معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•تجد إسرائيل - الجمهور، ومن يقرر بشأن السياسات، والإعلام - صعوبة في تحديد الوضع الذي تجد نفسها فيه منذ بداية هجمات إرهاب الأفراد في أيلول/ سبتمبر 2015. ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر سُجل أكثر من 250 هجوماً ومحاولة هجوم، نفّذ أكثر من 90% منها أفراد. صحيح أنه سُجل انخفاض مستمر في عدد الهجمات، لكن لا توجد مؤشرات على اختفاء الظاهرة. إن الإحباط وعدم وجود أفق بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس يساهمان في هذه الظاهرة، وليس أقل من ذلك أجواء العنف التي يشيعها تنظيم داعش في الشرق الأوسط.
•عندما نصطدم بظاهرة جديدة وغير واضحة، فإن الميل يتجه نحو العودة إلى ما نعرفه، ولهذا السبب سميت هجمات الإرهاب "انتفاضة"، وكان هناك من سمى الظاهرة "انتفاضة الأفراد" أو "انتفاضة السكاكين" لأن أغلبية الهجمات القاتلة كانت هجمات طعن، لكن ثمة شك في أن يكون مصطلح "انتفاضة" يلائم الواقع الناشئ. القاسم المشترك بين "الانتفاضتين" - وهما حدثان مختلفان كلياً عن بعضهما البعض من ناحية طبيعتهما وطريقة تطورهما – كان مشاركة المجتمع الفلسطيني كله تقريباً في المواجهة مع إسرائيل. لكن المجتمع الفلسطيني اليوم يراقب منفذي الهجمات، يثني عليهم، لكنه لا ينضم إليهم. والتظاهرات الجماهيرية التي جرت في تشرين الأول/ أكتوبر بشأن وضع جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف] بحجة أن إسرائيل تسعى إلى تغيير الوضع القائم في المكان تلاشت، وحالياً يخرج عشرات فقط كل يوم جمعة للمواجهة مع الجيش الإسرائيلي.
•إن منفذي الهجمات لم يرسلهم تنظيم، ويتضح أن أغلبيتهم لديه قصة شخصية تتضمن محنة وخيبة أمل. ويظهر التحقيق مع المهاجمين الذين بقوا على قيد الحياة (نحو 90) أن جميعهم استوحوا هجماتهم من مشاهدتهم لوسيلة من وسائل الإعلام - الإنترنت، التلفزيون، الصحف - التي تُظهر في اعتقادهم الظلم الذي تمارسه إسرائيل في حق الفلسطينيين وهذا يحثهم على القيام بعمل ما. وللعديد منهم قريب أو معرفة بأحد الفلسطينيين الـ180 الذين قتلوا خلال نصف السنة الأخيرة.
•وخلافاً لما جرى في الانتفاضة الثانية حيث خضع أغلبية المخربين والانتحاريين لعملية اعداد استغرقت أياماً، اتخذ القرار في هجمات الارهاب الحالية قبل وقت قصير من الهجوم. ويوجد بين المهاجمين رجال ونساء، متزوجون وعزاب، عاطلون عن العمل وعاملون. وتتطابق أغلبيتهم الساحقة مع البروفيل الكلاسيكي للمهاجم الفرد: 71% منهم تراوح أعمارهم بين 15و25 عاماً، أغلبيتهم عزّاب، وعاطلون عن العمل.
•يتوجه تنظيم داعش تحديداً نحو هؤلاء الشباب - وهو يوفر لهم أجواء من العنف والمغامرة ويدعوهم إلى المشاركة باللعبة الحقيقية، والحصول على مباركـة من الله أيضـاً. هـؤلاء الشباب الذين يسمونهـم في الجيش الإسرائيلي "ش م م" (شباب متعلم ومحبط) أو "الفلسطينيون الجدد" يحتقرون جميع مصادر السلطة: الأهل، والسلطة الفلسطينية، تنظيمات الإرهاب الممأسسة، وبالطبع إسرائيل. ويتركز الحديث بينهم على حقوق الإنسان الأساسية وعلى التطلع لإنهاء الاحتلال، لكنهم ليسوا معنيين بخطة الحل، كما لا تهمهم "التسهيلات" التي تقدمها إسرائيل للفلسطينيين. وقبل قيامهم بهجوم يطالب بعضهم بألاّ يتحمل أي تنظيم مسؤولية عملهم.
