من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•خلال معظم الحرب الأهلية في سورية- التي ستكمل في الشهر المقبل عامها الخامس- حافظت إسرائيل على سياسة واحدة تقريباً. الآن، وفي مواجهة الانتصارات التي حققها الأسد بمساعدة روسية وإيرانية، يبدو ان التوجه في التعاطي مع ما يحدث في سورية يوشك أن يتغير. وهذا التغير لن يترجم بخطوات عسكرية، لكن يبدو أن تقدم النظام ومؤيديه مقابل عدم المبادرة من جانب دول الغرب، يثيران قلق القدس وانتقاداتها.
•حتى الآن، كانت إسرائيل تتضامن كلامياً علناً مع معاناة الشعب السوري، وامتنعت عن اتخاذ موقف يؤيد أي طرف من الأطراف وحافظت على تدخل محدود نسبياً تركز على الدفاع عن مصالح تعتبرها حيوية بالنسبة إليها. فقد تعهدت الرد عسكرياً على كل هجوم على أراضيها (وفعلت ذلك في عدد من المناسبات).
•كما أعلنت أنها ستعمل على احباط تهريب السلاح المتطور من سوريا إلى تنظيم حزب الله في لبنان (بالاستناد إلى تقارير أجنبية، فقد فعلت ذلك مرات عديدة). وفي الوقت عينه قدمت إسرائيل مساعدة إنسانية إلى القرى في الجانب السوري من الحدود في الجولان. وفي المقابل حرصت المليشيات السنية المحلية على إبعاد التنظيمات المتطرفة عن المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، من حيث يمكن أن تبادر إلى شن هجمات ضد إسرائيل.
•عملياً، فإن الحرب في سورية خدمت إلى حد بعيد مصالح إسرائيل، من دون أن تضطر للعمل من أجل إلى تحقيقها بصورة فعالة. فالقتال المتواصل أدى إلى تآكل الجيش السوري إلى حد أن قدراته الأساسية أصبحت موضع شك، وجرى تفكيك الجزء الأكبر من مخزون السلاح الكيميائي الضخم الذي يملكه نظام الأسد بعد الاتفاق الأميركي- الروسي الذي فُرض على الطاغية السوري في صيف 2013. وحتى حزب الله، الخصم الأساسي الذي بقي للجيش الإسرائيلي في الساحة الشمالية، فإنه يوظف نحو ربع وحتى ثلث قواته النظامية في القتال إلى جانب النظام ويخسر في كل شهر عشرات المقاتلين في المعارك. يمتنع الناطقون الرسميون الإسرائيليون عن الحديث عن أشياء من الصعب قولها علناً، ولكنهم بهدوء تمنّوا النجاح للطرفين ولم يمانعوا في استمرار سفك الدماء المتبادل لعدة سنوات من دون حسم.
•حدث التغيير في سورية مع وصول الطائرات الروسية لمساعدة الأسد في نهاية آب/أغسطس الماضي وبدء قصفها العنيف منذ نحو شهر. وتُرجم هذا التغير منذ كانون الثاني/يناير بتقدم فعلي على الأرض، فالقصف الجوي الروسي ينهك المتمردين ويتيح للوحدات الضاربة في الجيش السوري المدعومة بمجموعات من الميليشيات الشيعية من أنحاء المنطقة، محاصرة مدينة حلب الواقعة شمال سورية حصاراً كاملاً تقريباً، والاقتراب من درعا جنوب سورية والتحضير لمهاجمة منطقة إدلب شمال – غرب سورية من جديد. وبالاستناد إلى شهادات من سورية، فإن بلدة الشيخ مسكين القريبة من درعا التي سيطرت عليها قوات النظام قبل بضعة أسابيع دمرت بالكامل من جراء القصف. وتشبه المشاهد هناك "العلاج" الذي استخدمه الروس في غروزني عاصمة الشيشان أثناء الحرب الأهلية.
