التسلل إلى "قدس أقداس" الاستخبارات الإسرائيلية: أجهزة التجسس البريطانية والأميركية خرقت الإرسال المشفّر لمنظومة الطائرات من دون طيار الإسرائيلية (الحلقة 2)
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

•تشير وثيقة صادرة عن الاستخبارات البريطانية في سنة 2008 بحماسة، إلى أن "اختراق منظومة الطائرات من دون طيار الإسرائيلية كان أمراً لا بديل عنه من أجل فهم الجيش الإسرائيلي وعملياته، ونتيجة لذلك منحنا إمكانية فهم التطورات المستقبلية في المنطقة". وتشير الوثيقة إلى أنه "في أوقات الأزمات فإن هذا الخرق ذا أهمية حاسمة، وربما الوسيلة الوحيدة من أجل تقديم معلومات ودعم عمليات الولايات المتحدة وشركائها في الساحة". بالطبع لا تتطرق الوثيقة إلى كون إسرائيل هي أيضاً حليفة. 

•وتُظهر الوثائق أن الولايات المتحدة كرست في إطار عملية [التجسس] تلك، جهوداً كبيرة لمتابعة التحضيرات الإسرائيلية لمهاجمة إيران، كما تظهر أن التخوف الأكبر للولايات المتحدة كان أن تُقدم إسرائيل في ظل حكم نتنياهو على خطوات عسكرية كبيرة في المنطقة من دون التنسيق معها وتتسبب في حالة من عدم الاستقرار. في الشهر الماضي نشرت مجلة "ذي وول ستريت جورنال" أن الولايات المتحدة لم تتوقف عن التجسس على نتنياهو ومساعديه المقربين برغم قرار أوباما في أعقاب الكشف عن وثائق سنودن التوقف عن التجسس على زعماء أصدقاء. وتؤكد الوثائق التي جرى الكشف عنها الآن ما نشرته "ذي وول ستريت جورنال"، وتظهر أنه على الأقل ابتداء من سنة 2009، تجسست الولايات المتحدة بشكل متزايد ليس فقط على رئيس الحكومة ومجموعته المقربة، وإنما اهتمت أيضاَ بجمع معلومات حساسة جداً عن عمليات الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات في موضوعات حساسة للغاية.

•كانت التعليمات من قيادة لندن إلى العاملين في "Anarchist" "فوضوي" واضحة. ففي 28 تموز/يوليو 2008 على سبيل المثال جاءت تعليمات تقضي بمتابعة نشاط الطائرات الإسرائيلية من دون طيار في هضبة الجولان وقطاع غزة، والضفة الغربية، وحدود لبنان وسورية. وجاء في التعليمات: "من المهم العمل في هذه المناطق لتقدير أي نوع من العمليات [من المحتمل أن تقدم عليها إسرائيل]". وفي موضع آخر ورد أن العمل ضد الطائرات من دون طيار الإسرائيلية ضروري لإعطاء الأميركيين والبريطانيين إنذاراً بشأن "وقوع عمليات عدائية بين إسرائيل و"حماس". وقدرتنا على جمع معلومات ومتابعة هذه العمليات مهمتان جداً من أجل التحذير من هجوم مفاجئ أو هجوم انتقامي ضد إيران". بالإضافة إلى ذلك، جاء في الوثائق أن إسرائيل تُصدّر طائرات من دون طيار إلى دول عديدة مثل الهند، ولذا يجب متابعة عمليات وقدرات هذه الطائرات. لقد كان الأميركيون والبريطانيون مهتمين ليس لأسباب استخباراتية فقط، بل وربما أيضاً لاعتبارات تجارية لمعرفة أي نوع من الرادارات تحديداً مركب على الطائرات من دون طيار. 

 السلاح السري

•وفقاً لما نشره موقع "انترسبت" الأميركي، فإن الرقابة العسكرية في إسرائيل تفرض سياسة صارمة على ما ينشر محلياً في ما يتعلق بتقارير خارجية زعمت أن إسرائيل تستخدم طائرات من دون طيار تُطلق صواريخ وقذائف كجزء أساسي من خطتها للاغتيالات المحدودة في المناطق. هذه المرة يقدم ما نُشر أدلة قاطعة واردة في الوثائق الداخلية التابعة لعملية "Anarchist" وموثقة بالصور.

•في جزء كبير من الصور التي تنشر للمرة الأولى هذا الصباح، هناك صور التقطت بكاميرات طائرة "إيتان" التي هي من دون طيار أثناء الإقلاع والهبوط، تُظهر بوضوح صواريخ معلقة على جناحي الطائرة الضخمة، القادرة بحسب مواصفاتها على حمل عبوة إضافية يصل وزنها إلى طن. وهذه طائرة من دون طيار أكبر وأقوى من طائرة "ريفر" التي تعتبر الأكبر في الولايات المتحدة. وقد أكد بيتر فازمان، وهو باحث رفيع في معهد ستوكهولم للسلام لـ"انترسبت"، أنه من المحتمل أن تؤكد الصور أن هذه الطائرات من دون طيار تحمل قذائف.

