•يطرح اغتيال الجنرال [العميد] الإيراني الكبير محمد علي الله دادي وابن عماد مغنية (جهاد) ومرافقيهم في الجولان السوري، تساؤلات مبدئية يتعين علينا مناقشتها من دون علاقة بتفاصيل الحادثة، (التي لا أعرفها كما لا يعرفها جميع الذين يعالجون الموضوع بصورة علنية).
•عندما تُطرح مسألة من هذا النوع يتعيّن على متخذي القرارات درس أمرين أساسيين: 1- ما الربح المتوقع من هذه العملية؟ 2- وما هو ثمنها سواء نجحت أم فشلت؟
•في الحادثة التي نتحدث عنها، فإن الجزء الأول مرتبط مباشرة بسبب وجود أفراد هذه المجموعة الرفيعة المستوى في المنطقة. وهنا يجب أن نسأل مثلا من هم أعضاء هذه المجموعة؟ وهل جاؤوا إلى الجولان من أجل التخطيط لعملية كبيرة ضد إسرائيل في المستقبل القريب؟ وهل وجودهم كان جزءاً من دورية مبكرة هدفها تحديد أساليب العمل ومناقشة الاحتمالات المستقبلية ولكن، من دون التخطيط لعملية محددة؟ وهل من هذا المكان يُتوقع أن تأتي المفاجأة لدى اندلاع الحرب المستقبلية بين إسرائيل وتنظيم حزب الله؟ وهل أيضاً من المحتمل أن تكون هذه المجموعة اجتمعت هناك من دون أي يكون لذلك علاقة بإسرائيل بل كجزء من خطة لمساعدة نظام بشار الأسد؟ في جميع الأحوال، دور الاستخبارات الإسرائيلية مهم في مثل هذا الوضع ويتعين عليها أن توضح الوقائع.
•الجزء الثاني من النقاش يتناول مسألة ذات طابع أقل دقة لأنه يتعلق بتقديرات لا بوقائع. والسؤال المطروح هو: ما المكسب على افتراض معرفة من هم أفراد المجموعة وأن العملية سارت بصورة جيدة؛ فهل سيتوقف التخطيط ضد إسرائيل؟ من المحتمل أن يؤجل فقط، وإذا كان الأمر كذلك إلى متى؟ وهل يملك الطرف الثاني بديلاً من الخطة التي أحبطتها العملية؟ وإذا كان هذا صحيحاً متى سينفذها؟
•إن اغتيال كبار المسؤولين هذا الأسبوع يبدو ضربة مباشرة تمسّ قدرات الطرف الثاني (ويمكن أن تؤدي إلى تأجيل العملية المخطط لها وربما يتم إلغاؤها)، كما يمكننا ان نرى فيها إشارة للإيرانيين وحزب الله بوجود خطوط حمراء إذا تجرؤوا على تخطيها سيكون الرد عليهم قاسياً.
•وبسبب الوضع العام في الشرق الأوسط حيث كل شيء في حالة تغير مستمر، يتعين على إسرائيل أن ترسم بأعمالها خطاً يشير إلى ما لا توافق عليه من دون أن تتكلم. وإذا لم تفعل ذلك، فإنها ستجد نفسها في المستقبل في وضع غير محتمل بسبب حجم القوات والقدرات التي لدى خصومها. فعلى سبيل المثال بناء موقع مهم لحزب الله في هضبة الجولان سيجعل إسرائيل في مواجهة جبهتين في أي حرب مستقبلية ضد هذا التنظيم الإرهابي الذي يهددنا في الشمال. ولذا، يتعين منع نشوء هذا الوضع.
•لذلك، فيما يتعلق بهذا الحدث، حتى لو لم يكن هدف دورية المسؤولين الكبار في الجولان السوري التخطيط لعملية محددة في المستقبل القريب، فقد كان مهماً رسم خط أحمر يوضح رفض وجود حزب الله واستعدادته ضد إسرائيل في هضبة الجولان.
•وعلى افتراض أن هذا تقريباً هو التحليل الذي أجري بشأن متطلبات إسرائيل، وأن هذه هي الخلاصات المتعلقة بالفائدة المتوقعة من العملية المنسوبة إلى إسرائيل، فمن الواضح أنه كان من الضروري أن يتطرق أصحاب القرار أثناء النقاش الذي جرى إلى المخاطر.
