اللواء في الاحتياط يائير نافيه: في الجرف الصامد لم نقدّر بصورة صحيحة نيات العدو وحزب الله أهمّ خطر علينا
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

[أجرت صحيفة "معاريف" مقابلة مع اللواء في الاحتياط يائير نافيه بمناسبة اعتزاله الحياة العسكرية بعد أن شغل في الماضي منصب قائد المنطقة الوسطى ليستقيل للمرة الأولى من السلك العسكري، لكنه استدعي إلى الخدمة خلال حرب لبنان الثانية تموز/يوليو 2006 وشغل منصب نائب رئيس الأركان آنذاك غابي أشكينازي ونائب خلفه داني حالوتس. وفي العامين الأخيرين عمل نافيه في مشاريع مختلفة تابعة للجيش الإسرائيلي بانتظار تعيينه رئيساً للأركان، لكن ذلك لم يحدث. وفي هذه المقابلة تناول نافيه أداء الجيش الإسرائيلي خلال عملية الجرف الصامد والمخاطر المستقبلية التي تتهدد إسرائيل، نقتطف منها بعض المقاطع]

 

•يقول نافيه: "في الجرف الصامد برز ضعفنا في تقدير نوايا الخصم كثيراً. لقد كنا نعرف مكان كل مخرب بدقة، لكننا لم نقدر بصورة صحيحة ماذا تريد "حماس"، وما هو خطها الأحمر، وما هي مسعدة لتحمله وما ليست مستعدة لتحمله، وهل سترتدع خلال العملية. وما جرى فعلاً هو أن العملية استمرت 50 يوماً. وفي اعتقادي، فإن الجهة التي تقوم بالتقدير لدينا تعاني مشكلة وبحاجة إلى تغيير كبير، وهي بحاجة اليوم إلى الاستعداد لمواجهة داعش والقاعدة والسلفيين في سيناء وجبهة النصرة. لا تستطيع شعبة الأبحاث البقاء تقليدية، فهي بحاجة إلى أن تصبح مرنة جداً في بنيتها كي توائم نفسها مع التطورات على الأرض. وفي الإجمال، فإن التطور الذي حصل في الأبحاث الاستخباراتية في السنوات الأخيرة كان أقل بكثير منه في سائر الميادين، إذا لم يكن تراجع إلى الوراء."

•وسئل نافيه: "هل الافتقار إلى الصورة الشاملة له علاقة بموضوع الأنفاق الهجومية لدى 'حماس'؟" فأجاب: "هذا الموضوع بالذات لا أنظر إليه مثل الآخرين. فمشكلة الأنفاق هي قبل كل شيء مشكلة القادة وليس الاستخبارات. فالاستخبارات تقدم لك الأرقام والمؤشرات التي تحملها الأرقام، لكن وضع هذه الأرقام ضمن صيغة وفهم منطقها هو مسؤولية القادة، لأن فهم الصورة هو في عيني الناظر وليس فقط في عيني الذي يرسمها. والقائد العسكري هو الذي يتعين عليه مثلاً أن يقول إن خطر وجود أربعة أنفاق في منطقة واحدة ليس مثل خطر نفق واحد منفصل، وإن هذا نمط عمل جديد للعدو. إذا كانت الاستخبارات نفسها تقول بوجود عقيدة عمل جديدة، فالقائد العسكري يستفيد. لكنني أنتظر من القادة أن يفهموا بأنفسهم النظرية، مثلما عليهم أن يقدروا طريقة التحرك المحتمل للعدو."

•وسئل: "لقد تحولت الأنفاق في النقاش العام خلال الحرب إلى خطر وجودي، أليس في ذلك بعض المبالغة؟" فأجاب: "أعتقد أن ذلك كان مبالغاً فيه، لكنه خدم من بين أمور أخرى القدرة على القيام بعملية برية كانت موضع إجماع، وذلك من خلال عرض القدرات وحل مشكلات معينة. لقد برزت خلافات داخل الجيش بما في ذلك خلافات بيني وبين رئيس الأركان بشأن ما هو الأصح أن نفعله، لكن هذه خلافات مشروعة."

