المقدم رون تيرا: "جدران دفاعية وضربات بعيدة المدى": مفتاح إسرائيل في الفوضى الإقليمية
المصدر
The Jerusalem Post

صحيفة يومية تصدر باللغة الإنكليزية، تأسست في سنة 1933، وكان اسمها في البداية "فلسطين بوست" إلى أن غيّرته في سنة 1950 إلى جيروزالم بوست. تصدر عنها نسخة باللغة الفرنسية. حتى الثمانينيات من القرن الماضي، انتهجت خطاً يسارياً، وكانت قريبة من حزب العمل الإسرائيلي، لكنها غيّرت توجُّهها وأصبحت قريبة  من اليمين، ومن الوسط في إسرائيل.

المؤلف

•إن أفضل طريقة بالنسبة لإسرائيل للنجاة من العاصفة الإقليمية يكمن في اعتماد استراتيجيا "سور" دفاعية، مدعومة بقدرة معزّزة على تسديد ضربات بعيدة المدى، والتعاون مع القوى والممالك العربية التي تنجح في البقاء. هذا ما قاله ضابط سابق في الاستخبارات والعمليات لـ "جروزالم بوست" يوم الثلاثاء الماضي.

•إنه المقدم رون تيرا، ضابط في الاحتياط في شعبة تخطيط الحملات في سلاح الجو الإسرائيلي، وهو مؤلف كتاب "طبيعة الحرب"، وقائد طائرة مقاتلة سابق لديه أكثر من 30 عاماً من الخبرة.

•قال تيرا إن نظام اتفاقية سايكس- بيكو والدول العربية يواصل الإنهيار على امتداد قسم كبير من منطقة الشرق الأوسط، بينما تستغل إيران المعادية هذا الوضع لتوسيع نفوذها في مناطق تلامس مباشرة حدود إسرائيل. واللاعبون العرب غير الدولتيين، الذين لدى معظمهم أجندة جهادية راديكالية، ليسوا متأخرين كثيراً [عن اللحاق بإيران]، في ملء الفراغ [السياسي والأمني] كذلك.

•وأضاف تيرا: "إن البيئة المحيطة بنا آخذة بالتبدل بشكل أساسي، وهناك بلدان عديدة كانت تثير قلق إسرائيل قد اختفت، أو هي على طريق الاختفاء، أو هي معرضة لهذا الخطر. هناك فراغ يتكوّن من حولنا. ولقد دخل لاعبون جدد إلى هذا الفراغ- بعضهم بعيدون، لكنهم أقوى بكثير من اللاعبين القدامى؛ فإيران أقوى بكثير من سورية".

•ألّف تيرا مؤخراً بحثاً لمعهد دراسات الأمن القومي (INSS) يحذر فيه إسرائيل من التورط في مغامرات مكلفة، الغاية منها محاولة القيام بـ "هندسة سياسية" لمناطق عربية.

•لكنه أيضاً دعا إسرائيل إلى ضمان قدرتها على القضاء عسكرياً على تهديدات ملموسة وناشئة، على مقربة من حدودها وأبعد منها – ومن ضمنها أهداف داخل إيران - بواسطة ضربات حازمة. كما كتب أنه ينبغي أن تبقى إسرائيل مستعدةً لخيار شن حملة عسكرية موجّهة ضد إيران بشكل مباشر.

•حذّر تيرا في بحثه قائلاً إن إسرائيل ليس لديها موارد كافية للدخول في هندسة سياسية، أو قولبة حقائق في مناطق عربية خارج حدودها، على الرغم من أن هذه المناطق يجري اختراقها من قبل إيران، ووكلائها، ولاعبين [مسلمين] سُنّة غير دولتيين.

•وأضاف: " ينبغي أن تتعاون إسرائيل مع أي جهة كانت لكبح الصدمات، ولتعميق نزول إيران في امتدادها المفرط. كما ينبغي، وبشكل روتيني، أن تستخدم إسرائيل القوة العسكرية بشكل متواضع، في سبيل إحباط تهديدات ملموسة منتقاة في مناطق حيث هناك لإسرائيل مصالح حيوية".

