من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•نشرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أمس الأول [الأربعاء]، تفاصيل تتعلق بالبنية العسكرية لحزب الله وكيفية انتشارها داخل القرى الشيعية في الجنوب اللبناني، وذلك بالاستناد إلى ملخص حصلت عليه من ضباط في الجيش الإسرائيلي، وألحقته برد من جانب أطراف على علاقة بحزب الله تملص فيه من الموضوع، لتخلص الصحيفة إلى أنها غير قادرة على أن تحسم، بتجرد، بخصوص مدى صحة الادعاءات الإسرائيلية.
•وفي السياق عينه، عرضت الصحيفة أرقاماً وخرائط وصوراً جوية، حصلت عليها من الجيش الإسرائيلي، لقريتين متجاورتين في القطاع الأوسط من الجنوب اللبناني، هما محيبيب وشقرا. ففي القرية الأولى، كشفت الاستخبارات الإسرائيلية وجود تسعة مخازن للسلاح، وخمسة مواقع لإطلاق الصواريخ، وأربعة مواقع لسلاح المشاة، وثلاثة مواقع للصواريخ المضادة للمدرعات، وثلاثة أنفاق، بالإضافة إلى قيادة لحزب الله، وهذا كله في قرية لا يتجاوز عدد منازلها الـ90 منزلاً. أمّا في القرية الثانية [شقرا]، والتي يبلغ عدد سكانها نحو 4000 نسمة، فيقول الجيش الإسرائيلي إنه نجح في كشف ما لا يقل عن 400 موقع عسكري على علاقة بحزب الله. وذكرت إيزابيل كيرشنر، مراسلة الصحيفة في إسرائيل، أن الأخيرة حددت آلاف من الأهداف التابعة لحزب الله في الجنوب اللبناني.
•وبحسب كريشنر، تستعد إسرائيل لما تعتبره مواجهة مستقبلية "حتمية" مع حزب الله، الذي، وفقاً للجيش الإسرائيلي، حسّن بصورة كبيرة من قوة النار والتدمير التي لديه وأنشأ منظومات عملياتية متشعبة في الجنوب اللبناني من خلال استخدام المدنيين اللبنانيين هناك دروعاً بشرية.
•وعلى الرغم من أن الإسرائيليين الذين حاورتهم المراسلة لا يعرفون متى ستنشب الحرب ونتيجة أي ظروف، فإنهم يتحدثون بصورة واضحة وجلية عن انعكاساتها المتوقعة. ففي حال نشبت الحرب، لن يتردد الجيش الإسرائيلي في مهاجمة أهداف وسط المدنيين، الأمر الذي سيؤدي إلى مقتل الكثيرين من اللبنانيين المدنيين.
•ورأى ضابط في الجيش الإسرائيلي رفض الإفصاح عن اسمه، في مقابلة أجرتها معه الصحيفة، أن ما سيحدث لا يجب أن تتحمل مسؤوليته إسرائيل لأن هؤلاء "المدنيين يسكنون في منطقة عسكرية"، لافتاً إلى أن إسرائيل ستضرب حزب الله بشدة، وستبذل جهدها لعدم المس بالمدنيين اللبنانيين. وأضاف "لن نقف مكتوفي الأيدي في مواجهة الهجمات الصاروخية."
•وتضيف الصحيفة أن حزب الله، وفي إطار تطبيق دروس حرب لبنان الثانية في صيف سنة 2006، نقل "محمياته الطبيعية" ومواقعه العسكرية في الجنوب من المناطق الزراعية المفتوحة إلى قلب البلدات الشيعية بالقرب من الحدود مع إسرائيل. وهذه المعلومات بحد ذاتها قديمة جداً، إذ بدأ الحزب بهذا التوجه فوراً بعد الحرب (وفقاً لتقرير نشرته "هآرتس" في تموز/يوليو 2007).
•وفي تموز/يوليو 2010، أي قبل ثلاثة أعوام، عرضت إسرائيل معلومات مشابهة للغاية أمام وسائل الإعلام الإسرائيلية والأجنبية، تطرقت فيها إلى تفاصيل الانتشار العسكري لحزب الله في الجنوب اللبناني. وكان الهدف الذي جرى اختياره آنذاك هو قرية الخيام. وفي كل مرة توضح إسرائيل أنها ستُضطر في حال اندلاع الحرب أن تهاجم في هذه القرى، الأمر الذي سيؤدي إلى إصابة مدنيين.
