•نجاح السعودية هذا الأسبوع في تشكيل ائتلاف إسلامي لمحاربة الإرهاب الجهادي يثير الاعجاب بكل المقاييس. بالطبع يجب عدم الاستعجال في الحكم على هذا الأمر قبل أن نرى ما إذا كان هذا التحالف الذي من المفترض أن يكون مركز عملياته في الرياض، سيتحول إلى هيئة فاعلة وناجعة. لكن مجرد جمع السعودية على أراضيها مندوبي 33 دولة إسلامية، عربية وغير عربية، من آسيا وأفريقيا، والتوصل معهم إلى اتفاق وإعلان مشترك عن قيام تحالف لمحاربة الإرهاب الإسلامي المتطرف، هو بمثابة إنجاز دبلوماسي ذو أهمية عالمية.
•يشهد قيام التحالف على مكانة السعودية بوصفها زعيمة للتيار السني المعتدل في الإسلام بلا منازع وقوة عظمى إقليمية. وتعكس أهداف الصراع وتركيبة التحالف بدقة خريطة مصالح السعودية والدول الخليجية الأخرى. ولهذا لم تتم دعوة إيران إلى اجتماع الرياض ولم تصبح بالتالي عضواً في التحالف. وفي المقابل انضم لبنان إلى التحالف كدولة برغم أن أغلبية مواطنيه من الشيعة وأن حزب الله هو القوة السياسية والعسكرية الأقوى فيه. والسبب هو أن السعودية ما تزال على ما يبدو تأمل في إنقاذ لبنان من الوقوع تحت النفوذ الإيراني، ولأن لبنان يعاني من إرهاب داعش وتنظيمات سنية أخرى.
•في أي حال، ومنعاً لحدوث أي خطأ في فهم ما جرى، سارع ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي الشاب محمد بن سلمان (ابن الملك سلمان) إلى التوضيح في مؤتمر صحافي عقده بالأمس أنه يرى في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى شركاء مرغوب فيهم في الصراع، وأن هدف التحالف الجديد لن يقتصر على داعش والقاعدة فقط إنما سيشمل أيضاً حزب الله وتنظيمات ارهابية أخرى.
•ويقصد ولي ولي العهد النشيط، ومهندس التحالف الجديد بذلك أيضاً، "الإخوان المسلمين" الذين يعتبرون في السعودية ومصر حركة غير قانونية، ويقصد عملياً جميع التنظيمات الإسلامية السنية والشيعية التي تشكل تحدياً للأنظمة السنية المعتدلة والغرب وتؤذيها. ومن المثير للاهتمام أن السعودية أدخلت السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن الحالية عضواً في التحالف في حين أبقت حركة "حماس" خارجه.
•إن إعلان قيام التحالف يجب ألا يكون مفاجئاً. منذ نشوب الاضطرابات في العالم العربي في كانون الأول/ديسمبر 2010 بدأت السعودية في بناء مكانتها كقوة سياسية عظمى وكزعيمة عسكرية إقليمية ولاعب مركزي في الاقتصاد العالمي.
•واليوم تنتهج السعودية سياسة إقليمية مستقلة نشطة وحكيمة وعدائية تقوم على استخدام ذكي للبترودولار، ليس فقط لشراء كل ما تقع عليه يدها كما في الماضي، إنما كمحرك للضغط ووسيلة للإغراء السياسي، مما جعلها زعيمة للعرب بلا منازع في الفترة الحالية: فالمال السعودي يموّل الاقتصاد المصري، وهو بذلك يحافظ على بقاء حكم السيسي في مصر، ووُجهت الدعوة إلى حاكم السودان لزيارة السعودية، وبعد محادثات أجراها مع الأمير محمد عاد إلى الخرطوم وأعلن قطع علاقاته بإيران التي خسرت بذلك حليفاً سنياً مهماً لتهريب السلاح إلى "حماس" وسورية.
•وليس هذا كل شيء، فالملك سلمان وابنه محمد لا يترددان في إرسال قوات برية واستخدام سلاح الطيران للقتال في اليمن، بينما يهدد الإيرانيون من خلال عملائهم الحوثيين الحدود الجنوبية للمملكة والنظام السني للرئيس هادي. كما أرسلا لواءين مدرعين إلى البحرين، حيث يتعرض الحكم السني للخطر من جانب الأغلبية الشيعية من السكان التي تحرضها إيران.
•أيضاً على الصعيد الاقتصادي لم يعد السعوديون يلعبون دور المزود السخي بالطاقة للدول المتقدمة وخصوصاً الولايات المتحدة. وهم اليوم يستخدمون من دون قيود أسعار النفط كسلاح لمعاقبة روسيا على دعمها للأسد، ولإضعاف إيران عندما سترفع عنها العقوبات، وخصوصاً لطرد شركات النفط الأميركية من السوق المشبع حيث أسعار النفط والغاز في حال انخفاض كبير.
