معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•أفادت تقارير إعلامية لبنانية ودولية أخيراً أن حزب الله كشف قيادياً أمنياً كبيراً وحاكمه مع أربعة من مساعديه بتهمة العمالة لإسرائيل. ووفق التقارير الإعلامية، تستند تهمة العمالة لإسرائيل إلى مصدر مطلع في الحزب وليس إلى تصريح رسمي صادر عن هذا التنظيم. ويقال إن المتهمين كانوا أعضاء في وحدة العمليات الخارجية (المعروفة أيضاً بالوحدة "910"). وكان المتهم الرئيسي المدعو "محمد شواربه" وهو عنصر سابق في كادر الحرس الشخصي للسيد حسن نصر الله، نائبَ رئيس هذه الوحدة.
•ويشكل هذا الحدث آخر تطورات "فضائح التجسس" التي كشفتها الأجهزة الأمنية للتنظيم المذكور. فقد حرص حزب الله على الدوام، ولا سيما أنه كان يخشى خطر "الجواسيس الأجانب"، على إيلاء أهمية خاصة لمكافحة التجسس. وفي مطلع سنوات الألفين ومن ضمن دعم إيراني شامل، أنشأ التنظيم وحدة مكافحة التجسس لهذا الغرض، بالترافق مع الاعتماد على مساعدة الحرس الثوري الإيراني في لبنان، بهدف معرفة هوية وكشف تغلغل جواسيس محتملين ومنع تسريب معلومات.
•وكانت إحدى الدروس المستفادة من الحرب مع إسرائيل في 2006 أن وظّف الحزب جهداً إضافياً في أنظمة الأمن والتجسس الوقائية للتنظيم بمساعدة إيران مجدداً، بهدف الحدّ من قابلية التعرض للخرق الخارجي لصفوفه. ومنذ ذلك الحين، أفضت جهود مكافحة التجسس لحزب الله إلى إطلاق حملة نشطة، الغاية منها كشف وتوقيف جواسيس محتملين وعملاء مزدوجين في لبنان عموماً، وداخل التنظيم على وجه الخصوص. وتعلقت إحدى الحالات البارزة بكشف الحزب في حزيران/يونيو 2011 وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2011، هوية عدد من أعضائه المتهمين بالتورط مع وكالة الاستخبارات الأميركية (سي. آي. إي). فقد كان لهذه الواقعة أثر كبير في حزب الله، إذ اعترف التنظيم للمرة الأولى بتعرضه للاختراق، الأمر الذي أبهت سمعته بوصفه لا يقهر وأنه محصّن ضد الخرق الداخلي.
•وبرغم أن الحالة الأخيرة ليست الأولى من نوعها، يكشف اعتقال عميل خارجي ضمن المراتب العليا للتنظيم قابلية الحزب لتغلغل عملاء خارجيين في صفوفه برغم صورته المروّج لها كتنظيم يتميز بالتماسك والولاء. ففي أعقاب عملية اغتيال القيادي الأمني البارز ورئيس شعبة العمليات الخارجية عماد مغنية في العام 2008، وهي العملية التي نسبت إلى إسرائيل، تعهد أمين عام الحزب علناً بالانتقام لمقتل مغنية. وأعقبت هذا التصريح العلني سلسلة من العمليات المحبَطة أو الفاشلة ضد مراكز وموظفين ومواطنين إسرائيليين في الخارج.
•ونظراً إلى الدور الكبير الذي كان يلعبه الجاسوس المزعوم المدعو شواربه في الجهاز العسكري للحزب، قد يكون تعاونه الممكن مع إسرائيل هو ما أسهم في إحباط عمليات لحزب الله في الخارج في كل من أذربيجان وتركيا وقبرص وتايلاند، وأخيراً في البيرو، فضلاً عن جمع معلومات استخبارية خطيرة حول قيادة التنظيم. وعلى صعيد الانتقام لمقتل مغنية، كان "النجاح" الوحيد الذي سجّله الحزب هو عملية مطار بورغاس في بلغاريا في تموز/يوليو 2012 التي أدت إلى مقتل خمسة سياح إسرائيليين ومواطن بلغاري. ودفع هذا الاعتداء الاتحاد الأوروبي إلى إدراج الجناح العسكري للحزب في قائمة التنظيمات الإرهابية. ونسب هذا الهجوم إلى الحزب بناءً على معلومات قيل إن شواربه وفّرها.