•والجدير بالذكر أن هذه الحجج تتكرر في النقاشات الراهنة، وفي كتابات مسؤولين سابقين كبار في المؤسسة الأمنية، ويقول اللواء (في الاحتياط) عاموس يادلين، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، إن سكان القرى في الجنوب اللبناني لن تكون لديهم حصانة كاملة في حال كانوا يسكنون بالقرب من أهداف عسكرية. أمّا اللواء (في الاحتياط) يعقوب عميدرور، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، فيتساءل لماذا لا يضع المجتمع الدولي حداً لتسلّح حزب الله. وكان عميدرور عرض، قبل بضعة أعوام وفي أثناء توليه منصبه، صوراً جوية وخرائط مشابهة عن لبنان أمام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
•لماذا العودة إلى تسليط الأضواء على هذه المعلومات الآن؟ توضح مصادر الجيش الإسرائيلي أن كلام الضابط الكبير والمعلومات التي قُدمت إلى الصحيفة هدفها تشديد الرسائل الإسرائيلية الدورية الموجهة إلى حزب الله وإلى المجتمع الدولي، والتي تتضمن باختصار الثوابت التالية: إن حزب الله يواصل خرق قرار مجلس الأمن رقم 1701، وتهريب مزيد من السلاح إلى لبنان، ونشر قواته جنوبي الليطاني، إن المنظومة العسكرية للحزب مكشوفة أمام الاستخبارات الإسرائيلية، والجيش الإسرائيلي قادر على مهاجمتها بشدة عند الضرورة، ونظراً إلى أن الحزب اختار الاختباء وسط المدنيين فإن مهاجمة أهدافه العسكرية ستؤدي إلى قتل أبرياء بصورة غير مقصودة.
•كذلك قد يكون الكشف عن هذه المعلومات لصحيفة أميركية عائداً إلى ما يريد رئيس الأركان الجديد غادي إيزنكوت أن يمليه على قادة الجيش، وهو أن مهمة الجيش بقيادته تتمثل في "إبعاد الحرب"، وذلك من خلال إعداد الجيش للمواجهة المقبلة مقروناً بمسعى، على الصعيدين الإعلامي والسياسي، لمنع نشوب مثل هذه الحرب. وعلى هذه الخلفية يأتي تسليط الأضواء المستمر على التدريبات كأولوية بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي، بعد فترة طويلة من التساهل.
•وقد شهدت الأسابيع الأخيرة سلسلة من التدريبات نفذتها قوات البر، وستتواصل خلال الشهرين المقبلين. وفي الواقع، فإن الإدارة الصحيحة للمخاطر اليومية التي تواجهها إسرائيل، والنابعة في أغلبيتها من عدم الاستقرار في المنطقة كلها، ستمكن من تقليص مخاطر الحرب المقبلة. وفي الوقت عينه، فإن اظهار الجيش الإسرائيلي درجة عالية من القدرة والتأهب يمكنه أن يساهم في ردع حزب الله، الذي يعتبر اليوم العدو الأخطر والأكثر تدريباً الذي تواجهه إسرائيل.
•وقد لمّح إلى ذلك وزير الدفاع موشيه يعالون، يوم الثلاثاء الماضي، حين حذر من "أن دولة إسرائيل قادرة على توحيد جميع القوى في المنطقة ضدها إذا لم تتصرف بصورة صحيحة." ووصف توجه إسرائيل بأنه عبارة عن "عملية جراحية تستند إلى خطين أحمرين، على كل من يتجاوزهما أن يعلم أننا سنتحرك؛ خرق السيادة في هضبة الجولان، ونقل سلاح من طراز معين إلى حزب الله." ويبدو أن ما يقلق إسرائيل بصورة خاصة مساعي حزب الله لتحسين مستوى دقة الصواريخ التي يملكها.
•وأوضح يعالون أن "هناك أموراً نتحمل مسؤوليتها وأُخرى لا، لكننا لا نتدخل في النزاعات الداخلية، إلاّ إذا تخطت الخطين الأحمرين." والمقصود بذلك أن إسرائيل قلقة من تهريب السلاح من نظام بشار الأسد إلى حزب الله، لكنها تدرك أن سلسلة هجمات طويلة ومنهجية يمكن أن تؤدي إلى خرق التوازن الهش في الشمال والتسبب بمواجهة بينها وبين حزب الله، الأمر الذي سيحدث تغييراً في الحرب الأهلية في سورية، وهذا ما لا ترغب فيه إسرائيل، إذ تفضل استمرار الوضع القائم حالياً هناك.
•في الأسابيع الأخيرة، حفلت وسائل الإعلام العربية بتقارير وتقديرات تتعلق باقتراب سقوط بشار الأسد، لكن تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية لا تزال حتى الآن أكثر حذراً، وترى أن مصير المعركة في سورية لم يُحسم بعد. لكن في حال سقط النظام، فمن المتوقع أن يسّرع حزب الله مساعيه لتهريب ما تبقى من منظومات السلاح المتطور التي بقيت في سورية. ومن شأن هذا السيناريو أن يزيد في خطر المواجهة مع الجيش الإسرائيلي.
•في جميع الأحوال، وحتى إذا لم تُحسم الحرب في سورية، فمن الواضح أن مواجهة ضخمة تدور هناك توظف فيها جميع الأطرف جهداً كبيراً. وأصبح صراع الكتل في العالم العربي بشأن سورية ولبنان واليمن يهمّش قضايا أُخرى مثل المواجهة الإسرائيلية - الفلسطينية، التي لم تعد مركزية كما كانت في الماضي.