•هناك من يريد استخلاص نتائج عميقة بشأن طابع الإرهاب الفلسطيني انطلاقاً من السمة التي ميزت الهجومين اللذين وقعا في الضفة الغربية الأسبوع الماضي. مخربان يافعان لم يبلغا العشرين من العمر، وجدا ثغرة في سياج الدفاع وتسللا إلى مستوطنتين جنوبي الخليل. فبعد ظهر يوم الأحد الماضي تسلل مهاجم إلى عتنوئيل وقتل دفنه مائير أمام باب منزلها ونجح في الفرار، ولكن قوات الأمن ألقت القبض عليه فجر الثلاثاء. ويوم الاثنين تسلل مخرب إلى تكواع وطعن امرأة حامل، وأصيب بإطلاق النار عليه.
•ولكن في الحقيقة، هاتان الحادثتان لا تشيران إلى تبدل في التوجه أو تصعيد في الإرهاب الفلسطيني الذي من الصعب تبيّن مميّزات واضحة له، فموجة الإرهاب مستمرة منذ أربعة أشهر وهي تتخذ أشكالاً مختلفة. البداية المتفق عليها لهذه الموجة هي ما حدث ليلة رأس السنة حين قتل ألكسندر لفلوفيتس في القدس من جراء تعرضه للرشق بالحجارة. المشاركون في هذا الإرهاب شبان دون العشرين من عمرهم أحياناً، مثلما حدث هذا الأسبوع، وأيضاً بالغون لديهم عائلة. ورجال ونساء، جزء منهم أبناء وبنات عائلات قتل أحباؤهم أو أصيبوا في عمليات قامت بها إسرائيل. لكن هناك أيضاً آخرون ليست لديهم خلفية عائلية كهذه.
•ومن الصعب أيضاً تصنيف الأحداث جغرافياً. صحيح أن ثلث الحوادث وقع في منطقة الخليل، لكن جميع أنحاء البلد شهدت هجمات إرهابية مختلفة الأنواع، في مختلف أنحاء الضفة الغربية، وفي القدس الشرقية وداخل أراضي إسرائيل. معظم الذين قاموا بالهجمات داخل الخط الأخضر كانوا مقيمين غير قانونيين، ولكن على الأقل في حادث واحد – في تل أبيب – كان الذي نفذ الهجوم الارهابي، فلسطينياً في الثلاثينات من العمر، لديه عائلة، ويعمل بتصريح قانوني.
•السلاح المستخدم في الموجة الحالية هو سكاكين، سواطير، سيارات، زجاجات حارقة، حجارة، وسلاح ناري. ويوجد توزيع عمل واضح بين أجهزة الأمن العام (الشاباك) والشرطة: يعالج الشاباك أحداثاً إرهابية، وتعالج الشرطة ما يدخل في خانة "الأعمال المخلة بالأمن" مثل رشق حجارة، وتظاهرات وشغب. لكن في نظر المسؤولين، وحتى في نظر الفلسطينيين، لا يوجد فارق، وكل وسيلة من هذه الوسائل هي سلاح إرهابي يهدف الى قتل إسرائيليين وجرحهم وعرقلة الحياة وإثارة أصداء محلية أو دولية.
•هذا الأسبوع تحدث رئيس الأركان غادي أيزنكوت في مؤتمر معهد الأمن القومي بصراحة عن الإرهاب الفلسطيني إلى جانب أمور أخرى. فقال: "الذي ساعدني عندما كنت قبل عشرة أعوام قائد فرقة يهودا والسامرة هو نظرية إحباط الهجمات التي اعتمدت على تفوق استخباراتي"، والمقصود هم العملاء الذين جنّدهم الشاباك، وتسلل الشاباك إلى شبكات الإرهاب، واستخدام وسائل تنصت على الهواتف والحواسيب. وبهذه الطريقة جرى الحصول على معلومات عن خطط إرهابية شكلت إنذاراً وأتاحت إحباط هجمات. وفي الحالات التي لم يجر فيها منع الهجوم أتاحت المعلومات اعتقال المنفذين. وهذا هو التفوق الاستخباراتي الذي تحدث عنه أيزنكوت.