•وسئل نافيه: "هل أراد رئيس الأركان أن يطبق في قطاع غزة الخطط البرية التي أعدها الجيش الإسرائيلي؟" فأجاب: "ليس بالضرورة. لا أعرف ماذا جرى بين رئيس الأركان والقيادة السياسية، لكنني أعتقد أن معالجة الأنفاق كان ممكناً القيام بها بعد أن نقطّع أوصال القطاع ونصل إلى شاطئ البحر ونهدد مراكز السلطة، حينها كان يمكن العودة إلى الأنفاق. لم أعتقد أنه من الصحيح العمل في مواجهة الخطر بصورة جبهوية عريضة ونضرب رأسنا بالحائط من دون أن نعمد إلى مفاجآت أو إلى  خداع. وإذا قارنت عمليات تدمير الأنفاق مع مبادئ الحرب تجد أنها لا تتطابق مع أي معيار. لم يكن هناك مفاجأة ولا تجميع للقوات، ولا استمرارية ولا متابعة. لا شيء على الاطلاق. ربما كانت النتائج أسوأ لو قاموا بتدمير الأنفاق على طريقتي، لكنني على الرغم من ذلك أقول إن التوجه كان ينبغي أن يكون مختلفاً. في رأيي برزت في الجرف الصامد مشكلتان أساسيتان، الأولى هي التسريبات من مجلس الوزراء بأنه ليس لدى إسرائيل نية لإخضاع حماس بل ردعها، وهذا منحها هامش حصانة منذ تلك اللحظة... أما المشكلة الثانية المهمة في الجرف الصامد فكانت السؤال أي نوع من الحرب نريد، وهذا يتعارض ظاهرياً مع المشكلة الأولى. فمنذ اللحظة التي قررنا فيها عملية رادعة واعتقدنا أننا كلما رفعنا درجة القتال سندفع "حماس" إلى التوقف عن القتال، كان من الواضح أنه لم يبق لديك أمل. وفي رأيي أن [من بيدهم القرار] لم يفهموا بصورة صحيحة الصورة الاستخباراتية. ففي كل نقاش مسائي كان هناك من يقول ربما غداً سيكون هناك وقف إطلاق للنار. ونشأ وضع لم يتوفر فيه لرئيس الأركان المجال كي يقول إن "حماس" ستسير حتى النهاية وأنها مستعدة للتضحية بكل شيء من أجل الذهاب إلى القاهرة، وأن المطلوب حينئذ عملية حسم لا عملية ردع، أو بدلاً من ذلك المضي بعملية تعتمد على استخدام النار البعيدة المدى فقط."

•"إن المزج بين عدم فهم حماس من جهة، ومنحها حصانة ضد الحسم من جهة أخرى، أديا إلى نشوء وضع أن مجمل عملياتنا كانت أشبه بإدخال بُرغي غير ملائم في ثقب والثقب صغير جداً."

•وسئل: "من هو المحق في الجدل الدائر بين رئيس الأركان ورئيس الشاباك بشأن أن الشاباك نقل تحذيرات تفيد بأن الحرب ستقع في الصيف؟" أجاب: "لقد حولوا النقاش إلى نقاش تقني. يقوم الردع على الأسئلة التالية: "مَن ومتى وأين؟". وحين لا تكون لديك اجابات دقيقة على هذه الأسئلة، يمكن القول بأنه لم يكن هناك تحذير. لكن نظراً الى أن حماس كانت في رأيي تدرك أن لا خيار أمامها سوى الحرب بعدما أغلقت السلطة الفلسطينية حسابها المصرفي، وأغلق المصريون الأنفاق، فإن التوقيت الدقيق لحصول ذلك يصبح أقل أهمية. لقد كان الجيش مستعداً لاحتمال نشوب قتال مع القطاع في الصيف، ولا يغير شيئاً ما إذا كانت ستنشب قبل ذلك أو بعده ببضعة أسابيع."

•وسئل: "حتى لو كان الجيش مستعداً، فإن الجو لم يكن يشبه الاستعدادت الحثيثة التي جرت قبل عملية "الرصاص المصهور" سنة 2009 أو عملية "عمود سحاب" في 2012 عندما كنت نائباً لرئيس الأركان. وفعلياً لم تتدرب الوحدات بصورة مكثفة على القتال، ولم تقاتل أي وحدة تقريباً وفقاً للخطة المعدة لها سلفاً". فأجاب: "هذا صحيح، بوصفي نائباً لرئيس الأركان أعددت عملية "عمود سحاب" على صعيد هيئة الأركان العامة، وأيضاً الوسائل التي يجب أن تستخدم في مواجهة قطاع غزة والمنظومة الجنوبية في "القبة الحديدية". وطبّقنا نظرية معينة أدت إلى تحقيق انجازات. لكن منذ عملية "عمود سحاب" وحتى "الجرف الصامد" لم يكن هناك أي اعداد على صعيد قيادة الأركان العامة من أجل بلورة نظرية مبتكرة على الصعيد التكنولوجي وتستند إلى عقيدة قتالية".

•وسئل: "ما رأيك بالتحقيق الذي تقوم به النيابة العسكرية بشأن الأداء في أثناء الجرف الصامد؟"

•أجاب: "في رأيي أن قرار هيئة الأركان العامة تعيين طاقم يتابع القتال ويحدد الأحداث الخارجة عن المألوف خلال القتال ودرسها كان صحيحاً. المشكلة هي في الانتقال من 100 حادثة حقق فيها اللواء نوعام تيـﭭون، إلى 30 أو 40 حادثة تحقق فيها النيابة العامة العسكرية. ويبدو أن النيابة العسكرية مستقلة، لكنها لا تعمل في فراغ بل انطلاقاً من قيم أساسية، وفي رأيي أنها تصرفت بحرية كبيرة هنا استباقاً لأي تحقيق خارجي تقوم به أجهزة دولية أخرى. وأرى أنه جرى نقل الكثير من الحوادث التي كان من المفترض أن تحلها القيادة إلى النيابة العامة..."

