•في المعارك الانتخابية الماضية تكررت اللازمة السياسية التالية، وهي أن فوز الليكود- اليمين- والمتدينين مضمون، وأن نتنياهو سيكون بالتأكيد رئيساً للحكومة. واستندت هذه التقديرات إلى العديد من استطلاعات الرأي التي منحت كتلة اليمين 63- 68 مقعداً. لكنه في يوم الانتخابات، ظل المقعد 61 للكتلة غير مضمون طوال الليل، وخلال ساعات الصباح، فقط، تأكد أن شولي معولام هي عضوة الكنيست الـ12 عن البيت اليهودي في الكنيست، والعضو 61 في كتلة اليمين.
•على الصعيد الإسرائيلي العام، واستناداً إلى مؤشر الديمقراطية الأخير لسنة 2013 والذي نُشر قبل عملية الجرف الصامد، فإن نحو 50% من الجمهور اليهودي في إسرائيل يعتبرون أنهم ينتمون إلى اليمين واليمين المعتدل. وضمن هذا الإطار يمكن القول إن هناك عملية تزايد متواصل ومهم في أعداد الذين يتماهون مع اليمين، في مقابل تراجع أعداد الذين يتماهون مع اليسار، الذي اعتبر نحو 16% فقط من الذين شملهم الاستطلاع أنهم يتماهون معه ومع اليسار المعتدل. كما أن أحداثاً مثل عملية الجرف الصامد تؤدي إلى ارتفاع كبير في أعداد الذين يعتبرون أنفسهم مع اليمين. لكن مشكلة اليمين الكبيرة هي وجود ثغرة واسعة بين الانتماء الشخصي للناخبين وأنماط اقتراعهم، وسلوك الأحزاب التي تحظى بتأييد هؤلاء الناخبين.
•لنأخذ مثلاً موشيه كحلون، الشخصية التي كانت الأبرز في حزب الليكود. إذ يستطيع أي عضو في الحزب أن يحدثك عن نسبة التأييد التي يحظى بها كحلون وسط الليكود. وهو في الواقع يدين بمكانته وموقعه في الحزب إلى المجموعة اليمينية البارزة التي كان دائماً ينتمي إليها. وها هو كحلون مع اقتراب موعد الانتخابات يوضح أنه ينتمي إلى ليكود مناحيم بيغن، المستعد لإعطاء مناطق مقابل الحصول على اتفاقيات سلام. كما يحاول كحلون التقرب من الوسط أكثر فأكثر، وهو يشكل نموذجاَ بارزاً لكيفية جذب أصوات تعتبر نفسها يمينية وتحويلها إلى ائتلاف محتمل مع اليسار.
•المثل الثاني يتعلق بأفيغدور ليبرمان وحزب "إسرائيل بيتنا". فالهوية الشخصية لناخبي الحزب يمينية بوضوح. لكن في الأسابيع الأخيرة طرح ليبرمان خطته للسلام، ويثير مضمون هذه الخطة تساؤلات عدة بشأن مدى تماهيها مع أفكار اليمين.
•إن العنصر الجديد الذي يجب أن يؤخذ في الحسبان هو حزب شاس بزعامة آرييه درعي. فبرغم تراجع هذا الحزب في الاستطلاعات، إلا أنه ما يزال حياً يرزق. لم يخفِ درعي قط ميله إلى اليسار، ولهذا ليس من الواضح بتاتاً مذا سيفعل في اللحظة الحرجة عندما سيضطر إلى اقتراح مرشح لتأليف الحكومة أمام الرئيس. ويجب أن نعترف بحقيقة تاريخية هي أن الحريديم لم يمنعوا قط تشكيل حكومة يمينية مع وجود اغلبية من تكتل ليكود- يمين- متدينون. ويمكن افتراض أنهم لن يحولوا دون حدوث ذلك هذه المرة أيضاً برغم التهديدات، فأغلبية ناخبيهم لن يقبلوا باقتراح مرشح لتشكيل الحكومة من اليسار.
•في مثل هذه الحال ما الذي يبقى لنا؟ في الحقيقة هناك حزبان فقط يعتبران يمينيين: الليكود والبيت اليهودي. وبالاستناد إلى الاستطلاعات يستطيع هذان الحزبان معاً الحصول على 40 مقعداً تقريباً. أما الحزبان الحريديان يهدوت هتوارة وشاس، فيمكن أن يصلا معاً إلى 15 مقعداً.
•ومعنى ذلك أن تكتل اليمين مع المتدينين سيكون بحاجة إلى حزب كحلون أو ليبرمان من أجل الحصول على الأغلبية المطلوبة، في وقت لا يبدو موقع هذين الحزبين في اليمين واضحاً ومضموناً.
•حسناً فعل الليكود والبيت اليهودي عندما اتفقا على عدم مهاجمة بعضهما. والتحدي الذي يواجه الليكود هو الاستمرار في إغلاق فمه والالتزام بهذا التعهد حتى عندما يتضح له انتقال الأصوات من الليكود إلى البيت اليهودي. ومن المفيد لحزبي اليمين ألا ينسيا ما جرى خلال الانتخابات الماضية، فالحملة الناجحة لليكود ضد البيت اليهودي في الأيام الأخيرة من الانتخابات خفّضت تمثيل البيت اليهودي من 15 مقعداً إلى 12.
•والمشكلة أن هذه المقاعد لم تنتقل إلى الليكود بل إلى يائير لبيد وأضعفت التكتل. من هنا، فإن نشوء خلاف بين الحزبين هذه المرة من شأنه أن يؤدي إلى انتقال واسع للأصوات إلى أحزاب تبدو كأنها يمينية، لكن لا شيء يضمن أنها ستفضل حكومة يمينية. وبناء على ذلك، فإن فوز اليمين ليس مضموناً، ويجب وضع استراتيجية تتلاءم مع ذلك.