الانتخابات في إيران - مظهر تأييد لنهج روحاني
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

•الانتخابات التي جرت الأسبوع الماضي لمجلس الخبراء والبرلمان في إيران كانت أول اختبار لزعامة الرئيس حسن روحاني منذ توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى ورفع العقوبات. 

ووفقاً للنتائج طرأ تغير كبير في موازين القوى داخل الهيئتين المهمتين اللتين جرت من أجلهما الانتخابات: أهمية مجلس الخبراء المنتخب لثمانية أعوام والمؤلف من 88 عضواً تنبع من أنه الهيئة المخوَّلة بتقرير من سيرث المرشد الأعلى في منصبه عندما يحين أوان ذلك. وبحسب النتائج الأولية والمفاجئة حلت قائمة رفسنجاني في المرتبة الأولى، وأكثر من خمسين في المئة من أعضاء المجلس هم من المعسكر المعتدل الذي نجح في قضم قوة المحافظين المتشددين الذين سيطروا على هذه الهيئة في الماضي. ونجح المعتدلون في الحصول على خمسين في المئة من مقاعد المجلس - البرلمان الذي يتألف من 290 نائباً. ومن بين الصلاحيات الأساسية للمجلس تعيين الوزراء، وإقرار الميزانية، وأيضاً دعوة الرئيس والوزراء إلى جلسة استماع وحتى سحب الثقة منهم.

•الرئيس روحاني، مثلما وعد الجمهور عشية انتخابه سنة 2013، أولى أهمية كبيرة لتحقيق اتفاق نووي من أجل رفع العقوبات وفتح إيران أمام الاستثمارات الأجنبية. ولا تنبع وجهة نظره هذه من تعاطفه مع الغرب وثقافته، بل من قراءة صحيحة للوضع الاقتصادي وانعكاسه على الجمهور وخاصة الجيل الشاب الذي كان المتضرر الأساسي من النسبة المرتفعة للبطالة، والتضخم والعزلة الدولية. من جهة أخرى، وقف المعسكر المحافظ - المتشدد ضد تقديم ما اعتقد أنها تنازلات في رأيه، قبلت بها إيران في الاتفاق النووي. وينظر هذا المعسكر بقلق متزايد حيال إمكانية أن يؤدي الانفتاح الاقتصادي على الغرب إلى تغلغل ثقافي يمكن أن يؤثر على الجيل الشاب خصوصاً، وأن يؤدي مستقبلاً إلى تغيير طابع إيران الثوري.  ويكرر المرشد الأعلى خامنئي الذي يتمسك هو أيضاً بوجهة النظر هذه تشديده على ضرورة الحذر من تأثير الغرب، ويواصل اعتبار الولايات المتحدة العدو الأكبر للجمهورية الإسلامية في إيران.

•على هذه الخلفية، شكلت الانتخابات نوعاً من اقتراع على الثقة بسياسة الرئيس روحاني، وعبرت نتائجها بوضوح عن موقف الجيل الشاب الذي يشكل أكثر من 60 في المئة من جمهور المقترعين، الذي يريد أن يعطي الرئيس الأدوات السياسية من أجل تحقيق وعوده الانتخابية "بمستقبل أفضل بكثير". 

•ومن أجل تحقيق هذه الوعود يحتاج روحاني إلى برلمان أكثر اعتدالاً يتيح له المضي قدماً بالخطوات الاقتصادية التي يخطط لها، ومن بينها تقليص حصة الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني، ومحاربة الفساد الذي بلغ أحجاماً خطيرة، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية التي تحتاج إليها السوق الإيرانية.

