يكون الحاكم الوحيد في القطاع يرغب فيها.

•ما يجري هنا هو لعبة إشارات متبادلة بين الطرفين، في إطار محاولتهما اعادة تحديد توازن الردع الذي وضع بعد عملية "الجرف الصامد". وكما كتبنا هنا بالأمس، تعرف "حماس" أن إسرائيل كشفت أحد أنفاقها الهجومية، وهي تشاهد الأعمال الأخرى التي يجري جزء منها غربي السياج داخل أراضي القطاع، وتسمع التصريحات المتعلقة بالبحث عن حل تقني كامل للكشف عن الأنفاق وتدميرها، وأن ذلك قد يتحقق خلال عامين. في ظروف كهذه، تتأرجح زعامة الحركة بين تهديد مستقبلي وخطر مباشر. التهديد المستقبلي هو حرمان إسرائيل "حماس" بصورة منهجية من ورقة الأنفاق. أما الخطر المباشر فيكمن في قرار الدفع قدماً والتحرك على نحو قد يجر الطرفين بصورة أكيدة تقريباً إلى جولة قتال إضافية ستتكبد فيها "حماس" خسائر كبيرة، وستجبر السكان المدنيين في غزة على مواجهة كارثة إنسانية رابعة خلال أقل من ثماني سنوات (بعد كارثة عملية "الرصاص المصهور" و"الجرف الصامد" وبصورة أقل بعد عملية "عمود سحاب").

•لا توجد لدينا صورة كاملة عن التطورات، لكن يبدو حتى الآن أن "حماس" لم تحسم أمرها. وإطلاق النار من القطاع ما يزال إشارة تحذير وليس دعوة إلى حرب شاملة. وفي الخلفية توجد مسألة "أبعاد" المنطقة  الأمنية العازلة. في الفترة الفاصلة بين عملية "الرصاص المصهور" في 2009 و"عمود سحاب" في 2012، وافق الطرفان بوساطة مصرية على حق إسرائيل في القيام بأعمال دفاعية داخل أراض القطاع في منطقة عازلة تمتد 500 متر غربي السياج. بعد  عملية "عمود سحاب" وبطلب من مصر، وافقت إسرائيل على تقليص المنطقة إلى حدود 100 متر فقط. وليس من المستبعد أن يكون هذا القرار سهّل على "حماس" حفر 33 نفقاً هجومياً عثر عليها الجيش الإسرائيلي خلال المعارك التي دارت بالقرب من السياج خلال عملية "الجرف الصامد". ويبدو الآن أن "حماس" تريد عرقلة الأعمال حتى في حدود اطار المئة متر.

 

•تعي إسرائيل الانعكاسات المحتملة لعمليتها الأخيرة، لكن يبدو أنها لا تستطيع تجنّب ازالة الخطر اذا اكتشفت أنفاقاً حفرت في اتجاه أراضيها. وفي الخلفية هناك أيضاً تفاقم سوء الظروف الحياتية في القطاع. خلال الشهر الماضي أوقف الجيش نقل الإسمنت إلى القطاع بعد أن اتضح له أن "حماس" تستغل جزءاً كبيراً منه في مشروع الأنفاق. لكن كان لهذه الخطوة انعكاسات أخرى، فقد توقفت عملية إعادة بناء آلاف المنازل التي دمرت في الحرب الأخيرة، وآلاف العمال الغزوايين الذين كانوا يكسبون رزقهم من قطاع البناء أصبحوا عاطلين عن العمل. وهذه أيضاً أسباب يمكن أن تقرّب نشوب مواجهة عسكرية أخرى.