•وفي ضوء هذه التطورات تقوم إسرائيل بتحديث مواقفها. لا يجري الحديث عن ذلك علناً كي لا نغضب الأميركيين مجدداً (لأن القدس تنتقد موقفهم المتردد) أو الروس (الذين ترغب القدس في مواصلة المحافظة على علاقات معقولة معهم). لكن على الرغم من ذلك، يمكن الإشارة إلى ثلاث رؤى أساسية: الأولى- انتصار الأسد سيكون أمراً سيئاً بالنسبة لإسرائيل لأن معنى ذلك نجاح حلفائه إيران وحزب الله؛ ثانياً- أن الأمر لم يحسم بعد، لأنه على الرغم من القصف الروسي والخلافات داخل صفوف المعارضة السورية، فإنها لا تزال بعيدة عن الاستسلام؛ ثالثاً - يجب على الغرب أن يستيقظ من جموده وأن يحاول تقديم المساعدة العسكرية الحقيقية لمَن تعتبرهم المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نوعاً من قوة ثالثة، أي تنظيمات من متمردين سنة أقل تطرفاً وميليشيات كردية، كي يقف هؤلاء في مواجهة النظام وضد تنظيم "داعش".
•في نظر إسرائيل سيعتبر انتصار الأسد نتيجة سيئة لأنه سيعزز موقع إيران الذي تحسن كثيراً منذ الاتفاق النووي في فيينا في تموز/يوليو الماضي وعملية رفع العقوبات وعودة الحرارة إلى العلاقات بين طهران والغرب. إن عودة سيطرة النظام على جنوب سورية، وخاصة على الحدود في هضبة الجولان حيث يسيطر المتمردون الآن على نحو 90% منه، سينشئ خط تماس بين إسرائيل وحزب الله وأعضاء الحرس الثوري الإيراني داخل أراضي سورية.
•وعلى الرغم من أن التقلبات في القتال في سورية كثيرة وأن توقعات الأجهزة الاستخباراتية ليست موحدة، يميل رجال المؤسسة الأمنية إلى افتراض أنه من المبكر إعلان انتصار الأسد في المعركة. والاستنتاج الأساسي هو أن وضع النظام أصبح مستقراً وأن احتمالات اسقاطه تضاءلت جداً ما دامت روسيا تقدم له مساعدة عسكرية كبيرة. لكن النظام ما يزال يسيطر عملياً على ربع المساحة الأصلية للدولة فقط، والمناطق التي استعاد سيطرته عليها في الفترة الأخيرة صغيرة نسبياً. وثمة شك في أن يكون الاستسلام مطروحاً كخيار من جانب معظم تنظيمات المتمردين التي شاهدت النظام ومؤيديه يقتلون مئات الآلاف من المواطنين من دون تردد.
•في مؤتمر الأمن في ميونيخ قبل أكثر من أسبوع قال رئيس الحكومة الروسية ديمتري مدفيديف إن الغرب بادر إلى حرب باردة جديدة على خلفية الخلاف في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على بلاده. والانطباع في إسرائيل أنه على الأقل في سورية، فإن هذه الحرب يديرها طرف واحد، وأن الغرب لا يبلور استراتيجية واضحة حيال التدخل العسكري الروسي، بل هو يركز على هدفين دفاعيين- كبح موجة اللاجئين إلى أوروبا ومنع عمليات إرهابية جديدة من جانب التنظيمات السنية الجهادية في دول غربية.
•الحجة الإسرائيلية ليست فقط أنه لا يزال في الامكان القيام بشيء ما في سورية، بل إن مثل هذا التدخل ضروري من أجل السماح ببقاء التنظيمات الأقل تطرفاً وكبح تقدم النظام ومنع صعود نفوذ موقع إيران في أنحاء المنطقة. وعلى الرغم من أن إسرائيل ستمتنع علناً عن الاشادة بالسعودية، لكن الخطوتين اللتين أعلنتهما السعودية في نهاية الأسبوع استقبلتا بارتياح في القدس.
•الخطوة الأولى تضمنت إلغاء مساعدة عسكرية تقدر بثلاثة مليارات دولار تعهدت السعودية بتقديمها إلى لبنان، بسبب العلاقة العميقة بين الجيش اللبناني وحزب الله، الذي يعمل إلى جانب إيران ونظام الأسد. والخطوة الثانية تتعلق بإرسال قوات سعودية خاصة ومن دول أخرى في الخليج، لمساعدة المعارضة السنية في سورية. والهدف المعلن هو تحسين القدرة العسكرية للمتمردين في الحرب ضد "داعش". لكن عندما يعلن السعوديون أنهم يريدون إرسال صواريخ مضادة للطائرات إلى سورية، فمن الواضح أنهم لا يقصدون سلاح جو غير موجود لدى "داعش". فالهدف هو تهديد التفوق الجوي الروسي في القتال وخاصة المروحيات الهجومية. وهذه خطوة امتنع الغرب عن اتخاذها، بسبب التخوف من مواجهة مباشرة مع روسيا.