برغم التلاشي التدريجي لموجة الإرهاب فإن المشكلات التي أشعلتها ما تزال على حالها
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

المؤلف

•في الأسابيع الأخيرة كان مسؤولو الجهاز الأمني مقلين في كلامهم. صحيح أن نائب القائد العام للشرطة أجرى مقابلات قصيرة، وأن رئيس الأركان قال بعض الجمل، لكن التقديرات الشاملة والتفصيلية للوضع ظلت ضمن نقاشات مغلقة في الجيش والشاباك والشرطة.

•الأمر الأساسي هو التالي: موجة الارهاب الحالية في طريقها إلى التلاشي. ليس فوراً، لكن عملية الكبح واضحة حتى لو استغرقت مزيداً من الوقت. ويعود هذا إلى حجم القوات وأسلوب عملها، وإلى منع النشاطات السياسية حول جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]، وإلى نجاح إبقاء أغلبية السكان الفلسطينيين خارح دائرة العنف، وإلى الجهد الواضح الذي بذلته السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية. ولا يعني هذا أنه تم إيجاد حل لمنع كل هجوم منفرد - فالواقع يدل على ان العكس هو الصحيح - لكن إغراق المنطقة بقوات الأمن أدى في معظم الحالات إلى أن يستوعب رجال الشرطة والجنود عبء الهجمات، لأنهم يفصلون بين المخربين والمواطنين.

•الجانب السلبي للأمور هو أن كل هذا موقت. حتى لو جرى لجم الموجة الحالية في وقت قريب، فإن الوضع لن يعود بصورة كاملة إلى ما كان عليه قبل 1 تشرين الأول/ أكتوبر (تاريخ الهجوم الذي أدى إلى مقتل الزوجين هنكين، والذي يعتبر التاريخ الرسمي لبدء جولة التصعيد الحالية). ثمة شرخ أساسي طرأ على الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ليس على مستوى الشارع فحسب بل على المستوى التنفيذي أيضاً. التنسيق الأمني ما يزال قائماً لكن الشكوك كبيرة، ومن الصعب افتراض أن هذا التنسيق قادر على امتصاص كل الطاقة السلبية الموجودة على الأرض. 

•الأسوأ من هذا هو حقيقة أن العوامل الأساسية لم تتغير. لا العوامل التي أدت إلى نشوب موجة الإرهاب الحالية - التحريض بشأن المسجد الأقصى ومقتل عائلة الدوابشة في قرية دوما – ولا العوامل الأكثر أهمية وأساسها الجمود السياسي، والتيارات العميقة في المجتمع الفلسطيني في الضفة والقدس الشرقية، الذي يواجه الفقر والبطالة واليأس (إلى جانب العداء الدائم لإسرائيل). 

هناك قناعة داخل المؤسسة الأمنية بأن تغيير وجهة الأمور هو مصلحة إسرائيلية واضحة، وإنه يجب إعطاء الفلسطينيين عملاً وكرامة وأملاً. ولهذا لم يُفرض حصار على الضفة الغربية واستمر دخول البضائع إلى القطاع.

•ثمة شك في أن هذه الأمور ستقنع الجمهور الإسرائيلي. وحتى عدد من الوزراء ومن أعضاء الكنيست المطلّعين على ما يجري، على قناعة بأن الموقف الإسرائيلي انهزامي وضعيف ويجلب هجمات جديدة. لقد امتنعت عناصر أمنية رفيعة عن الدخول في مواجهة علنية، لكن من الصعب عدم الشعور باستهزائهم بالنقد الموجه إليهم. هذا الأسبوع قال مصدر رفيع: "لسنا مجموعة تخاف استخدام القوة. كل قيادة الجيش الإسرائيلي وجميع المسؤولين الكبار في الشاباك، وجميع مفوضي الشرطة هم الذين قضوا قبل عقد على الانتفاضة الثانية. نحن نعرف جيداً الوقائع، لكن يجب ألا نخلط الأمور: إن مهمتنا ليست قتل العرب كي يُصفق لنا، بل إعادة الهدوء كي يتمكن المستوى السياسي من اتخاذ القرارات من دون أن يكون تحت الضغط".

•هذه الأقوال تحظى بموافقة واسعة من جانب كل الجهات الأمنية ومن بينها وزير الدفاع، وهي مقبولة في أغلبيتها من جانب رئيس الحكومة (بالطبع إلى جانب الجهد المبذول من أجل التهدئة والامتناع عن استخدام القوة المفرطة من دون حاجة). وتعتقد هذه الأطراف أن المنتقدين، ولا سيما من اليمين، يعرفون هذه المعطيات وهم يختارون توجيه الانتقادات ليس لأسباب موضوعية بل لأسباب سياسية. فهم يدّعون أنه يجب قتل جميع المخربين- وهذا يتعارض مع أوامر الجيش والشرطة التي تحدد بأنه يجب القضاء على الخطر، وبدءاً من اللحظة التي تتم فيها السيطرة على المخرب، فإن المس به ممنوع وفقاً للقانون والأخلاق والقيم - وينطبق هذا على المطالبة بعملية "سور واق" جديدة علماً أنه ليس هناك أي شيء يقيد عمليات الجيش في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] (والدليل: خلال تشرين الأول/أكتوبر اعتقل 480 فلسطينياً في شتى أنحاء الضفة، بالمقارنة مع 170 معتقلاً في أيلول/سبتمبر الماضي).