•تبدو الاستخبارات الإسرائيلية المتطورة عاجزة في مواجهة هجمات الإرهاب. والآلية الناجعة التي أقيمت من أجل الكشف عن التنظيمات الإرهابية ظلت من دون فائدة لأن ما يجري هو إرهاب غير منظم ويستند إلى قرار فردي لا شركاء فيه. وحتى الأساليب الرياضية (logarithm) التي طورت من أجل الكشف عن فلسطينيين يعبرون من خلال شبكة التواصل الآجتماعي عن رغبتهم في التضحية بأنفسهم لم تنفع في مواجهة عشرات الآلاف الذين يعبّرون حالياً يومياً عن مثل هذه الرغبة. وحتى الردع الإسرائيلي لا يؤثر على مجمل اعتبارات منفذ الهجوم. ويمكن الافتراض ان اغلبية المخربين يفترضون أنهم لن يبقوا على قيد الحياة، لكنهم يعلمون أن عائلاتهم ستحظى بالاحترام والتقدير الاجتماعيين، وعلى مقابل مادي مزدوج وسخي من السلطة الفلسطينية و"حماس" (نحو 10.000 – 15.000 شيكل شهرياً). صحيح أن إسرائيل تمنع إعادة بناء منازل المخربين التي تهدمها، لكن بالقرب من ركام المنازل المهدمة شيدت منازل جديدة ولم تبق العائلات في الشارع. وبالتالي، فإن هدم البيوت، لا يساهم في الردع وقد ينتج عن طرد عائرت المهاجمين إلى غزة ردعاً معيناً، ولكن هذه الفكرة عرقلها حالياً المستشار القانوني للحكومة.
•حتى الآن نجحت السياسة الإسرائيلية العامة في احتواء هذه الظاهرة ومنع انتشارها بسبب استمرار 120.000 فلسطيني بالعمل في إسرائيل وفي المستوطنات وليس لديهم مصلحة في خسارة هذا العمل، ومؤخراً اتخذت الحكومة قراراً بمنح تراخيص عمل لـ40,000 فلسطيني جديد. يضاف إلى هؤلاء نحو 170,000 موظف دولة في السلطة الفلسطينية ومثلهم 38,000 فلسطيني يعملون في الأجهزة الأمنية للسلطة، ثلاثة من بين هؤلاء قاموا بهجمات، لكن أغلبيتهم، وبرغم وجود سلاح بين أيديهم يريدون مواصلة عيشهم. على الرغم من ذلك، ونظراً إلى أن هجمات الإرهاب نتيجة أجواء معينة، فإن مصطلحات مثل "موجة إرهاب" أو "جولة عنف" يستخدمها الجيش والإعلام، لم تعد مطابقة للواقع، فأجواء العنف موجودة هنا ولن تختفي قريباً.
•إن مراقبة أعضاء تنظيم "فتح"، التنظيم الأكثر تسلحاً في الضفة للأحداث ممتعة ومثيرة للاهتمام. لقد شارك أعضاء التنظيم خلال عدة أيام في تظاهرات جرت شمال رام الله، لكن رئيس السلطة الفلسطينية، أبو مازن، سارع إلى عقد اجتماع لأمناء سر "فتح" في الضفة وأوضح لهم أن هذه الأحداث لا تخدم النضال الفلسطيني. ومنذ ذلك الحين ظل عشرات الآلاف من مسلحي التنظيم خارج دائرة العنف. هم يقاومون الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار خلال عمليات الدهم التي تجري في قلنديا أو في مخيم اللاجئين في جنين، لكنهم لا يشاركون في الهجمات. من جهة أخرى، إذا شارك التنظيم في المواجهة، فإن إسرائيل ستجد نفسها في مواجهة انتفاضة مسلحة ستفرض عليها إعادة احتلال مدن الضفة وتجريد التنظيم من سلاحه. حتى الآن هذا لم يحدث، لكن سلسلة أحداث عشوائية، أو تأجج الحرب على وراثة منصب أبو مازن، يمكن أن تدفعا التنظيم إلى الخروج للمعركة ضد إسرائيل.