•"حماس" معنية بالمحافظة على الهدوء على حدود القطاع. منذ حرب غزة الثالثة (عملية الجرف الصامد) قبل عام ونصف العام، لم تطلق الحركة صاروخاً واحداً في اتجاه إسرائيل، وهي تبذل جهوداً لمنع التنظيمات الجهادية من إطلاق صواريخ ضمن اطار استعداداتها للجولة المقبلة وتعزيز قوتها العسكرية. وهي تفعل ذلك بمساعدة مالية من إيران، وتقوم بإنتاج صواريخ بعيدة المدى وأكثر دقة، وتحفر أنفاقاً. وإلى جانب ذلك تحاول "حماس" بواسطة ذراعها العسكرية في غزة وقادتها خارج البلد، اشعال الضفة الغربية من خلال استخدام أفراد وخلايا إرهابية. هناك هجمات وإطلاق نار في الموجة الحالية جرى بتشجيع من "حماس" وبتوجيهاتها. لكن النجاح كان محدوداً. وينجح الشاباك مباشرة أو غير مباشرة بواسطة التعاون مع أجهزة السلطة الأمنية في إحباط أغلبية هذه الأعمال.
•وضع السلطة الفلسطينية يبدو أكثر تعقيداً. فزعاماتها وفي طليعتهم الرئيس محمود عباس (أبو مازن) محبطة بسبب عدم حدوث تقدم في عملية السلام وبسب الشروط المسبقة التي تضعها حكومة إسرائيل لمعاودة المفاوضات، الأمر الذي يقودهم إلى استنتاج ان إسرائيل ليست مهتمة بتسوية.
•هذا الإفتراض بشأن رفض حكومة إسرائيل [للمفاوضات]، هو رأي الإدارة الأميركية أيضاً. ويُسمع صدى واضح لهذا التقدير في كلام سفير الولايات المتحدة في إسرائيل دان شابيرو، الذي انتقذ هذا الأسبوع عدم حدوث تقدم في تحقيق فكرة دولتين لشعبين.
•لكن برغم ذلك، فإن أبو مازن والسلطة لا يرغبان في انتفاضة شعبية كبيرة وشاملة. وبالتأكيد لا يريدان تكرار الأخطاء التي ارتكبها ياسر عرفات، الذي أمر قواته الأمنية سراً أو شجع بغمزة عين انضمامها إلى الثورة واستخدام اسلحتها. وعلى عكس مرحلة عرفات، فإن السلطة وأبو مازن لا يشجعان على الهجمات ولا يوجهانها، وهما يطلبان من أجهزتهما الأمنية مواصلة التعاون مع الجيش الإسرائيلي والشاباك؛ لكنهما أيضاً لا يتأسفان على إرهاب الأفراد ما لم يتوسع كثيراً.
•في الأسبوع الماضي اتهم رئيس الشاباك يورام كوهين السلطة أنها بأعمالها (دفع تعويضات لعائلات الإرهابيين) وكلامها، تحرض على الإرهاب وتشجعه. لكن في الشهر الماضي برز انخفاض في هذا التحريض، على الأقل في وسائل الاعلام التابعة للسلطة.
•وفي ضوء هذه الظروف، فإن قدرة الشاباك محدودة. فالاستخبارات لا تستطيع معرفة ما يحدث في رأس المهاجم الفرد. ووفقاً لأيزنكوت، منذ بداية موجة الإرهاب وقعت 101 حادثة طعن. وقال: "تكشف ظاهرة السكاكين عن مكون مهم اليوم في محاربة الإرهاب هو عدم وجود إنذار". وشدد رئيس الأركان: "اليوم يقع الهجوم عندما يستل المخرب سكينه ويركض نحو هدفه. وفي الأماكن التي تأخر ردنا ثواني معدودة دفعنا ثمناً دموياً".