•هذا الانقلاب الحاد الذي طرأ على الاستراتيجية والسلوك السعودي لم يجر من خلال الرغبة في ذلك أو الإقناع، إنما جرى من خلال الضرورة القاهرة والإدراك بأنه ليس للسعوديين من يعتمدون عليه سوى أنفسهم. ومن المعلوم أن المصلحة المركزية للعائلة المالكة السعودية هي البقاء في الحكم. ويشكل هذا الهدف البوصلة والمصلحة العليا للأمن القومي الذي توجه جميع جهود النظام في السعودية للمحافظة عليه. وهذا هو السبب الذي جعل السعودية ترى في السعي الاستراتيجي لإيران للهيمنة الإقليمية، سواء بواسطة التخريب والارهاب أم من خلال امتلاك سلاح نووي، خطراً وجودياً تقريباً.
•وفي مواجهة التهديدات التي اعتبرت السعودية أنها معرضة لها من جانب المحور الراديكالي الشيعي بزعامة إيران، ظنّت السعودية في بداية 2011 أنه يمكن الاعتماد على حليفتها والقوة العظمى التي تعيش في كنفها أي الولايات المتحدة. لكن إدارة أوباما خيبت أملها، ومن وجهة النظر السعودية، ففي كل الأماكن التي كان التدخل الأميركي مطلوباً خيبت الإدارة الأمل. وفعلت ذلك عندما انسحب الجنود الأميركيون من العراق وتركوا السنة في غرب العراق فريسة لرئيس الحكومة الشيعي المالكي الذي أبعدهم من الحكم ومن الفوائد الاقتصادية. كما خيب أوباما الأمل عندما امتنع عن مساعدة المتمردين السوريين السنة (الذين تدعمهم السعودية)، وامتنع عن إسقاط نظام عائلة الأسد حتى بعد استخدام هذا النظام للسلاح الكيميائي.
•لكن الخطيئة الكبرى من وجهة النظر السعودية كانت الاتفاق النووي مع إيران الذي سيتيح لنظام آيات الله الشيعة بالحصول على سلاح نووي بعد 15 عاماً على أبعد تقدير، وتهديد العائلة المالكة به. ومن دون شك فإن خيبة الأمل من واشنطن هي السبب الأساسي لقرار السعوديين أخذ مصيرهم ومصير الأنظمة السنية بأيديهم.
•إزاء هذا كله، بات واضحاً لماذا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وكذلك أغلبية زعماء المعارضة في إسرائيل يعلقون، كما يبدو، آمالاً على علاقة وربما حتى تحالف مع السعوديين، سواء لوجود مصالح مشتركة في الصراع ضد تطلع إيران إلى الهيمنة الإقليمية وخطة برنامجها النووي، أو بسبب وجود مصلحة مشتركة في محاربة الارهاب الإسلامي المتطرف، وفي إمكان إسرائيل تقديم المساعدة على هذين الصعيدين، وأيضاً نحن بحاجة إلى شرعية دولية وإسلامية تستطيع السعودية أن تمنحنا إياهما.
•ويوجد حتى من يتسلى بفكرة أن السعودية في اطار خطة السلام التي قدمتها سنة 2002 [في مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في بيروت] ستقدم رعايتها وتشجيعها لتسوية دائمة للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. وهناك رأي بأن السعوديين مستعدون لغض النظر إذا قررت إسرائيل ذات مرة مهاجمة إيران.
•لكن السعوديين ليسوا مستعدين الآن ولن يكونوا مستعدين في المستقبل لعلاقة فعلية وعلنية وتعاون كامل مع إسرائيل ما لم يكن هناك اتفاق مع الفلسطينيين. المطلوب هو مؤتمر سلام برعاية السعودية، تقول مختلف الشخصيات السعودية المحترمة للإسرائيليين الذين يتحدثون معها. لكن يجب أن يكون واضحاً أن السعودية في مثل هذا المؤتمر ستدعم المطالب الجوهرية الفلسطينية وستقف صفاً واحداً مع الفلسطينيين حيال قضية حق العودة والحدود والأمن.
•لن يخاطر أي حاكم سعودي حذر بأن يوصم بأنه خائن من جانب "حماس" وداعش. لذا، مع الأسف الشديد، حتى فكرة التوصل إلى حل الدولتين مع الفلسطينيين برعاية القوة العظمى السعودية الآخذة في الازدياد، لا تعدو كونها وهماً تفاؤلياً. وما دام داعش موجوداً، فإن السعودية لن تكون وسيطاً نزيهاً بيننا وبين الفلسطينيين.