•ويأتي الكشف الأخير في توقيت صعب بنوع خاص بالنسبة للتنظيم اللبناني الشيعي، ولا سيما مع انخراطه هذا العام في صراعٍ متعدد الجبهات شمل دعمه بشار الأسد في سورية، وحماية مجتمع حزب الله الأهلي وبناه التحتية، فضلاً عن الدعم والتنسيق مع الجيش اللبناني في مواجهة الخطر "التكفيري"- بالإشارة إلى صعود المجموعات الجهادية السلفية في لبنان، وهذه ظاهرة فاقمها تدخل حزب الله في سورية. وشهد العام 2014 اعتداءات ناجحة لمجموعات معادية للحزب، وهذا ما دفع بالتنظيم إلى إعادة النظر في جهازه الدفاعي والاستخباري من خلال التركيز ليس فقط على مكافحة التجسس، وإنما على أمنه الداخلي أيضاً. علاوة على ذلك، بقي المشهد والحسابات على الصعيد الأمني لدى حزب الله، متأثرين بحالة الردع تجاه إسرائيل لفترة فيما بعد العام 2006 بحكم الأمر الواقع، وقد أصبح الحفاظ على الستاتيكو أصعب بشكل متزايد منذ بداية الحرب الأهلية في سورية، واضطرار حزب الله إلى الاختيار بين مصلحتين متعارضتين، أولاهما ضرورة التلويح بالقوة والتصميم والثانية إعادة تأسيس قواعد اللعبة في مواجهة إسرائيل، لأن ذلك تعرض للتأكل عقب الهجمات المنسوبة لإسرائيل ضد قوافل أسلحة في لبنان وسورية كانت متجهة إلى مراكز الحزب في لبنان. ومن جهة ثانية، لا يزال التنظيم يسعى لتفادي التصعيد والحرب الشاملة مع إسرائيل. وفي هذا السياق، تبنى التنظيم في غضون الأشهر القليلة الماضية، مسؤولية عمليات صغيرة الحجم في مزارع شبعا ومرتفعات الجولان.
•في ضوء المآزق المعقدة التي يواجهها الحزب، فإن الكشف المزعوم عن هذا الخرق الأخير من شأنه أن يصوّره التنظيم لجماهيره على أنه انتصار عملاني جديد. وبالفعل، من خلال كشف هوية متسللين في مراتب قيادية، يستطيع التنظيم أن يظهر قوته وفاعليته ويسخر من أجهزة إسرائيل الاستخبارية. والأهم من ذلك، على افتراض صحة التقارير الإعلامية، وبالرغم من أنه قد تكون لدى الاستخبارات الإسرائيلية عناصر أخرى استفادت منها، فإن هذا القيادي الأمني الكبير ومساعديه الأربعة قد يكونون قد ساهموا في إحباط هجمات لحزب الله في الخارج. وإذا كان الأمر كذلك فإن انكشافهم يمكن بالتأكيد أن يلحق الضرر بإسرائيل في حملتها ضد جهاز الإرهاب الشيعي. وخسارة إسرائيل لهذا الرصيد الاستخباري الكبير قد يحدّ من قدرتها على إحباط عمليات إرهابية مستقبلية ضد أهداف إسرائيلية في الخارج.
•إن استمرار تهديد الإرهاب الدولي من قبل التنظيم اللبناني الشيعي يؤكد على حاجة إسرائيل إلى نقل تحذير حازم إلى حزب الله كي يمتنع عن تنفيذ مزيدٍ من محاولات الاعتداء. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تعزز إسرائيل تعاونها الدولي في مجهود الكشف عن أنشطة التنظيم في الخارج. بل أكثر من ذلك، ونظراً إلى طريقة الحزب المعهودة في العمل والتي تتضمن عدم تبنيه مسؤولية تنفيذ عملياته الخارجية، فإن عدم وجود مخبرين من الداخل يعقد مسعى فضح حزب الله بوصفه أحد اللاعبين الإرهابيين الدوليين.