•هل تغير البرودة التي طبعت العلاقات الإسرائيلية - المصرية طوال عشرات السنين، اتجاهها؟ وماذا هناك في الحقيقة وراء استمرار التعاون؟
في السنة الأخيرة برزت مؤشرات تدل على زيادة الدفء في منظومة العلاقات السياسية: زيارة رسمية وعلنية للمدير العام لوزارة الخارجية دوري غولد إلى القاهرة حيث أعاد افتتاح السفارة الإسرائيلية؛ إطلاق عودة طرابين المدان بتهمة التجسس لحساب إسرائيل والذي قضى 15 عاماً في السجن المصري؛ تعيين سفير مصري جديد بعد ثلاث سنوات على غيابه؛ وهذا الأسبوع اجتماع علني وزعت في نهايته صورة نادرة تجمع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والسفير المصري الجديد.
•على الرغم من انشغال مصر في الفترة الأخيرة خاصة، وخلال السنوات الأخيرة بصورة عامة، بمشكلات داخلية تتعلق بالوضعين الأمني والاقتصادي، فقد عادت العلاقات مع إسرائيل أخيراً إلى العناوين الأولى في وسائط الإعلام، ووصل الاهتمام بهذا الموضوع إلى ذروته بعد قضية عضو البرلمان توفيق عكاشة الصحافي الاستفزازي، لأنه تجرأ على الاجتماع علناً مع سفير إسرائيل في القاهرة د. حاييم كورين. وأثار الاجتماع عاصفة كبيرة في البرلمان المصري حيث ضُرب عكاشه بالحذاء في مطلع الأسبوع.
•قصة عكاشة حلقة في سلسلة أحداث تدل على توجه. فالتعاون الأمني الوثيق بين الدولتين في مواجهة خطر فرع تنظيم "داعش" في شبه جزيرة سيناء تم التطرق إليه بكثرة. ووفقاً لما كشفه موقع Ynet، فإن طائرات سلاح الجو المصري تحلق في الأجواء الإسرائيلية.
•ومع ما يعتبر في إسرائيل زيادة الدفء في العلاقات، هناك من يعتبر ذلك بالون اختبار من جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومحيطه، انطلاقاً من الاقتناع بأنه في مواجهة التطورات في المنطقة، فمن الصعب إبقاء وضع العلاقات بين الدولتين محصوراً في نقاش بين ضباط [مصريين] وجهات إسرائيلية.
•في آب/أغسطس 2015 حفلت وسائط الإعلام بتقارير مسهبة عن اكتشاف مخزون كبير من الغاز مقابل شواطئ مصر، لكن اتضح بعد أيام أن مصر بحاجة إلى وقت طويل كي تستطيع الاستفادة منه. في مثل هذا الوضع، فإن تصدير الغاز من إسرائيل إلى مصر هو خيار مهم للغاية. وإذا جرى في سيناريو افتراضي إقرار خطة الغاز ورغبت مصر التي هي بحاجة إليه في استيراده، فسيكون للرأي العام المصري أهمية كبيرة - ولا سيما في ضوء الغضب الذي ما يزال واضحاً ضد أحد وزراء النفط السابقين [حسين سالم المتهم ببيع الغاز إلى إسرائيل بأقل من سعره الدولي لقاء الحصول على عمولات مرتفعة] الذي يعتبر "خائناً" لأنه باع مقدرات مصر إلى إسرائيل.
•مع ذلك، يعرف عبد الفتاح السيسي أن الرأي العام المصري لا تزال تسيطر عليه القضية الفلسطينية. والرئيس المصري الذي سبق أن ذكر إنه يتحدث هاتفياً مع نتنياهو، قال في مقابلات سابقة صراحة إنه إذا قامت إسرائيل بخطوة في الموضوع الفلسطيني، فسيحدث انفتاح. هو لم يتحدث عن تسوية شاملة مع الفلسطينيين، إنما عن خطوة على الصعيد السياسي فقط.
•لا يفعل السيسي هذا حباً بإسرائيل بل لأنه يدرك مدى ترابط مصالح إسرائيل بمصالح مصر. وفي الشهر المقبل ستمر ذكرى 33 عاماً على اتفاق السلام بين البلدين، وهو يتضمن تعهدات لم تتحقق، تتعلق بالمشكلة الفلسطينية.
•يوجد بين الدولتين تطابق غير مسبوق في المصالح فرضه أعداء مشتركون: الخطر الإيراني من جهة والخطر الذي يمثله داعش و"حماس" من جهة أخرى. زلة لسان وزير البنى التحتية يوفال شتاينيتس التي قال فيها إن مصر أغرقت جزءاً من أنفاق "حماس" بطلب من إسرائيل، والتوضيح الغريب الذي طُلب منه أن ينشره بعدها، كشفا القليل مما يجري وراء الكواليس في العلاقات بين مصر وإسرائيل.
•يقوم مسؤولون إسرائيليون كبار بزيارات كثيرة إلى القاهرة، بينهم مبعوث نتنياهو يتسحاق مولخو وضباط كبار. وفي الفترة الأخيرة التقى الرئيس المصري السيسي وفداً ضمّ زعامات يهودية ترأسه مقرب من نتنياهو هو مالكولم هونلاين. ويمكن أن نضيف إلى ذلك الموافقات المتكررة التي تعطيها إسرائيل للمصريين من أجل استخدام قوة عسكرية كبيرة في سيناء في الحرب ضد "داعش"، وأحياناً من خلال غض النظر عن الملحق العسكري في اتفاق السلام.
•وكأن هذا لا يكفي، اذ تقوم إسرائيل بمساعدة مصر في واشنطن وفي الكونغرس من أجل إقناع الرأي العام بأن مصر تحارب الإرهاب، ومن أجل جعل واشنطن أكثر كرماً في ما يتعلق بالمساعدة العسكرية للنظام السياسي. في الفترة الأخيرة شدد وفد من لجنة الخارجية والأمن في الكنيست بزعامة رئيس اللجنة تساحي هنغبي أمام محاوريه في واشنطن على "بروز استعداد مصري لمواجهة حازمة ضد ولاية سيناء التابعة لتنظيم "داعش"، وضد تهريب السلاح إلى حماس وقطاع غزة". ويمكن أن نضيف إلى ذلك الرسائل التي بعثت بها القدس والتي أبدت فيها رغبتها في انضمام مصر إلى الحلف الإقليمي مع اليونان وقبرص.