خلاصة موقتة 

•يشكل مرور خمسة أشهر على موجة الإرهاب فترة زمنية كافية من أجل التوصل إلى خلاصات وتفحص توجهات. حتى مساء الأربعاء الماضي وقع 72 هجوماً، قتل من جرائها 10 إسرائيليين (يضاف إليهم مواطن إريتري ضُرب حتى الموت بعد الاشتباه  بأنه مخرب في بئر السبع)، كما قُتل 71 فلسطينياً (أغلبيتهم من المخربين الذين نفذوا هجمات). ويبلغ متوسط أعمار المخربين 20 عاماً ونصف العام، و94 % منهم من الرجال، وأغلبيتهم ليسوا من المتدينين ولا ينتمون إلى تنظيم معين.

•نحو 34 % من المخربين جاؤوا من منطقة يهودا (الخليل)، و22 % من القدس الشرقية، و16% من منطقة عتسيون (بيت لحم)، و12% من منطقة بنيامين (رام الله)، و6% من منطقة السامرة (نابلس) ومنشيه (جنين)، و4% منهم كانوا من سكان إسرائيل. 

•تشير هذه الأرقام إلى شيء يمكن أن نشعر به جيداً على الأرض، فإذا كانت الأسابيع الأولى اتسمت بالإرهاب الذي قام به سكان القدس الشرقية، فإن الأسابيع الأخيرة تشير إلى انتقال الهجمات إلى الضفة، وخاصة إلى منطقة الخليل، بينما تبدو العاصمة هادئة نسبياً، وهذا يرجع بصورة أساسية إلى العمليات الأمنية المكثفة في شرقي المدينة.

•ويظهر من تحليل العمليات أن أغلبية المخربين تصرفوا بصورة منفردة ومن دون تنسيق أو شركاء، وأن بعضهم كان يعاني من مشكلات شخصية ساهمت في اتخاذ قرارهم بشن هجوم. لكن الدافع بالنسبة لكثير منهم كان التقليد الأعمى، فهم أرادوا تقليد شخص رأوه أو سمعوا عنه في الأخبار. أغلبية المخربين من الخليل عملوا على المحور الذي يربط كريات أربع بحاجز الجلمة، وأغلبيتهم من قباطيا، ولهذا السبب أغلق الحاجز هذا الأسبوع يومين على أمل أن بضعة أيام من الهدوء من دون عناصر تستدعي المحاكاة، ستخفف من حوافز بعض المخربين للقيام بهجمات.

•وبعكس الارتفاع في عدد المخربين القادمين من الضفة الغربية، فقد سجل انخفاض في عدد الحوادث التي تدخل ضمن نطاق "المقاومة الشعبية". ففي الأسبوع الأول لموجة الإرهاب سجل 144 حادث رشق بالحجارة، وفي الأسبوع الثاني 111 حادثاً، وفي الثالث 69، وفي الرابع 65، وهذا رقم لا يتجاوز بكثير الرقم الذي سُجل في أيلول/سبتمبر الماضي.

•كما سجل تضاؤل واضح في الأعمال المخلة بالنظام من جانب الفلسطينيين. ففي الأسبوع الأول وقع 286 حادثاً مختلفاً من الأعمال المخلة بالنظام، و207 في الأسبوع الثاني، و177 في الثالث، و121 في الرابع. ولا يعود ذلك فقط إلى عمليات الجيش وأجهزة الأمن الفلسطينية (منفردة أوبالتنسيق)، بل يعود إلى حقيقة أنه برغم المستوى المرتفع للعنف، ففي جزء كبير من الحوادث لم يسجل وقوع العديد من القتلى نتيجة الاستخدام الحكيم للقوة من جانب الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي حال دون جنازات جماهيرية والمزيد من تأجيج المشاعر.

•وبرغم ذلك، فإن هذه الأرقام تنطوي على وهم، إذ يكفي وقوع هجوم كبير، أو أن يخرج حادث عن السيطرة من أجل اشعال المنطقة. ولهذا تواصل الشرطة الاحتفاظ بهذا العدد الكبير من قواتها في القدس، كما يحتفظ الجيش بقواته في الضفة، بما في ذلك في الأماكن المخترقة على خط التماس. والسؤال المطروح: ماذا سيجري بعد بضعة أسابيع إذا تبين خطأ التوقعات وأن العنف لم يتلاشَ؟ إن الشرطة بحاجة إلى تجديد صفوفها، كما يحتاج الجيش إلى تسريح فرق احتياط وهذا سيستوجب تغيير خطة العمل وتعبئة الاحتياط، الأمر الذي سيكلف مبالغ غير ضئيلة.  

 

 

المزيد ضمن العدد 2248