من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•في لحظة استراحة نادرة من حملته الانتخابية المكثفة على صفحات الإنترنت، أصاب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كبد الحقيقة حين قال [في سياق الكلمة التي ألقاها خلال مراسم وداع رئيس هيئة الأركان المنتهية ولايته الجنرال بني غانتس جرت في ديوان رئيس الحكومة في القدس هذا الأسبوع]، إن العبء الملقى على كاهل رئيس هيئة الأركان العامة للجيش لا مثيل له، نظراً إلى كونه يشكل مسؤولية مزدوجة عن أمن المواطنين ومصير الجنود. وأضاف أن الأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة تسببت بتعقيد الواقع الاستراتيجي الذي تعمل إسرائيل داخله إلى حدّ بعيد، وبات التعامل مع هذه الأحداث يستلزم تفكيراً وخبرة وبرودة أعصاب وفهماً استراتيجياً. إن المسؤولية الكاملة عن هذا العبء أو بكلمات أخرى عن هذا الملف، قام رئيس الأركان المنتهية ولايته غانتس بتسليمه إلى من حل محله الجنرال غادي أيزنكوت.
•وفي سياق الكلمة التي ألقاها خلال مراسم تسليم وتسلم قيادة أركان الجيش الإسرائيلي بين غانتس وخلفه أيزنكوت التي جرت يوم الاثنين الفائت، عاد نتنياهو إلى تكرار رسائله النمطية في هذه الأيام التي يبدو أنه سيكرّرها إلى حين ظهوره المتوقع أمام الكونغرس الأميركي ومنه مباشرة إلى الانتخابات للكنيست الجديد بعد شهر [يوم 17 آذار/ مارس المقبل]. ووفقاً لنتنياهو الدارويني، فإن الشرق الأوسط المحيط بنا مكان لا يرأف بالضعفاء ولن يبقى فيه إلا الأقوياء، وقد انهارت دول ومحيت حدود من جرّاء الهزة في العالم العربي، لكن الخطر الأكبر الذي ما يزال يخيّم على إسرائيل هو إيران.
•وبحسب ما أكد نتنياهو في الكلمة نفسها، فإن لإسرائيل شأناً مع "إمبراطورية هي إيران تُهرول لسد الفراغ في الشرق الأوسط. وقد أمست تحتل أربع عواصم [قاصداً هيمنة إيران في كل من سورية ولبنان والعراق واليمن] وهي تطوّق [مضيق] باب المندب، وتسرّع خطاها نحو الحصول على السلاح النووي، وتسعى لتطويقنا عبر أربع أذرع، أو ثلاث بالأحرى في الوقت الحالي: إحداها في لبنان والأخرى في غزة (حيث استأنفت عملها) والثالثة - وهي جديدة - في الجولان [السوري] حيث يوجد أكثر من 2000 مقاتل لحزب الله يخضعون عملياً لقيادة إيرانية".
• لا شك في أن إيران سوف تحتل مكاناً متقدماً في جدول أعمال رئيس الأركان الجديد. لكن برغم أن مراسم التسليم والتسلم لقيادة أركان الجيش ليست مكاناً ملائماً للمشاحنات الاستراتيجية، فإن ثمة من استشف من خلال الكلمة التي ألقاها رئيس الأركان المنتهية ولايته إشارات إلى تعكر صفو العلاقات الإسرائيلية - الأميركية على خلفية الخلافات حول البرنامج النووي الإيراني عامة والصدام مع نتنياهو حول الخطاب الذي يزمع إلقاءه في الكونغرس خاصة.
•فقد أكد غانتس من ضمن أمور أخرى أنه "في الوقت الذي يُطلب منّا أن ننظر إلى التحديات الأكثر بعداً، فمن المهم أن نمد أيدينا إلى حلفائنا وأن نوفر معهم مجالات للمصالح التي تدفع نحو الحلول وتضمن ألا يظل شعبنا مواجهاً لمصيره بمفرده". ومعروف أن غانتس واظب خلال ولايته في رئاسة الأركان على إقامة علاقات متينة مع قادة المؤسسة الأمنية الأميركية، وبالتالي فإن الرسالة التي تنطوي عليها أقواله هذه هي بمثابة وصية وبرأيي فحواها ما يلي: بمقدورنا أن نتدبر أمرنا مع الأمن الفوري. لكن في كل ما يتعلق بالتهديدات بعيدة المدى، علينا أن نتعامل مع الولايات المتحدة حتى لا نجد أنفسنا يوماً ما بمفردنا.
•في ما عدا ذلك، أبرز المتكلمون في الخطابات الكثيرة التي ألقيت خلال مراسم وداع غانتس وتسلم أيزنكوت، التغيرات المتطرفة التي أحدثتها الانقلابات الإقليمية. وهي تغيرات تعامل معها رئيسا الأركان المنتهية ولايته والجديد خلال الأعوام القليلة الفائتة.
•ولا بُد من أن نشير إلى أن غانتس وأيزنكوت تقدما في سلم الترقيات والمهمات داخل قيادة الجيش في مرحلة تميزت بالحروب المحبطة والمعقدة وعديمة الحسم مثل حربي لبنان الأولى والثانية والانتفاضتين الفلسطينيتين. ويمكن القول إنه في كل هذه الحروب تعلم الاثنان محدودية القوة العسكرية وثمن الخسارة المرتبط باستخدامها.
•حالياً من المتوقع أن تكون أول خطوة يقدم عليها رئيس الأركان الجديد تخصيص جزء مركزي من الجهود لقطاع غزة. ويعود ذلك إلى أن القطاع ولأسباب بعضها مرتبط بإسرائيل على نحو غير مباشر، سوف يعود للاشتعال على الرغم من مرور نصف عام فقط على نهاية جولة القتال السابقة [عملية "الجرف الصامد" في الصيف الفائت]. وربما سيترافق ذلك مع إعادة النظر في جزء من التحقيقات التي أجراها الجيش حول تلك الجولة. وستكون هذه التحقيقات أكثر سهولة لأيزنكوت من غانتس الذي "وقَّع" قرارات الحرب. مهما يكن، فإنه من دون هذه التحقيقات لن يكون ممكناً دفع القوات البرية للتقدم إلى الأمام. وهو تقدّم ضروري، ولا سيما على خلفية التحدي العسكري الكامن لنا في لبنان وسورية، واحتمال أن تشتعل في هذه المرحلة حرب مواجهة على جبهتين: في الشمال وفي الجنوب (غزة).
•وبموازاة ذلك، علينا أن نشير إلى أن الحدود الشمالية كادت تشتعل الشهر الفائت. ومنذ اللحظة التي توقف فيها تبادل الضربات أشار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى أنه من الآن فصاعداً أصبحت سورية ولبنان جبهة واحدة تنطبق عليها قواعد لعبة جديدة. ولا شك في أن استمرار الإدارة الحذرة للجبهة الشمالية، قبل الانتخابات الإسرائيلية وبعدها، سيُلقى في معظمه على عاتق رئيس الأركان الجديد الذي بدأ مهمات منصبه في خضم مرحلة انتظار أمنية بسبب المعركة الانتخابية.
•وفي الأحاديث التي أجريتها مع كبار الضباط الذين حضروا مراسم وداع غانتس وتسلم أيزنكوت، برزت لهجة إحباط معينة مصدرها الفجوة القائمة بين فهمهم لخطورة الظروف الأمنية ومستوى الاطلاع عليها من جانب الجمهور العريض الذي يهتم أساساً بالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية. وهي فجوة موجودة أيضاً وإن على مستوى أقل، بين هؤلاء الضباط وجزء من السياسيين.