•وفي الواقع، فإن السؤال الأساسي يجب أن يكون: ما هي الردود المحتملة للإيرانيين ولحزب الله؟
•لدى الطرف الثاني ثلاثة إمكانيات للعمل، ولا أعرف أيّها سيختار:
1-عملية في هضبة الجولان. سيحاول حزب الله والذين يدعمونه في طهران بناء القدرة للقيام بها وانتظار الفرصة من اجل توجيه ضربة مؤلمة إلى إسرائيل في الهضبة. ويشكل هذا الحل الأنسب سواء بالنسبة لحزب الله أو إيران. فمن جهة سيوضح هذا المحور رفضه للخط الأحمر الذي رسمته إسرائيل، ومن ناحية ثانية فإن مثل هذا الهجوم لن يتيح لإسرائيل الرد ضد المصالح الحيوية لحزب الله في لبنان.
إذا ما هاجمت إسرائيل لبنان، فإن في إمكان حزب الله أن يصور نفسه "المدافع عن لبنان"، وأن يبرر المجازفة التي يعرض لها اللبنانيين من خلال رده على الهجوم. لكن هذه الشرعية لن يحصل عليها الحزب إذا رد على عملية إسرائيلية وقعت في سورية، لأن تبريراته ستصبح غير مقبولة ولأن معاناة المدنيين اللبنانيين ستكون في حال حدوث ذلك غير مبررة.
ولذلك، فإن الحزب والإيرانيين سيفضلون تركيز ردهم في هضبة الجولان، وتقليص خطر رد إسرائيلي في أراضي لبنان.
2-عملية في الخارج. حلفاء حزب الله الشيعة يستطيعون البحث عن فرصة لمهاجمة إسرائيل ما وراء البحار. وهذا الخط من العمل جرى اختياره مرتين في الماضي عبر الهجمات في الأرجنتين. فقد جاء تفجير السفارة الإسرائيلية ومبنى الجمعية اليهودية في بوينس آيريس رداً على اغتيال عباس الموسوي (الأمين العام لحزب الله قبل نصر الله)، وعلى الهجوم على مقاتلي حزب الله في معسكر للتدريب في لبنان. وإلى جانب ذلك، نفذ الإيرانيون وحزب الله في السنوات الأخيرة عشرات العمليات ضد أهداف إسرائيلية، لكن نجاحها كان محدوداً. لكن لا شك في أنهم سيستمرون في مساعيهم بقوة إذا اختاروا هذا المجال للرد على الضربة التي تلقوها.
3-عملية من داخل لبنان. مثل عملية برية من الحدود أو إطلاق قذائف وصواريخ على إسرائيل. ومثل هذه العملية ستعرض حزب الله إلى وضع لا يرغبه، لأن إسرائيل تستطيع استغلال مثل هذا الهجوم لتصفية حسابها مع الحزب. ويعرف نصر الله أن هذه إمكانية حقيقية ومؤلمة ولا سيما بالنظر إلى قدرة إسرائيل. وهو رأى شيئاً قليلاً جداً في سنة 2006 [خلال حرب تموز/يوليو] وليس في وضع يسمح له بأن يختبر ذلك مرة أخرى، فالمجازفة هذه المرة أكبر بكثير والثمن قد يكون فادحاً.
•يغرق حزب الله في سورية ويعمل من أجل إنقاذ الأسد. وقد خسر هناك المئات من مقاتليه، ومن غير المريح بالنسبة له أن يفتح جبهة جديدة. وليس من الأكيد أن هذا من مصلحة إيران في هذا الوقت حيث تجد نفسها مضغوطة اقتصادياً وفي خضم مفاوضات مع الدول الكبرى [بشأن برنامجها النووي] وربما بدأت تقترب من اتفاق. لكن على الرغم من ذلك، فإن أسعار النفط التي انخفضت بصورة ملحوظة يمكن أن ترتفع إذا اندلعت حرب إقليمية، وبذلك تربح طهران.
•في الخلاصة ونظراً إلى أنه لا أحد يعرف حتى الآن ما هو القرار الذي سيتخذه الإيرانيون وزعماء حزب الله، فإنه يجب على الجيش الإسرائيلي والاستخبارات أن تأخذ هذه الاحتمالات في حسابها وتستعد لها كما يجب، فعاجلاً أم آجلاً سيضطر الطرف الثاني إلى الرد، لذا يتعين علينا أن نكون مستعدين لأي رد ولأي سيناريو.