•في بداية الأسبوع أُقيم في بلدة شلومي على الحدود الشمالية احتفال بتراث اللواء 300، "تشكيلة برعام"، الوحدة التي تحرس منذ 42 عاماً القطاع الغربي في الحدود مع لبنان. وواحدٌ تلو الآخر اعتلى المنصة القدامى وحكوا للجنود الشبان عن تاريخ المنطقة والأحداث التي لن ينساها أبداً من كان موجوداً وقتها: حافلة الركاب في أفيفيم، المدرسة في معالوت، حافلة الركاب التي سفكت فيها الدماء على الطريق الساحلي، وعائلة هارون في نهاريا، والندبات الباقي أثرها في مشهد الجليل الغربي.
• وكان الشعور العام هو أنه كُتب على الاستيطان الإسرائيلي في الشمال أن يدفع ثمن وجوده هناك. لكن الوضع لم يكن هكذا دائماً. منذ حرب الاستقلال[حرب 1948] وحتى سنة 1970 كان لبنان الجار الذي لا ينطوي على أي تهديد لنا من ناحية الشمال. وكانت النكتة في تلك السنوات أنه إذا نشبت حرب فسيحتل الجيش الإسرائيلي سورية وتحتل فرقة موسيقى الجيش لبنان.
•لكن اعتباراً من سنة 1970، السنة التي أبعدت فيها التنظيمات الارهابية من الأردن واستقرت في لبنان، تحولت بلاد الأرز من جار هادىء إلى قاعدة ارهابية، واليوم يوجد هناك التهديد العسكري الأكثر خطراً على إسرائيل. هناك من يشبّه حزب الله بمنظمة بدأت كقط يخرمش ولا أكثر من ذلك، وتدريجياً تحول إلى نمر مفترس. يوجد في صفوف التنظيم اليوم نحو 41 ألف مقاتل نظامي واحتياطي، وكثيرون منهم اكتسبوا خبرة قتالية في سورية، ويمتلك قوة نارية أعظم مما تمتلك 95 % من دول العالم.
•كثيرون عندنا يخطئون ويسمون حزب الله "منظمة ارهابية". وهذا تعريف خطأ مهنياً، ولكن ليس خطأ أخلاقياً. يوجد لدى حزب الله اليوم قدرة على توجيه ضربة افتتاحية لإسرائيل تقدر بآلاف القذائف والصواريخ في يوم واحد، وفي موازاة ذلك ارسال قوات هجومية لاحتلال بلدات قريبة من السياج في الجليل. إنه جيش بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
•لا أكتب ذلك لبث الرعب في القلوب. فاحتمال أن يستجمع حزب الله قدراته ويشن الحرب على إسرائيل ضئيل. فهو متمدد استراتيجياً على نحو لا يمكنه من المبادرة إلى التحرش بنا، ولا حتى اللعب بالنار. لقد كان العقد الماضي أكثر الفترات هدوءاً في تاريخ الجليل، أي منذ أكثر من 40 عاماً. وكما تبدو مجريات الحرب في سورية- لن يكون لحزب الله الوقت لخرق هذا الهدوء.
•بعد عشرة أعوام من اندلاع حرب لبنان الثانية[حرب تموز/يوليو 2006] تبدو صورتها مختلفة. إن مرور الوقت لم يخفف من فداحة الاخفاقات التي تكشّفت ولا فقدان الوجهة وغياب القيادة في المستويين السياسي والعسكري. ولكن رغم ذلك، جلبت الحرب إلى الشمال هدوءاً غير مسبوق وردعاً لا مثيل له حيال حزب الله. إن حزب الله بعد عشر سنوات من هذه الحرب أقوى بكثير مما كان قبلها، ولكن لا رغبة لديه في الانجرار إلى حرب أخرى مع إسرائيل من شأنها أن تدمر لبنان.
•يواصل حزب الله تسلحه وزيادة قوته، ويتساءل كثيرون ما إذا كانت قد حُفرت في الشمال كما في غزة أنفاق هجومية نحو أراضينا. وعلى ما يبدو الجواب هو: لا، لكن ليس في هذا الجواب فرج. فالخط المعقد والمليء بالشقوق على الحدود الشمالية يلغي الحاجة إلى الأنفاق. وليس من غير المعقول الافتراض أن لدى حزب الله القدرة على نقل كتيبة إلى إسرائيل عبر النباتات الكثيفة من دون أن يلاحظه أحد. ويتحدثون في الجيش عن "2500 نفق - أرضي" توفرها لحزب الله طبوغرافية المنطقة والنباتات الكثيفة.
•ووفقاُ لما تحدث فيه القادة السابقون عن كيفية مواجهتهم تسلل مخربين في السنوات التي لم يكن يوجد فيها سياج على طول الحدود، فإن الجيش لا يكتفي حالياً بالسياج ووسائل الانذار بل يقوم بتغيير وجه المنطقة. وضمن إطار مشروع هندسي ضخم أقام الجيش منحدرات صخرية شاهقة بالقرب من بلدات متاخمة للسياج، كي يجعل من الصعب على حزب الله القيام بهجوم مفاجىء.
•جرى تعديل خطط الجيش لحرب محتملة في الشمال: لا مجال لحدوث فشل معروف مسبقاً في محاولة لإحباط إطلاق الصواريخ ومطاردة مطلقيها. ويعد الجيش خططاً يمكنها أن تنهي أي حرب في الشمال بانجاز قاطع. ووفقاً لروحية كتاب عوفر شيلح "الشجاعة للانتصار"، لن يكتفي الجيش بتحضير خيارين- إما احتلال الأرض كلها أو حرب استنزاف طويلة واشتباكات متواصلة على طول الحدود. بين هذين القطبين وضع الجيش طيف عمليات يمكنها أن تؤدي إلى إنهاء المعركة بسرعة أكبر ونتائج أكثر وضوحاً.
•اعتاد رئيس الأركان السابق غابي أشكينازي أن يقول لقادته إنه ممنوع في الحرب المقبلة أن يسأل الناس مَن المنتصر. وهذه الروحية تسيطرعلى الخطط التي يعدها غادي أيزنكوت. لا تبرز كلمة انتصار فيها، لكن هذه الخطط تتحدث عن ضرورة تحقيق "إنجاز مدو" لا يمكن بعده البدء بالعد العكسي لجولة الحرب المقبلة. يحضر الجيش مجموعة مفاجآت للحرب المقبلة ضد حزب الله، وهي ستكون حرباً قاسية ومؤلمة، ونتمنى ألا تحدث، لكن يجب أن تنتهي بطريقة مختلفة عن معاركنا الأخيرة.