•"إن تعمّق التغلغل الإيراني في مناطق عربية، التي لإسرائيل فيها مصالح حيوية، فضلاً عن التهديد النووي، يلزم إسرائيل ببناء القدرة العسكرية من أجل إظهار القوة، وبل من أجل احتمال شن حملة عسكرية واسعة ضد إيران".

•ينبغي أن تكون لإسرائيل القدرة على تحقيق "تأثير منفرد" على برنامج إيران النووي، الذي لا يزال يشكل تهديداً هائلاً، بغض النظر عن الصفقة الدبلوماسية التي يجري التوصل إليها من قبل المجتمع الدولي.

•وفي الواقع، وبحسب الحجة التي يسوقها تيرا، أخطأت إسرائيل في توقيت كيفية إدارة تدويل الملف النووي الإيراني. فقد أدت خطواتها إلى خسارة التأثير على النتيجة النهائية للأزمة، وأفضت إلى وضع يد "دبلوماسيين ينفرون من المخاطر ولديهم مصالح أقل" على هذا الملف.

•وقد تكون الولايات المتحدة حالياً تسعى إلى عقد صفقة كبرى مع إيران من شأنها أن تخفق في التعامل مع التهديد النووي، وأن تضع إيران في موقع شريك إقليمي أقوى مما كان عليه.

•وفي ظل هذا الواقع الجديد، على إسرائيل أن تتعاون مع جهات فاعلة إقليمية للحد من هيمنة إيران، والتأكد من أنها تستطيع إظهار قوة مباشرة ضد إيران – وليس فقط ضد وكلائها - وتطوير القدرة على القيام بحملة عسكرية شاملة ضدها.

•وإذا اتضح أن الولايات المتحدة تصرّ على تجاهل مواقف إسرائيل بشأن برنامج إيران النووي، فلن يكون لديها خيار سوى البحث عن الظروف والوسيلة التي تمكنها من إحراز تأثير أحادي الجانب فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي.

•لقد أوجد تفكك النظام الدولتي العربي تحدّيين لإسرائيل: عدم استقرار على حدودها، وتمكّن إيران، مباشرة وغير مباشرة، من التغلغل في مناطق متاخمة لحدود إسرائيل.

•ومع ذلك، يجب ألاّ تشارك إسرائيل في "اللعبة الكبيرة" الدائرة في منطقة الشرق الأوسط، أي، بكلام آخر، الاستيلاء على مناطق نفوذ ومواطئ قدم.

بيد أن "اللعبة الكبيرة" قد تصل إلى مناطق قريبة من إسرائيل لديها فيها مصالح حيوية. وفقاً لذلك، لا يسع إسرائيل أيضاً أن تغضّ الطرف عن التطورات الناشئة خارج حدودها. وبحسب ما كتب تيرا، فإن "التعاون الإقليمي مع أكبر عدد ممكن من اللاعبين هو مفتاح هذه الاستراتيجيا، حتى لو تبين أن الكثير من هذه العلاقات هي مؤقتة، وهشة، وسرية". وينبغي على إسرائيل "بالتأكيد أن تواصل التعاون مع مصر (فيما يتعلق بقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء، ومصالح مشتركة أخرى)، وأن تساهم في الحفاظ على أمن الأردن في مواجهة تهديدات داخلية وخارجية، والاستفادة القصوى من مصالح مشتركة مع المملكة العربية السعودية. وينبغي أن تسلّح وتشارك في تمويل مجموعات إثنية مثل: الأكراد، الدروز، وغيرهم."

•علاوة على ذلك، هناك إمكانية لتحقيق توازن، حتى لو كان موقتاً وهشاً، مع جماعات محلية مثل "جبهة النصرة" في جنوب مرتفعات الجولان السورية.

فبالنسبة لكل من إسرائيل وجماعة "جبهة النصرة" المحلية، يبدو أن ما هو أكثر أهمية هو منع إيران وحزب الله من إقامة موطئ قدم لهما في هذه المنطقة؛ وبالتالي من الممكن على الأقل التوصل إلى حالة من التجاهل المتبادل [مع جبهة النصرة]. ويعترف تيرا بأن هذا الترتيب قد يكون "هشّاً ومعرضاً للتداعي في أية لحظة، ولكنه مع ذلك سيكون فعالاً  كإجراء موقت يحقق الاستقرار.  