•بالنسبة إلى إسرائيل، فإن السؤال الأساسي هو: هل سيؤدي نجاح المعسكر المعتدل بقيادة روحاني في الانتخابات، إلى تغيير أيضاً في سياسة إيران الإقليمية؟ إن الطرف الأساسي المؤثر على هذا الصعيد هو الحرس الثوري المتورط عميقاُ في القتال في سورية، والمسؤول عن العلاقة بحزب الله، والمتورط في القتال في العراق وفي مساعدة الحوثيين في اليمن. حتى الآن، لم يكن الرئيس روحاني يتدخل كثيراً في هذه المجالات، وثمة شك كبير في ما إذا كانت زيادة قوته في الساحة الداخلية بعد الانتخابات ستتيح له أن يترجم ذلك أيضاً بتدخل أكبر في السياسة الإقليمية. إن جزءاً من الإنجازات التي أمل الغرب والولايات المتحدة أن يحصدها من الاتفاق النووي، كان اندماج إيران في المنطقة كلاعب إيجابي يساهم في استقرارها، وذلك بسبب دور إيران الأساسي في سورية والعراق واليمن ولبنان. لكن لم يكن مصادفة أن يمنع المرشد الأعلى طاقم المفاوضات في الموضوع النووي من إجراء أي حوار  يتعلق بقضايا إقليمية، وهو يواصل دعمه لمواقف الحرس الثوري والمحافظين المتشددين في المجال السياسي، الذين يسعون إلى زيادة نفوذ إيران في المنطقة على نحو يساعد في تقدم المصلحة العليا، التي هي بحسب وجهة نظرهم تقليص النفوذ والوجود الأميركيين في المنطقة وصولاً إلى طردهم منها.

•بناء على ذلك، لا يمكن أن نتوقع في المدى الزمني القريب تغيراً في سياسة إيران الإقليمية. وتشكل تصريحات سفير إيران في لبنان بشأن نية تقديم مساعدة مالية لعائلات المصابين من الفلسطينيين وللعائلات التي دُمرت منازلها، دليلاً على ذلك. بالنسبة لإسرائيل لا يوجد فارق كبير بين المواقف التي يتخذها المعسكر الراديكالي في إيران حيالها، ومواقف المعسكر الذي يعتبر معتدلاً. لقد كان رفسنجاني بالذات هو الذي قرر أن قنبلة نووية واحدة تكفي لتدمير إسرائيل. 

•على الرغم من ذلك، على المديين المتوسط والبعيد، إذا نجح روحاني في الدفع قدماً بجدول أعماله الاقتصادي ونجح في الانفتاح على الغرب الذي يعتبره ضرورياً لتحسين الاقتصاد، فثمة مجال لأن تطلب إسرائيل من أصدقائها في الغرب استخدام نفوذهم من أجل تليين مواقف إيران حيالها.   

•في نهاية الأمر، حقق المعسكر المحافظ - المعتدل والبراغماتي في إيران انجازاً مهماً في هيئتين في الحكم لهما أهمية كبيرة: مجلس الخبراء الذي من شبه المؤكد أنه الهيئة التي ستقرر في السنوات المقبلة هوية المرشد المقبل، وستتطلع الأغلبية المعتدلة الموجودة في هذا المجلس نحو انتخاب زعيم يعكس مواقفها. وفي هذا السياق يجب أن نتذكر أن كون روحاني رجل دين يمكن أن يجعله مرشحاً ملائماً لمنصب المرشـد الأعلى عندما يحين الوقت. وفي البرلمان – المجلس - ستتيح الأغلبية التي حققها المعسكر البراغماتي له الدفع قدماً بسياسته الاقتصادية، وسيكون الهدف الذي يضعه نصب عينيه هو تشجيع سياسة الانفتاح بعد سنوات طويلة من العقوبات كانت أضرارها بالغة.

 

•على الرغم من ذلك، فإن هذا ليس نهاية المطاف، فالمواجهات السياسية بين أطراف القوى الأساسية في إيران لم تحسم، فمن جهة هناك انجاز الانتخابات الذي يضاف إلى انجاز الاتفاق النووي ورفع العقوبات، وهذا يعزز موقع روحاني قبيل الانتخابات الرئاسية التي ستجري العام المقبل. ومن جهة ثانية، ستواجهه صراعات سياسية صعبة مع المحافظين - المتشددين الذين لا ينوون التخلي عن مواقع قوتهم في الساحة الاقتصادية ولا عن مواقفهم السياسية والأيديولوجية، وهم سيسعون إلى تحدي روحاني في مجالات لهم فيها نفوذ كبير، مع التشديد على الساحة الإقليمية - حيث يشكلون القوة الأساسية.

 

 

المزيد ضمن العدد 2325