•وبالاستناد إلى تقرير أخير للشاباك، شهد كانون الأول/ديسمبر 2015 انخفاضاً الى ما يقارب الثلث في عدد حوداث الإرهاب بالمقارنة مع تشرين الثاني/نوفمبر: 246 هجوماً (بينها 184 حادثة إلقاء زجاجة حارقة) مقابل 326 في تشرين الثاني/نوفمبر. وفي كانون الأول/ديسمبر قُتل ثلاثة إسرائيليين مقابل سبعة في تشرين الثاني/نوفمبر. لكن هذه إحصاءات مضللة تُذكر بحركة البورصة العالمية. ومثل الأسهم التي ترتفع وتنخفض، كذلك الإرهاب يشهد صعوداً وهبوطاً. لكن كما قال رئيس الأركان، فإنه ليس هناك للإرهاب الفلسطيني في إطاره الحالي تاريخ لانتهائه وسيستمر سنوات.
•أيزنكوت بصفته قائداً عسكرياً، يعترف بتقدم المستوى السياسي عليه، وليس مسموحاً له بالاختلاف مع سياسته والدخول في مواجهة علنية معه. وهو امتنع عن أن يقول علناً ما يقوله هو وكثيرون في قيادة الجيش والشاباك في أحاديث مغلقة.
•وفي تقدير هؤلاء، كان في الإمكان منع الإرهاب أو على الأقل تقليصه بصورة كبيرة لو كان للفلسطينيين بارقة أمل في مستقبل أفضل. ويرغب المستوى العسكري في رؤية المستوى السياسي يقوم بخطوات تهدّئ الساحة وتدل على رغبة إسرائيل في تسوية، وهكذا أيضاً يجري التخفيف من إحباط الزعامة الفلسطينية.
•وبينما يبدو أن نتنياهو يسير على غير هدى، لم يبق أمام المستوى العسكري إلا التصرف بصورة ناضجة ومسؤولة حفاظاً على سلامة الدولة، وأن يفعل كل ما هو متاح لمنع التدهور.
•وهكذا على سبيل المثال، ووفقاً لتوصية المؤسسة الأمنية، يواصل قرابة 120 ألف عامل فلسطيني العمل في مناطق الصناعة الإسرائيلية في الضفة والمستوطنات. وشدد أيزنكوت في كلامه على أن المؤسسة الأمنية تعزو أهمية كبيرة للتفريق بين الذين يقومون بهجمات إرهابية وسائر السكان الفلسطينيين. وهذا توجه جديد نسبياً بالمقارنة مع ما جرى في الانتفاضة الثانية عندما فرضت إسرائيل على جميع السكان الفلسطينيين عقوبات جماعية، ومن بين تلك العقوبات منع دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل. في رأي المؤسسة الأمنية اليوم، أن ذهاب الفلسطينيين يومياً إلى عملهم هو مصلحة إسرائيلية وعامل كبح. وأشار أيزنكوت إلى أنه "كان خطأ كبيراً فرض حصارات وإغلاقات، فهذا سيكون ضد المصلحة الإسرائيلية. وقال إن هناك حاجة إلى المحافظة على الأمل وسط السكان الفلسطينيين والسماح لهم بالارتزاق".
•على الأقل تقبل حكومة نتنياهو في هذه النقطة موقف الجيش الإسرائيلي والشاباك. لكن في أعقاب الهجومين في عتنوئيل وتكواع جمدت المؤسسة الأمنية موقتاً أذون العمل التي أعطتها للفلسطينيين الذين يعملون في المستوطنات. وهذا دليل على هشاشة الوضع. ويمكن افتراض أن وقوع هجوم إرهابي كبير يمكن أن يؤدي إلى إلغاء تلك الأذونات وتحويل أكثر من 100 ألف عامل إلى عاطلين عن العمل وهم يعيلون نحو نصف مليون شخص أو أكثر.
•حتى الآن قُتل في موجة الهجمات 29 إسرائيلياً وجرح قرابة 300 بينهم 25 أصيبوا بجروح بالغة. عدد القتلى بين الفلسطينيين هو قرابة 160 قتيلاً وأكثر من ألف جريح. يتعامل الإسرائيليون مع الإرهاب الفلسطيني في اطاره الحالي بصفته قدراً من السماء وليس بصفته (ولو جزئياً) من صنع البشر، وهم يعرفون أنه سيستمر زمناً طويلاً ويقبلون بذلك.