•وعلى إسرائيل أن تجري تقييمات وحسابات أمنية مستمرة لمواكبة التغيرات الإقليمية: "فإذا هدّد تنظيم الدولة الإسلامية، مثلاً، بالتمركز في مرتفعات الجولان السورية، قد يكون تواجد حزب الله هناك أفضل في الواقع. ومع أن حزب الله يشكل قوة أكثر تهديداً، إلا أنه يمكن أن يكون شريكاً ملائماً أكثر في تشكيل قواعد لعبة متّفق عليها. وفي محيط غير مستقر، لا يسعنا الافتراض أن خطوةً من هذا النوع سوف تنتج واقعاً ثابتاً ومستقراً؛ ومع ذلك، فإن سلسلة من التدابير الموقتة قد تساعد على ركوب أمواج الاضطرابات".

•وأضاف تيرا: "إن حزب الله، من جانبه، آخذ بالتوسع، متخطياً نطاق منظمة حرب عصابات، وبدأ يكتسب قدرات دولة قوية. واليوم، بإمكان حزب الله العمل انطلاقاً من عمق أراضيه، والتي أصبحت تمتد في العام 2015 إلى مناطق أوسع من مجرد لبنان. ولذلك، فإن حملة عسكرية ضد حزب الله سيكون لها انعكاسات جديدة من حيث حجم مسرح القتال، والحدود، والتهديد الذي يمثله هذا التنظيم لإسرائيل".

•ويلتفت تيرا إلى القضية الفلسطينية في حقبة ما بعد سايكس- بيكو، فيقول: "إن صعود قوى عربية معادية للدول بالإضافة إلى الهيمنة الإيرانية يعني أن إسرائيل والأنظمة العربية الباقية أصبحت متقاربة، وأن حلاً للمشكلة الفلسطينية لم يعد شرطاً مسبقاً للتعاون مع القوى العربية."

•علاوة على ذلك، مع انقسام الفلسطينيين إلى كيانين، واحد بقيادة حركة فتح وآخر بقيادة حركة "حماس"، ومواصلة تنظيم الجهاد الإسلامي العمل كوكيل لإيران، فإن "فكرة إمكانية جمع الفصائل الثلاثة المتعادية، والتي لديها أجندات متناقضة، مع عناصر فلسطينية محلية قوية، ضمن دولة متماسكة ومستقرة وساعية إلى السلام، (تبدو) بعيدة كل البعد عن الظروف العملية.

•فقد فشل الانسحاب من قطاع غزة عام 2005، والحروب الثلاثة التي تلته، والتي كلفت إسرائيل أرواح جنودها، وأكثر من 20 مليار شيكل، في إزالة التهديد من قطاع غزة. 

•ويخلص تيرا إلى أنه ينبغي ضمان عدم السماح بظهور تهديدات مماثلة في الضفة الغربية. ويقول التالي:

"ينبغي أن ترتكز الاستراتيجيا الإسرائيلية المستقبلية على منع أحادي الجانب لبروز تهديدات بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن- وليس على المجازفة والتعامل مع التهديدات بعد بروزها." 

•ومع ذلك، فهو يؤكد أنه لا ينبغي أن تتخلى إسرائيل عن هدف حلّ الدولتين في المدى البعيد. فقال محذراً: "لا يستطيع المرء أن يتجاهل أن المسألة الفلسطينية ما زالت تعكر صفو العلاقات مع الغرب، وأنها تكلّف إسرائيل ثمناً متزايداً. فالمستوطنات، التي يُنظر إليها على أنها تحبط إمكانية التوصل إلى ترتيب سياسي مستقبلي، يمكن أن تؤدي إلى تمدّد إسرائيلي مفرط، وإلى التسبب بدفع ثمن سياسي واقتصادي غير متناسب [مع وجود هذه المستوطنات].

 

•وبالتالي، ينبغي أن تطرح إسرائيل الهدف البعيد المدى بشأن إقامة دولة فلسطينية، وأن تضفي عليه مصداقية من خلال وقف البناء الاستيطاني، بشكل غير مشروط، ومن جانب واحد. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تعترف إسرائيل بأن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه في الواقع الحالي.