أبو مازن يحرّض بيد ويكبح بأخرى
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

– الموقع الإلكتروني
المؤلف

•يبدو أننا نشهد ظاهرة تنفرد بها موجة ال‘رهاب الحالية، ففي موازاة الأطراف الضاغطة والقوية التي تؤجج موجة الطعن، هناك أطراف كابحة شديدة القوة تعمل على منع التصعيد. وهذه ظاهرة غريبة، فأغلبية الأطراف التي تحرض على الارهاب وتشجع على عمليات الطعن والدهس في الشوارع، هي أيضاً التي تعمل بكثافة وبإحكام لمنع التصعيد. وهذا الانفصام العبثي هو الذي منع موجة الارهاب من التحول إلى انتفاضة حقيقية.

•ثمة ظاهرة أخرى تستحق الانتباه هي الهلع الذي يظهره الناس في الشارع الإسرائيلي، وهذه الظاهرة تحديداً هي المكافأة التي يحصل عليها من يقوم بالطعن والدهس، ويدفع فلسطينيين آخرين إلى محاولة تقليد نجاحات الذين سبقوهم. 

•كذلك، فإن الفيسبوك وتويتر وإنستغرام التي تحول المهاجم إلى بطل ديني مشهور، هي المكافأة التي لم يحلم بها الجهاديون في الماضي. اليوم، الذي يقوم بالطعن سواء قُتل أم جرح أم خرج من دون أي أذى، يتحول فوراً إلى بطل. وهذا يشجع شبان غاضبين آخرين على الخروج إلى الشارع بحثاً عن جندي أو مستوطن، أو أي يهودي كي يصبوا جام غضبهم عليه ويتحولوا ليس فقط إلى شهداء بل إلى أبطال على شبكات التواصل الاجتماعي.

•هذا هو وجه موجة الإرهاب الحالية التي لها ميزاتها الخاصة. فهي لم تتوقف ولا يبدو أنها تبددت، فيومياً هناك هجوما طعن أو ثلاثة أو محاولات طعن، وفي أوقات متباعدة تقع هجمات دهس. من ناحية أخرى، الدافع الديني تراجع، والاحتكاك مع المستوطنين في الخليل، إلى جانب الخوف الذي يظهره الشارع الإسرائيلي، هما ما يبقي مستوى العنف ثابتاً أكثر أو أقل، خاصة في منطقة الخليل – كريات أربع وغوش عتسيون.

•إن هجمات الطعن التي حدثت بالأمس في إسرائيل لا تخرج عن هذا النطاق، فالمخرب الذي طعن أمس في ريشون لتسيون شخصين هو شاب من الخليل. والهجوم في نتانيا الذي وقع بعد 3 ساعات هو نتيجة تقليد هجوم الطعن في ريشون لتسيون. وحقيقة أن الهجومين وقعا داخل إسرائيل ضمن حدود الخط الأخضر، تظهر تحولاً في النمط الثابت لهذه الموجة من الارهاب التي بدأت في الشهر الأخير.

•وكما سبق، فإن الأطراف التي تؤجج النار هي التي تكبح. والطرف الرئيسي بينها  هو "حماس" التي تواصل الدعوة إلى أيام غضب وتدعو الجمهور الفلسطيني إلى انتفاضة شعبية شاملة، لكنها في الوقت عينه تكبح بيد من حديد الشبان الغزاويين الذين يستفزون الجيش الإسرائيلي على السياج الحدودي، وتحرص على عدم خروج الأمور هناك عن السيطرة. وإصابة شابين أو ثلاثة من غزة بجروح يومياً عدد يمكن احتماله من جانب "حماس" في غزة.

