دولة إسرائيل ما زالت بعيدة جداً عن الاستقلال الحقيقي
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

 

•بعد يومين [الخميس 23/4/2015] سنحتفل بيوم الاستقلال الـ67 لدولة إسرائيل، والسؤال المطروح هو: هل نحن مستقلون حقاً بقوانا الذاتية فقط؟.

لا شك في أن استعراضاً سريعاً لوضعنا الاقتصادي العام يبين لنا أنه جيد للغاية وليس أنه غير سيئ فقط. فمن دولة كان عدد سكانها 600,000  نسمة عند إقامتها سنة 1948 وصلنا إلى دولة يبلغ عدد سكانها أكثر من 8,3 مليون نسمة سنة 2015. ومن مستوى معيشة بمعدل 3000 دولار للفرد الواحد حلقنا إلى مستوى بمعدل 35,000 دولار وذلك من خلال الانتقال من اقتصاد اشتراكي بإدارة دولتية إلى اقتصاد سوق تنافسية. احتياطي العملة الصعبة لدينا سجل رقماً قياسياً غير مسبوق: 86 مليار دولار، بعد أن كاد مخزوننا من الدولارات سنة 1985 ينفد. ونسبة الدين العام من الناتج القومي 67%، وبرغم أن هذا غير جيد فإنه ليس خطراً زيادة عن اللزوم، وهو في معظمه دين داخلي وليس خارجياً.

•التضخم المالي انخفض في الوقت الحالي إلى أدنى نسبة له على الإطلاق، أقرب إلى الصفر، بينما كان بنسبة 449% سنة 1984، وبالإمكان الآن الحصول على قرض إسكان لعشرين سنة ذي فائدة ثابتة بنحو 3% وهذا أمر عجيب بحد ذاته.

•في سوق العمل انخفضت البطالة إلى أدنى مستوى: 5,6% وهي نصف نسبتها في أوروبا، وجرى تدريج إسرائيل في المرتبة الـ19 في العالم ضمن مؤشر الرفاه الذي يأخذ في الاعتبار مستوى الدخل ومتوسط العمر المتوقع ومستوى التعليم.

كما أن إسرائيل تحتل مرتبة عالية في مؤشر العصرنة. ومن دولة كان إنتاجها الأساسي "برتقال يافا" أصبحنا دولة ابتكارات ناشئة وتكنولوجيا متقدمة. ومن وضع عجز مزمن في ميزان المدفوعات وصلنا إلى وضع فائض تصدير في مقابل الاستيراد.

•هل وصلنا إلى الاستقلال؟ ليس بالضبط. ففي الجانب الأمني ما تزال إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم المعرّضة لتهديدات الإبادة، وهي طوال الوقت موجودة تحت وطأة خطر حرب هنا أو هناك. ومن أجل الصمود أمام كل هذه التهديدات لدينا "صديقة كبيرة" توفر لنا تفوقاً عسكرياً. فهي التي تمنحنا الطائرات الأكثر تطوراً، ومحركات دبابة الميركفاه، والأموال لتطوير منظومة "القبة الحديدية" المضادة للصواريخ. وهي التي تمنحنا كل سنة منظومات سلاح بـ3 مليارات دولار ليست مستعدة لأن تزوّد بها أي دولة أخرى في العالم. وهذا هو جوهر التفوق النوعي الذي يسمح لنا بالحفاظ على البقاء. وبكلمات أكثر فظاظة، نحن معتمدون على الولايات المتحدة فيما يتعلق بحياتنا.

•نحن معتمدون على الولايات المتحدة على المستوى الاقتصادي أيضاً، فيكفي أن يعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه بصدد "إعادة النظر" في العلاقات مع إسرائيل كي تنهار البورصة ويرتفع سعر صرف الدولار. في مثل وضع كهذا، ستكف المصارف في أرجاء العالم عن منحنا الائتمان وسيفرض مجلس الأمن الدولي علينا عقوبات اقتصادية تؤدي إلى شللنا (وقد تم منع ذلك حتى الآن باستخدام الفيتو الأميركي) وكل المعطيات الاقتصادية الجيدة ستنقلب دفعة واحدة وترسم صورة سوداء من السقوط.

•معروف أن إسرائيل تعتمد على التصدير كثيراً، فـ30% من إنتاجها مخصص لذلك. وبناء عليه، فإن فرض مقاطعة على الصادرات من إسرائيل هو بمثابة سم قاتل للاقتصاد. ولا بُد من القول إن ثمة بوادر منذ الآن لمثل هذه المقاطعة إذ بادر 16 وزير خارجية من الاتحاد الأوروبي أخيراً إلى اتخاذ قرار يلزم بوضع إشارات على منتجات المستوطنات في المناطق [المحتلة]، وهذه خطوة واحدة تسبق فرض المقاطعة الحقيقية. وبإمكان سكان العرابا [جنوب إسرائيل] أن يدركوا من تجربتهم ماذا يحصل للمزارعين الذين لا يمكنهم أن يبيعوا فلفلهم في أوروبا.

•يجدر بنا أيضاً أن نتذكر أنه عندما واجهنا في الماضي أزمات اقتصادية، تلقينا دوماً دعماً سخياً من العم سام، مرة في هيئة منح خاصة ومرة في شكل ضمانات. ومن يمكنه أن يكون واثقاً من احتمال ألا تهددنا مثل هذه الأزمات في المستقبل؟

•يحتمل أننا مهمون للولايات المتحدة لكونها تستخدمنا كحاملة طائرات برية في الشرق الأوسط الأهوج. لكن يمكنها في أي لحظة تشاء أن تتخلى عن خدماتنا وتواصل حياتها. في المقابل، نحن لا يمكننا أن نعيش من دونها. وهذا هو الفرق الكبير بيننا وبين أي دولة أخرى في العالم.

 

•بناء على ذلك، عندما نحتفل بيوم الاستقلال، علينا أن نعرف في قرارة أنفسنا أننا ما نزال بعيدين جداً عن الاستقلال الحقيقي.