سورية: ضوء في نهاية الحرب
•أدت الجهود الدولية لإنهاء الحرب في سورية إلى تغيير في تقدير الاستخبارات، فإذا كان الحديث يجري حتى الآن عن حرب من دون أفق، وتوقع عدم حدوث حسم فيها في المستقبل المنظور، يجري الحديث الآن عن احتمالات تسوية تستعيد سوريا في نهايتها (بخلاف التقديرات السابقة) وظيفتها كدولة.
•إن هذه العملية قد تستغرق أشهراً وربما سنوات، وهي مرتبطة بالكثير من المتغيرات. وليس من الواضح هل ستقسّم سوريا في نهايتها إلى كيانات فيدرالية على أساس طائفي أم سيكون فيها حكم ذاتي؟، كما أنه ليس من الواضح من سيحكمها: ليس للأسد وريث بارز، ومثل السلطة الفلسطينية - من المعقول أن يحل محله ائتلاف من قوى متعددة، ويمكن بخلاف الماضي ألا يستند إلى الطائفة العلوية فقط.
•مثل هذا الحل لن يتحقق من دون روسيا التي ستحافظ على العلويين، وأيضاً على مصالح إيران وحزب الله، وبصورة أساسية على مصالحها: وجود عسكري لها في الشرق الأوسط، المحافظة على قوتها في الصراع الدائر بين الأقطاب، والدفع قدماً بمصالحها الاقتصادية، ومنع انزلاق الارهاب الإسلامي إلى حدود روسيا.
•صحيح أن جيش الأسد ازداد قوة في الفترة الأخيرة بعد عدة نجاحات عسكرية، لكنه يواصل الاعتماد بصورة أساسية على المساعدة الروسية والإيرانية. ويوجد اليوم في سورية أكثر من 10.000 مقاتل تابعين لميليشيات شيعية تساعد الجيش السوري، يضاف إليهم نحو 1500 مقاتل إيراني وآلاف من مقاتلي حزب الله، وكذلك قوة روسية مهمة. وعملياً تدير روسيا جزءاً من القتال، وتركز هجماتها بصورة خاصة ضد داعش.
•في الفترة الأخيرة أوقفت العمليات الروسية (والأميركية) التمدد الجغرافي لداعش الذي في المقابل تراجعت قدراته الاقتصادية إلى حد كبير. والسبب الأساسي لذلك ضرب بنيته النفطية التحتية، وتراجع مداخيله من جباية الضرائب نتيجة تضاؤل عدد السكان المقيمين في مناطق سيطرته. ونتيجة لذلك يلاحظ بروز انخفاض معين في وتيرة تجنيد مقاتلين جدد في صفوف داعش، الذي يجد نفسه حالياً في دائرة مغلقة، فالخسائر في الأراضي والخسائر المالية تقلص الهالة المحيطة به بصفته تنظيماً ثورياً لا يمكن قهره، وتقلل بالتأكيد من حافز الانضمام إلى صفوفه.
•أدى هذا الضغط على داعش في العراق وسورية، على ما يبدو، إلى الهجمات الأخيرة في أوروبا، كجزء من مسعى التنظيم للمحافظة على قوة اندفاعه. والتقدير هو أن مثل هذه المحاولات ستستمر على خلفية نضج القدرات العملياتية، لكن لا ترى الاستخبارات حالياً أي جهد مركز من جانب داعش على اليهود أو الإسرائيليين.
•كما أن معقولية هجمات مباشرة ضد إسرائيل- من حدود هضبة الجولان- منخفضة نسبياً، ليس بسبب غياب الحوافز، إنما بسبب مصالح لها أولوية: صراعات للسيطرة على هضبة الجولان من جانب مجموعات مختلفة. إن لدى تنظيم داعش (وكذلك لدى جبهة النصرة - فرع القاعدة في سورية) قدرة ووسائل قتالية مناسبة لتنفيذ هجمات خارج السياج الحدودي، لكن لا تدل تصريحات التنظيمين حالياً على نية للتركيز على إسرائيل، بل على محاولة لتوسيع سيطرتهما في أراضي سورية.
•لكن الغرب شعر في الفترة الأخيرة بالقلق من تمركز داعش في ليبيا وإمكانية سيطرته على اجزاء واسعة من هذه الدولة بسبب مواردها الاقتصادية خاصة (ولا سيما البنية التحتية للنفط). إن قرب ليبيا من أوروبا، بالاضافة إلى كميات السلاح وأنواعه في هذه الدولة، يمكن أن يؤديا قريباً إلى عملية عسكرية ضد داعش في ليبيا هدفها منع تكرار السابقة العراقية- السورية وقيام دولة جديدة لداعش.
•وبينما تبدو ليبيا بوصفها التحدي المقبل، فإن ضعف داعش في القاعدة الأساسية لقوته يطرح للمرة الأولى إمكانية حقيقية لهزيمته من دون وجود قوات عسكرية أجنبية على الأرض. وتشكل استعادة تدمر نموذجاً بارزاً على ذلك، والتحدي المقبل هو القتال على محورين أساسيين: الرقة في سورية، والموصل في العراق. وباستثناء هاتين المنطقتين فمن الصعب على داعش أن يتوسع من جديد، واتساع الضربات الموجهة له سيزيد من فرص تحقيق تسوية تنهي القتال في سورية.