•وسئل: "هل سينجح الجيش الإسرائيلي برأيك في إعداد نفسه بالسرعة المطلوبة للتغيرات التي طرأت فيما يتعلق بالحرب ولواقع أن الجيوش النظامية من حولنا تفككت؟"

•أجاب نافيه: "أعتقد أن هذا هو السؤال الأول المطروح على رئيس الأركان الجديد وعلى رئيس الأركان المنتهية ولايته. عندما تبني قوة فعليك أن ترى ما هي العناصر التي يتألف منها القدر الكبير الذي يضم سائر الأشياء، وما هو الإعداد الفعال الذي يسمح بكل الاحتمالات الفرعية. لقد عارضت بشدة تقليص التدريبات منذ سنة 2013. وهذا التقليص لم يطبق ليس فقط لأسباب اقتصادية."

•وسئل: "هل تقلّصت مع الزمن التهديدات المختلفة ضد إسرائيل أم زادت؟" فأجاب: "تقلصت. اليوم أنت بحاجة إلى قدرات أقل مرتبطة بتحريك جيوش كبيرة أو دفاع جوي ضد طائرات العدو، كما قلّ كثيراً الانشغال بالدفاع الجوي ضد العدو. لم يعد هناك منذ وقت طويل معارك جو - جو، ولا وجود اليوم لأسطول مهم لدى العدو. لذا وبسبب الضغوط الاقتصادية حاولت وضع عقيدة عملانية لمواجهة السيناريو الكبير في الشمال على افتراض أنه يشتمل على سيناريوات ثانوية في غزة وأماكن أخرى." وفي رأي نافيه أن "القتال ضد حزب الله هو الخطر الأهم الذي يجب على الجيش الاستعداد له، كما أن على الجيش أن يكون اليوم أكثر انضباطاً. وعلى نائب رئيس الأركان ورئيس شعبة التخطيط أن يدرسا عناصر الحسم لدينا وتطويرها بدلاً من أن يقوم كل سلاح بالعمل على تطوير قدراته."

•وسئل: "ماذا بشأن احتمال تحول إيران إلى دولة نووية؟" فأجاب: "سوف تصبح إيران دولة على حدود النووي. وفي رأيي لا فرق بين دولة نووية ودولة على حافة النووي. في الحالين عليك أن توظف كل الموارد المطلوبة من أجل مواجهة هذا الخطر في حال قررت هذه الدولة أن تصبح نووية خلال سنة مثلاً."

•وسئل: "هل تتوقع تصاعد الإرهاب في الساحة الفلسطينية وفي الخطوات التي يقوم بها أبو مازن؟" أجاب: "في رأيي لا علاقة بين معالجة الارهاب وتحركات أبو مازن، والعكس هو الصحيح. تاريخياً عندما كانت تجري المفاوضات كان الإرهاب يزداد لأن مصلحة المتطرفين عرقلته. والحرب ضد الإرهاب يجب أن تكون فعالة وحازمة. وأرى أن يهودا والسامرة منطقة جيّاشة بالجمر، ولا تستطيع أن تتعامل مع جمر يعلوه الرماد مثل حقل من الرمال، فكل جمرة يمكن أن تتحول بسرعة إلى نيران، وأنت مضطر الى نشر قوة كبيرة للتخفيف من العنف والتصعيد. ولا يجب أن تستدعي كتيبة وراء كتيبة بعد كل حادث، ففائض القوة يخفف العنف ولا يزيده. لن تكون المرحلة المقبلة سهلة، فنحن في وضع يوجد فيه جمر، والأفضل في هذه المرحلة الحؤول دون وقوع اصابات أثناء حوادث الشغب، مع التشديد على عدم وقوع إصابات بين الشباب لأن هذا هو السبب الأساسي لإشعال النار. وفي تقديري، إذا جرت الانتخابات في وقت قريب في الضفة الغربية، فإن حماس هي التي ستفوز. لذا، فمن مصلحتنا سلطة فلسطينية قوية تكبح حماس. إن البديل عن السلطة هو حماس وليس الفوضى، ويجب منع حدوث ذلك."

 

•وسئل: "هل أنت خائف اليوم على استقرار المملكة الهاشمية في الأردن، مثلما كان حالك عندما كنت قائداً للمنطقة الوسطى وأثرت عاصفة؟" أجاب نافيه: "للأسف الشديد الأردنيون اليوم في مركز التهديد الداعشي الذي يتربص بهم على حدودهم الشمالية والجنوبية. لا أعرف كيف سيتطور هذا الخطر، لكنني آمل أن يكون الأردنيون أقوياء بما فيه الكفاية للقضاء عليه. إن وجود داعش إلى جانب مليون ونصف مليون لاجئ سوري والحاجة إلى ثلاثة مليارات دولار سنوياً فقط من أجل دعم المملكة، عبء ليس بالقليل."