على دولة إسرائيل الاعتراف بمسؤوليتها عن نكبة الفلسطينيين
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•ينبغي أن تحني دولة إسرائيل رأسها غداً تضامناً ومشاركة منها في حزن نحو خمس مواطنيها؛ أن تحني رأسها انطلاقاً من تحملها المسؤولية عن الكارثة التي أصابتهم؛ وتعبيراً عن اعتذارها عما جرى.

•غداً هو يوم كارثة الشعب الفلسطيني، وذكرى شهدائهم وقراهم وأرضهم السليبة، يوم النكبة. لست بحاجة إلى أن تكون فلسطينياً كي تتعاطف مع ألمهم، كما يمكنك أن تكون إسرائيلياً - يهودياً وحتى صهيونياً، وأن تحترم هؤلاء الذين يوم الاستقلال [ذكرى يوم إقامة دولة إسرائيل] بالنسبة إليك، هو يوم الكارثة بالنسبة إليهم. ولست بحاجة لأن تتبنى الرواية الفلسطينية لما جرى، كي تعترف بأن مأساة مروّعة أصابت هذا الشعب ابن هذه الأرض.

•يمكننا احترام ألم الآخر، الذي لا يرقى إليه الشك تاريخياً، وإذا كنا صادقين وشجعاناً فعلينا أن نسأل أيضاً: هل كفّرت دولة إسرائيل عمّا قامت به في سنة 1948، من دون قصد أو عمداً وعن سابق تصور وتصميم، أو لأنه لم يكن لديها خيار آخر؟ وهل توقفت أبداً عن ممارسة السياسة التي تسببت بالنكبة؟ أليست تحديداً سياسة النهب والاحتلال والقمع والتدمير والطرد هي عينها السياسة المستمرة منذ ذلك الحين وحتى اليوم، وبعد مرور 67 عاماً على 1948، و48 عاماً على 1967؟

•إن يوم النكبة كان يجب أن يكون ذكرى رسمية على الرغم من كونه يتعلق بأقلية، مثل الأعياد الأخرى للأقليات التي يعتبرها القانون أعياداً رسمية.  وكان يجب أن تجرى احتفالات احتفاءً بهذه الذكرى في البلدات الفلسطينية في الدولة، مع برامج خاصة على التلفزيون موجهة إلى الجميع. 

•قد يبدو هذا بالطبع هذياناً. خلال جولة للسفراء جرت هذا الأسبوع في مقرّ إذاعة الجيش الإسرائيلي، سألت احدى الدبلوماسيات الغربيات ببراءة: هل تبث هذه الإذاعة الشعبية موسيقى عربية. سؤالها هذا دفع مضيفيها الى التفكير بأنها جاءت من القمر. وفي الواقع، فإن كل من يفكر بأن على دولة إسرائيل إحياء ذكرى النكبة، يبدو كأنه جاء من القمر، وأيضاً أنه خائن.

•لكن في الحقيقة ليس هناك دليل أكثر وضوحاً على عدم ثقة إسرائيل بعدالة قضيتها من الحرب التي شنتها من أجل حظر إحياء ذكرى النكبة. إن الشعب المؤمن بعدالة قضيته يحترم مشاعر الأقلية، ولا يحاول تدمير تراث هذه الأقلية وذاكرتها. أما الشعب الذي يعرف أن هناك شيئاً مروّعاً يشتعل تحت أقدامه، فإنه يرى في أي ذكر لما حدث خطراً وجودياً. لقد بدأت إسرائيل حربها على ذكرى النكبة غداة وقوعها، فهي لم تكتف بعدم السماح للاجئين بالعودة إلى منازلهم وأراضيهم، بل صادرت أملاكهم المتروكة، ودمرت 418 قرية تقريباً وقامت بتغطيتها بأشجار الصندوق القومي اليهودي [هَكيرن هكييمِت ليسرائيل، أقامته المنظمة الصهيونية العالمية عام 1901 لجمع التبرعات وشراء الأراضي واستصلاحها للزراعة]، ومنعت أي إشارة إليها.

•من خلال هذا التفكير البدائي، اعتقدوا أنه يمكن محو ذاكرة شعب بالأشجار، وقمع ألمه بالقانون، وتدمير وعيه بالقوة. دولة الأنصاب التذكارية منعت وجود أي علامة تدل على كارثة الفلسطينيين. دولة إحياء ذكرى الأيام والتمرغ في الحزن تمنع الفلسطينين من أن يحزنوا. وكل عربي يحمل في يده مفتاحاً صدئاً يعتبر خائناً، وكل لافتة في قرية تحيي الذكرى تعتبر رذيلة.

•إن هذا السلوك ليس ظالماً فحسب بل لا فائدة منه. فكلما تحاول إسرائيل قمع الذكرى كلما تزداد تلك الذكرى قوة. لقد حاول الاتحاد السوفياتي أن يفعل ذلك مع اليهود والأقليات الأخرى وفشل. وهاهم أبناء الجيل الثالث والرابع للنكبة ما يزالون يتذكرون، وهم أكثر جرأة من الأجيال التي سبقتهم. فعلى أنقاض عدد من القرى أقيمت معسكرات صيفية ممنوعة، وليس هناك حفيد لاجئ لا يعرف قرية أجداده، فالجرح المغطّى لا يشفى أبداً.

 

•كم يكون جميلاً لو أن إسرائيل تقوم بخطوات رمزية، وكم يكون بديعاً لو يظهر شخص مثل ويلي براند [المستشار الألماني السابق] يركع على ركبتيه ويعترف بالمسؤولية ويطلب الصفح، ولو تظهر في إسرائيل لافتات تشير إلى ما حدث ولم يعد موجوداً. وكم كان جميلاً لو تسمح إسرائيل في الغد لمواطني الأقلية بأن يحيوا كما يجب ذكرى كارثتهم، إحدى أكبر الكوارث الوطنية المستمرة في التاريخ، أو على الأقل أن تعبر عن احترامها لألمهم.