•وحتى "حماس" في غزة ما تزال خارج الأحداث. إنها تمول المهاجمين، وتمجدهم، وتنتج أشرطة تدريب على الطعن، لكنها لا تبادر إلى عمليات من قطاع غزة. هي لم تتخل عن فكرة مقاومة إسرائيل، لكنها تبحث عن تسوية تعزز وضعها في قطاع غزة، وفي هذه الأثناء تقوم الحركة بحفر الأنفاق استعداداً ليوم المواجهة، بينما تحاول إسرائيل تطوير وسائل تكنولوجية لمواجهتها. وعلى الرغم من ذلك، كلما استمر تجاهل الدعوات للتسوية المتصاعدة من غزة، كلما تسارعت عملية العد العكسي للمواجهة المقبلة.
•هناك مجموعة أخرى يمكن أن تنضم إلى المواجهة هي العرب من مواطني إسرائيل. منذ بدء الأحداث كان هناك تسعة مواطنين عرب من إسرائيل قاموا بهجمات أو حاولوا ذلك، بالإضافة إلى 36 عربياً حاولوا الانضمام إلى تنظيم داعش في 2015، وعشرة منهم يقاتلون اليوم في صفوفه، وسيكون هناك آخرون ينضمون إليهم. لكن أغلبية السكان العرب في إسرائيل التي تسمع في وسطها أصوات تتماهى مع منفذي الهجمات، تشاهد بحزن غرق العالم العربي في بحيرة من الدم وتبحث عن مستقبلها في إطار الدولة الإسرائيلية.
•من يقود المواجهة ضد إسرائيل؟
•قبل كل شيء - سكان القدس الفلسطينيون. هناك مقدسيون طعنوا يهوداً خلال كفاحهم من أجل جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]، ومنذ ذلك الحين تتواصل الهجمات لأن تنفيذها ليس معقداً. ففي المدينة التي أعلنت إسرائيل أنها موحدة الى أبد الآبدين، لا يوجد فصل بين السكان الإسرائيليين والفلسطينيين مما يسمح لأي فلسطيني من كفر عقب أو من صور باهر بالوصول مسلحاً إلى غربي المدينة. وإسرائيل بضمها 20 قرية وبلدة فلسطينية حول القدس، وإعطاء سكانها الهوية الإسرائيلية، تكون قد ضمت إليها 300 ألف فلسطيني لا يتماهون معها وفي الوقت عينه يتمتعون بحرية تنقل كاملة. بعضهم يسكنون أحياء تفتقر تماماً إلى البنية التحتية المدينية وإلى وجود سلطات. وعلى بعد عشر دقائق بالسيارة من الكنيست الإسرائيلي، يوجد مخيم اللاجئين شعفاط الذي يبلغ عدد سكانه 60 ألف شخص. لا توجد فيه خدمات اجتماعية، ولا جهاز تعليمي، ولا حتى خدمات لجمع النفايات. إنه قنبلة موقوتة.
•ماذا في إمكان إسرائيل أن تفعله؟ أولاً، يجب تحسين الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، الأمر الذي يقلص الاحتكاك وفرص الهجمات بصورة خاصة في القدس وداخل الخط الأخضر؛ ثانياً، يجب المبادرة إلى القيام بخطوات تجاه السلطة الفلسطينية من شأنها أن تغير الجو - يشير الجيش إلى شمال السامرة وإلى أريحا كمكانية تستطيع إسرائيل أن تسمح فيها بسيطرة كاملة للسلطة الفلسطينية؛ ثالثاً، يجب تحسين الردع في مواجهة الأفراد بواسطة طرد عائلات المخربين التي تعرب عن دعمها للهجمات، إلى غزة. وهذه عقوبة قاسية ومرتبطة بمسائل قانونية وأخلاقية كبيرة، لكن يمكن تقدير أنه إذا عرف المخرب أن عمله سيتسبب بكارثة لعائلته - فسيزداد احتمال امتناعه عن مثل هذا العمل.
•حتى الآن تختار حكومة إسرائيل انتهاج خط التصريحات الهجومية، والاحتواء وتتحرك في الحد الأدنى. وفي ضوء عدم وجود مبادرة إسرائيلية من شأنها أن تغير الجو وتؤدي إلى الفصل بين السكان في مناطق الاحتكاك الأساسية، سيبقى الظهر الإسرائيلي مكشوفاً لطعنات الأفراد.