•إن الأخبار المنشورة في الأيام الأخيرة والتي تفيد أن إسرائيل وتركيا أقرب من أي وقت مضى إلى التوصل لاتفاق يفضي إلى تطبيع العلاقات بينهما، لا تبشر حتى الآن بإمكانية استئناف الحلف الاستراتيجي بين أنقرة وإسرائيل الذي كان قائماً قبل نحو عقد من السنين. والطريق إلى تسوية نهائية للخلافات بين الدولتين- سواء حول مسألة دفع تعويضات لأسر ضحايا السفينة التركية ["مافي مرمرة" التي هوجمت في طريقها] إلى غزة، أو حول مسألة دعم تركيا لحركة "حماس"- لا يزال مليئاً بالعوائق ويعتمد إلى حد كبير على الإرادة الحسنة والاستعداد السياسي من جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فبعد كل شيء، الجوانب التقنية للتسوية جرى الاتفاق عليها منذ مدة من خلال مفاوضين، وفقط القرار السياسي هو ما يؤخر تحقيق هذه التسوية.
•ومع ذلك فلا دخان من دون نار، وحقيقة أن التقارير تأتي على وجه التحديد من جانب تركيا تدل على أنه من الممكن أن يكون شخص ما هناك في النهاية أدرك حقيقة الأمر. فأردوغان هو الذي أعلن قبل نحو أسبوع أن تعزيز العلاقات بين أنقرة وإسرائيل حيوي لضمان استقرار المنطقة.
•وبطبيعة الحال للمسألة الاقتصادية أهمية بالغة للدولتين، ولا سيما أن تحسين العلاقات بينهما من شأنه أن يفسح المجال لشكل من أشكال التعاون في مجال قطاع الغاز: بيع غاز إسرائيلي لتركيا أو تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية. ومن شأن هكذا تعاون أن يثمر أرباحاً ضخمة لإسرائيل وتركيا على السواء.
•لكن يبدو أن الاعتبار الاقتصادي ليس هو ما يدفع تركيا إلى أحضان إسرائيل. إنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فمن جراء التدهور المتسارع والدراماتيكي في العلاقات بين أنقرة وموسكو، اضطر أردوغان إلى البحث عن حلفاء إقليميين يساعدونه في حماية مصالح تركيا الحيوية في مواجهة الضغط الروسي المتزايد.
•إن التوتر بين تركيا وروسيا يضع إسرائيل أمام معضلة غير سهلة. هل تنحاز بشكل صريح وواضح إلى أحد الجانبين وتعرض نفسها لخطر الدخول في أزمة مع الطرف الثاني؟ بل أكثر من ذلك، هل تستطيع الاتكال على أردوغان أو على بوتين في كل ما يتعلق بمصالحها البعيدة المدى؟ بناء على ذلك الإجابة واضحة: أنقرة وموسكو لا تسعيان لحماية المصالح الإسرائيلية أو دفعها قدماً، وهذا ليس شأنهما. ولكن في الوقت ذاته، هما ليستا دولتين معاديتين، وإنما دولتان يمكن ويجب الدخول في حوار معهما في محاولة للتوصل إلى أرضية مشتركة كافية للتعاون حتى لو كان تعاوناً تكتيكياً في نقاط محددة.
•وفي الحقيقة، ثمة شك في أن يكون أردوغان يريد حقاً إحياء الحلف الإسرائيلي- التركي، كما كان سابقاً وهناك شك في إمكانية التوصل مع تركيا إلى تفاهمات استراتيجية، على سبيل المثال بشأن الموضوع الفلسطيني أو مواضيع تتعلق بالتعاون العسكري والأمني على غرار التعاون المعهود في تسعينيات القرن الماضي. لكن للدولتين جملة من المصالح على رأسها كبح التوسع الإيراني في المنطقة. وروسيا على وجه التحديد هي التي تساعد إيران على تدعيم مكانتها في سورية والعراق. وعلى عكس تركيا، لا تدفع باتجاه إسقاط بشار الأسد، كما أنه لا مصلحة لها في أن تسيطر جماعات إسلامية بعضها مدعوم من أنقرة، على سورية. لكن ما هو أكثر أهمية هو أن إسرائيل مثل تركيا لا تريد أن يزداد نفوذ إيران في المنطقة أو يستعيد الأسد بدعم من إيران ومن حزب الله القوة التي كانت لديه في الماضي.
•وقصارى القول هو أن تركيا قوة إقليمية مهمة، فهي دولة عضو في حلف الناتو، وحليفة للولايات المتحدة، وشريكة لدول سنية معتدلة مثل المملكة العربية السعودية. وتبعاً لذلك، فلا ينبغي أن تشعر إسرائيل بأي معضلة عندما تعمل على تحسين علاقاتها بتركيا. وعليها أن تفعل ما يفعله بوتين وأردوغان: تعزيز مدروس لمصالحها. وبالتالي، فإن المصالحة الإسرائيلية - التركية خطوة إيجابية ومفيدة، لكن لا ينبغي أن نعلق عليها آمالاً مبالغاً فيها، وفي الأساس ينبغي أن نحرص على المحافظة على العلاقة مع روسيا، وتصريحاتها بخصوص التزامها تجاه إسرائيل مرغوبة وإن كانت أقل شأناً من ممارساتها الداعمة لبشار الأسد. وينبغي أساساً أن نأمل أن تتعافى واشنطن سريعاً وتعود للعب دور قيادي في المنطقة.