•ويكتب واضعا التقرير كوراه كوريير وهنريك مولط: "إن هذه الوثائق تساعد في تأكيد ما كان منذ زمن طويل سراً معروفاً، على الرغم من رفض حكومة إسرائيل الاعتراف به: جيش الدفاع الإسرائيلي يستخدم طائرات من دون طيار مجهزة بالسلاح".

•لقد بيعت الطائرة من دون طيار"هرمس 450" إلى عدد من دول العالم، كما استخدمتها القوات البريطانية في أفغانستان، وحرس الحدود الأميركي في حدود المكسيك. وفي آب/أغسطس 2009 وثق الفنيون في "Anarchist" ارتفاعاً كبيراً في عمليات الطائرات من دون طيار قبالة قطاع غزة، قصفت خلالها إسرائيل أحد الأنفاق التي بنتها "حماس" على حدود مصر- إسرائيل، وقُتل في القصف ثلاثة نشطاء. لدى التدقيق في هذه الصور ذكر كريس وورس، وهو خبير ذو شهرة عالمية في مجال الطائرات من دون طيار، لموقع "انترسبت" أن "هناك احتمالاً كبيراً بأننا ننظر إلى أولى صور التي تكشف علناً للمرة الأولى طائرات من دون طيار مسلحة". ووفقاً لكلامه: "من المذهل أن يمر 12 عاماً منذ الهجوم الأول الذي كشفت فيه إسرائيل استخدامها طائرات من دون طيار في سنة 2004 حتى نشر هذه الصور". وجاء في وثيقة تابعة للاستخبارات البريطانية أن جهاز GCHQ يجمع بصورة دائمة "معلومات عن الطائرة من دون طيار هارون الحاملة للسلاح".

•لم يجر فقط فك رموز رسائل الطائرات من دون طيار واعتراضها وتوثيقها. ففي 3 كانون الثاني/يناير 2008، في اليوم الذي قامت فيه طائرات سلاح الجو بسلسلة هجمات ضد أهداف تابعة لـ"حماس" في قطاع غزة، لم يعرف الطيارون [الإسرائيليون] أن هناك من كان موجوداً معهم في قمراتهم. وكانت تلك هي المرة الأولى التي نجح فيها الأميركيون والبريطانيون في فك رموز شيفرة الإرسال في طائرات أف - 16 الإسرائيلية ورؤية ما يراه الطيارون. وفي النشرة الداخلية التابعة لـNSA بشّرت الوكالة قراءها القليلين في ذلك اليوم بفخر، بأن أعضاءها فكّوا الشيفرة ورأوا "هدفاً خلال هجوم". في ذلك النهار قُتل 9 فلسطينيين من جراء هجمات إسرائيلية في غزة.

•وتوثق الوثائق تفاصيل تقنية كثيرة تتعلق بالطريقة التي تلتقط الهوائيات في قاعدة قبرص ارسال الطائرات من دون طيار، وكيف ينسق العاملون هناك طريقة فك الرسالة بحسب نوع من يرسلها كي تُفك رموزها بالطريقة الأفضل. 

•في الفترة الأخيرة باعت الصناعة الجوية عدداً كبيراً من طائرات "هارون TP" لألمانيا. وذكرت مجلة "دير شبيغل" في عددها الصادر اليوم أن جهات في ألمانيا طلبت، في ضوء ما نُشر في الفترة الأخيرة عن فك شيفرة رسائل الطائرات من دون طيار، تفحص ما إذا كان قرار شراء طائرات من إسرائيل تحديداً صحيحاً، وأنه عملياً من الآن فصاعداً فإن أي عمليات ألمانية ستكون مكشوفة أمام أعين الأميركيين والبريطانيين. وأعلنت السلطات الألمانية رداً على ذلك أنها تنوي استخدام منظومة تشفير مختلفة.

 

•وتكشف وثائق عملية "Anarchist" أيضاً منظومة اعتراض رسائل لسلاح الجو التابع لحزب الله وسورية وإيران. فعلى سبيل المثال، جرت متابعة الطلعات التي أجرتها طائرات من دون طيار تابعة لحزب الله في أجواء سورية كجزء من المساعدة التي قدمها الحزب لنظام الأسد. وأتاحت هذه المراقبة من بين أمور أخرى الحصول على أدلة نادرة ومعلومات استخباراتية نوعية تتعلق بالمساعدة التي تقدمها إيران لقوات الأسد في سورية، وجرى نقل المعلومات فوراً إلى البيت الأبيض. وبعد مرور وقت قصير، تلقى العاملون في "Anarchist" إخطاراً من القادة في واشنطن بأن هناك "اهتماماً رئاسياً" بتكريس موارد واسعة لرصد المسّ بالسكان على يد القوات المشتركة بين حزب الله وسورية وإيران. وبعدها بفترة من الزمن سرّبت جهات أميركية لم تكشف عن هويتها لوسائل الاعلام، أن لدى الولايات المتحدة أدلة قاطعة على مساعدة إيران عسكرياً لسورية، الأمر الذي شكل حينها حدثاً دراماتيكياً. ويرد في تقرير الاستخبارات البريطانية سنة 2009 أن "لدى إيران صناعة طائرات من دون طيار متقدمة، وأن هذه التكنولوجيا جرى تصديرها إلى عدد من التنظيمات الإرهابية". 

 

 

المزيد ضمن العدد 2303