•في نهاية 2015 اتخذت قيادة تنظيم داعش في سورية قراراً استراتيجياً: لم تعد إسرائيل في نهاية قائمة الأهداف المباشرة للتنظيم، وإنما ارتفعت إلى موقع دولة ينوي داعش العمل داخلها وضدها في هذه السنة.
•ويفرض ذلك على أذرع الأمن، بما فيها الاستخبارات العسكرية، الاستعداد على نحو أكثر مما هو عليه الحال الآن، خصوصاً على الصعيد الاستخباراتي وعمليات الإحباط السرية، في مواجهة داعش في سورية وفروعه في سيناء وغزة وداخل أراضي إسرائيل، وخصوصاً في الضفة حيث تفوق شعبية التنظيم شعبيته في دول إسلامية سنية.
•في هذه الأثناء، ما يجري الكلام عنه هو مجموعة تهديدات مصورة وصلت من سورية ومن فرع داعش في سيناء. وكانت الذروة الخطاب الذي ألقاه زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في نهاية كانون الأول/ديسمبر وهدد فيه صراحة بمهاجمة إسرائيل في وقت قريب. على الصعيد العملي ليست هناك إنذارات ملموسة، لكن توجد دلائل غير قليلة تشير إلى نية داعش التحرك فوراً ضد إسرائيل انطلاقاً من منطقة الجولان السوري من خلال إطلاق القذائف، وعبر وسائل أخرى من داخل إسرائيل. وكانت مجلة "دابق" التي يصدرها داعش نشرت على الصفحة الأولى في أحد أعدادها الأخيرة، عشرة إنجازات بارزة للتنظيم في مجال الهجمات، يظهر بينها الهجوم الدموي الذي نفذه مواطن بدوي في إسرائيل، في المحطة المركزية في بئر السبع.
•هذا التحول في استراتيجية داعش حيال إسرائيل يعزز التقدير السنوي للاستخبارات العسكرية بأن الحدود، ومن ضمنها حدود الجولان، ستكون هذه السنة أكثر قابلية للانفجار من السابق. وهذا التحول هو نتيجة مباشرة للانجازات التي حققها التحالفان الروسي والأميركي ضد داعش. فخلال الشهرين الأخيرين خسر التنظيم نحو 30% من المناطق التي كان يسيطر عليها في العراق. ومن خلال سلسلة من الهجمات التي نفذها الجيش في العراق بمشاركة قبائل سنية وميليشيات شيعية، وبمساعدة غطاء جوي بصورة خاصة من الولايات المتحدة، جرى استرجاع بعض المدن المركزية مثل الرمادي وتكريت وبيجي وسنجار. وانسحب التنظيم من مناطق واسعة في غرب العراق، حيث كان يهدد من هناك الحدود مع الأردن.
•ويُسجل هذا الانجاز، بين عوامل أخرى، لثلاثة ألوية خاصة للجيش العراقي درّبها الأميركيون. فقد سيطرت هذه الألوية على الرمادي، وهي الآن في طريقها إلى الموصل، العاصمة العراقية لداعش.
•وفي سورية طُرد التنظيم من الحدود التركية في منطقة تل أبيض ومدينة كوباني، وتتركز حالياً الهجمات على الرقة عاصمة داعش في سورية، وعلى الحسكة جنوب الدولة. ونجحت القوات الكردية في قطع أتوستراد 47 الذي يربط عاصمتي داعش في العراق وسورية.
•وأدى القصف الجوي إلى انخفاض بنحو 50% في مداخيل داعش من النفط وفي ميزانيتها السنوية التي تقدر حتى الآن بمليار و300 مليون دولار. وهذه الميزانية أقل بمئات الملايين من الدولارات بالمقارنة مع ميزانيات السنوات السابقة. وفي الواقع شكل اغتيال وزير النفط في داعش قبل بضعة أشهر وضياع سجلاته، ضربة اقتصادية لم يتمكن التنظيم من التعافي منها.
•وعلى هذه الخلفية، سيحاول داعش الدعاية لمجموعة من النجاحات الاعلامية، تكبح الضرر المعنوي الذي لحق بفكرة الخلافة الإسلامية. ولهذا يستعد حالياً الائتلاف الغربي بقيادة الولايات المتحدة، والائتلاف الروسي الذي يشمل حزب الله وسورية وإيران، والائتلاف العربي بزعامة السعودية، للهجوم الذي قد يشنه داعش على صورة سلسلة من الهجمات الاستعراضية على أراضي السعودية، وعلى الجبهة الخلفية للجيش العراقي وفي سورية.
•هنا تدخل إسرائيل إلى الصورة. ففي إطار محاولة داعش استعادة اندفاعتها، تظهر إسرائيل على خارطة هجمات التنظيم. ومن الواضح أنه ليس هناك هجوم يمكن أن يثير الحماسة في العالم العربي، ويعبئ الجماهير، مثل هجوم استعراضي ضد إسرائيل. فلا غرابة، إذن، في أن ترى إسرائيل نفسها جزءاً من الجهد العالمي للقضاء على داعش. لكن من ناحية ثانية، فإن هذا الأمر يضعها أمام معضلة. فالقضاء على داعش في سورية يمكن أن يجعل محور حزب الله- إيران- سورية أكثر قوة في مواجهة إسرائيل. وعندما سينتهي العالم من مهمته في مواجهة داعش، سيختفي مجدداً من الأجواء، وسيظل تحالف الشر مشكلة لإسرائيل وحدها.