•من الواضح أن داعش لن يسيطر على سورية ولا على إيران. من جهة أخرى، فإن التطلع الإسرائيلي لتحييد التدخل الإيراني في سورية بصورة مطلقة يبدو غير واقعي، لكن إسرائيل ستطالب في أي اتفاق مستقبلي بتقليص عبور السلاح الصاروخي من إيران (عبر سورية) إلى حزب الله قدر الإمكان، وعرقلة اعادة بناء الجيش السوري الذي تآكل بصورة كبيرة نتيجة خمس سنوات من الحرب الأهلية، والاتفاق على آلية تضمن الهدوء في هضبة الجولان- المقسم حالياً بين ثلاثة أطراف، الأمر الذي يمكن أن يجعل من الصعب تحقيق الاستقرار هناك.
"حزب الله": درع لبنان
•دفع حزب الله في الحرب في سورية ثمناً باهظاً، وبحسب ما هو معروف حتى الآن: قرابة 1300 قتيل و10.000 جريح. وعلى الرغم من هذين الرقمين، فإن الحزب يواصل تدخله العميق لمساعدة قوات الأسد في الحرب في سورية، فهناك نحو 7000 مقاتل من الحزب يشاركون في الحرب، والتقويم العملياتي المعطى لهم مرتفع- فقد انتصروا في جميع المعارك التي شاركوا فيها.
•إن الحرب في سورية وضعت حزب الله في الجانب "الصحيح": للمرة الأولى تحول فعلاً إلى درع للبنان. ومنحت هذه الحرب الحزب ما لم يكن لديه في الماضي: خبرة قتالية مهمة، ضمن اطارات كبيرة، بما في ذلك استخدام وسائل متطورة مثل الطائرات من دون طيار. لكن من جهة أخرى، ألقت عبئاً ثقيلاً على عاتقه، فقد ارتفعت نفقاته بصورة دراماتيكية جرّاء القتال، وبسبب حاجته إلى دفع علاوات للمقاتلين، والانفاق على الجرحى وعائلات القتلى.
•ترافق هذا العبء مع تقليص يرواح بين 10% إلى 15% من ميزانيته بسبب الأزمة الاقتصادية في إيران. لكن الضرر لحق بصورة خاصة بالأمور الجارية وبصورة أقل ببناء القوة. فعلى الرغم من القتال والخسائر والتقليصات، يحرص حزب الله بإخلاص شديد على بناء قوته العسكرية استعداداً للمواجهة مع إسرائيل.
•بعد سنوات وظف الحزب فيها جهوده بصورة أساسية في عدد (الصواريخ)، يركز حالياً على النوعية: صواريخ بعيدة المدى ودقيقة تحمل رؤوساً متفجرة حربية كبيرة كفيلة بإلحاق ضرر كبير. والهدف هو تمكين الحزب من تدفيع إسرائيل ثمناً كبيراً في حرب مستقبلية، أو ردعها عن الدخول في مثل هذه الحرب بعد معرفة الثمن الذي ستدفعه.
•ينهي حزب الله مرور عشر سنوات على اندلاع حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006] بشكل ايجابي. فقد كبُر وازداد قوة، وهو، في نظره يردع إسرائيل. بعد سنوات من ضبط النفس تجاه عمليات عديدة نُسبت إلى إسرائيل، عاد للرد على ما يعتبره مساً بأصوله ومهابته. إنه مستعد حقاً لاستيعاب ضربات بشرط ألا يُحرج؛ وإذا ما ظهرت أخبار هذه الضربات الى العلن وتضررت مكانته، سيكون مضطراً إلى الرد والمخاطرة. وهو يفعل ذلك على الرغم من عدم رغبته في مواجهة واسعة مع إسرائيل، وبالتالي يحرص على أن يأتي رده ضمن اطار "قواعد اللعبة" - في هار دوف [مزارع شبعا]، ضد أهداف عسكرية - لكن هناك تخوف من أن تؤدي الضربات المتبادلة المتواصلة إلى ديناميكية تصعيد وفقدان السيطرة، وأن يتدهور الوضع في الشمال.
•في السنة الفائتة بدا أن مثل هذا التدهور قد يأتي من هضبة الجولان تحديداً، حيث حاول حزب الله اقامة - قاعدة أمامية تتيح له القيام بهجمات ضد إسرائيل من خارج حدود لبنان. وقد أدى الهجوم على البنية التحتية وقادتها المنسوب إلى إسرائيل، إلى اجتثاث هذا الجهد. صحيح أنه يوجد الآن اهتمام أقل من جانب حزب الله وإيران بهضبة الجولان، بيد أن الواقع يمكن أن يتغير بسرعة.
•"بشرى" أخرى تتعلق بمساعي حزب الله للقيام بهجمات ضد أهداف إسرائيلية ويهودية في العالم. فبعد سنوات من العمل المشترك مع الإيرانيين (بلغ ذروته في هجوم 2012 في بورغاس) يتحاشى الحزب حالياً القيام بعمليات إرهابية في أنحاء العالم. وثمة رغبة واضحة لديه لترسيخ وجوده في الساحة السياسية في لبنان وكجزء من السلطة الشرعية في نظر العالم، ويتخوف من أن تؤدي الهجمات في الخارج إلى تصويره كتوأم لداعش.