•تحرص "حماس" على عدم اقدام التنظيمات "المارقة" على اطلاق صواريخ. أحياناً يفلت صاروخ من تحت أنظار مسلحي "حماس" في غزة، لكن الحركة تحرص بمساعدة الجهاد الإسلامي وتنظيمات أخرى على عدم تصعيد العنف في الشارع. لكنها في موازاة ذلك، تحرّض على العنف الشديد في الضفة، فهي تريد نشوب انتفاضة شاملة هناك ومسلحة إذا كان هذا ممكناً.

•كما أن أبو مازن والسلطة الفلسطينية وحركة "فتح" هم من الأطراف التي تعمل على التأجيج والكبح. تقوم وسائل الاعلام الفلسطينية الرسمية بالتحريض من دون توقف، وحتى أبو مازن كانت له اطلالات لا تُنسى مثل الرواية الملفقة عن الفتى ابن الـ13 عاماً الذي قال عنه إنه قتل وكان في ذلك الوقت موجوداً في مستشفى هداسا. لكن أبو مازن نفسه الذي يتحدث عن اليهود الذين دنّسوا حرمة المسجد الأقصى، يعمل بحزم من وراء الكواليس من أجل منع التصعيد.

•العامل الثالث المهدئ هو سياسة الحكومة التي تتسم بضبط النفغس، والتي يطبقها الجيش بهدف وقف الإرهاب وردعه - بما فيها أوامر فتح النار التي تسمح بقتل كل مخرب يحمل سكيناً- وفي الوقت عينه الامتناع عن المس بوتيرة الحياة اليومية للفلسطينيين. إن الذي يقود هذه السياسة هو وزير الدفاع موشيه (بوغي) يعلون، ورئيس الأركان غادي إيزنكوت اللذان يطالبان عن حق بضرورة التفريق قدر المستطاع بين الارهابيين الذين يجب ضربهم من دون هوادة، والسكان الذين لا يشاركونهم ولا يساعدونهم. فالهدف النهائي هو العودة إلى وضع من الهدوء النسبي. 

•وفي إطار هذه السياسة جرت اعادة جثامين المخربين الذي قاموا بالطعن من الخليل انطلاقاً من افتراض تبين لاحقاً أنه خطأ، بأن الفلسطينيين سيحترمون تعهداتهم وسيمتنعون عن تحويل مراسم الدفن إلى تحريض وتأجيج للعنف، وأن البادرة الإنسانية ستشجع على الهدوء. لقد جرى هذا في أماكن قليلة، لكن في الخليل أقامت السلطة مع "فتح" و"حماس" مراسم دفن رسمية من شانها أن تشكل إلهاماً للشبان للقيام بهجمات جديدة. وشكل هذا عثرة، ونأمل أن تكون المؤسسة الأمنية وكذلك المجلس الوزاري المصغر قد تعلما الدرس، إذ يجب اعادة جثامين المخربين من خلال اتفاق عام وليس تحت ظل موجة ارهاب. 

•هناك تطورات قد تدل على تحول سيئ. ففي الأمس خرج مسؤولون كبار في "فتح" بنداءات نضالية ودعوا الجمهور الفلسطيني إلى المشاركة بكثافة في انتفاضة شعبية شاملة. والمقصود هنا أشخاص بعضهم من المساعدين المقربين من أبو مازن وشخصيات مهمة في "فتح". وهم لم يدعوا إلى انتفاضة مسلحة واستخدام السلاح الناري، لكنها المرة الأولى التي تنضم فيها أطراف فلسطينية رسمية إلى "فتح" في دعوة الفلسطينيين الى انتفاضة ثالثة.

•قال أبو مازن في الأسابيع الأخيرة علناً وأكثر من مرة إنه يعارض ذلك، ومن المحتمل أن تكون هذه الدعوات تحدّ من جانب أعضاء في "فتح" ضد زعامته المتهاوية. على أي حال، إذا تجاوب التنظيم مع هذه الدعوات التي تبث من خلال التلفزيون الفلسطيني الرسمي، فقد نجد أنفسنا أمام وضع جديد تماماً، أي انتفاضة مسلحة ثالثة بكل خصائصها القاتلة.